هل تكون تعددية "النواب" فرصة لتعزيز الحريات الإعلامية؟

وسائل الإعلام الأردنية أمام تحديات جديدة.. هل يرتفع سقف الحريات الصحفية؟


القضاة: الحكومة ستكون أكثر حذرا بالتعامل مع ملف الحريات ب ظل تكتلات نيابية قوية

منصور: استقلالية المؤسسات الإعلامية محط اختبار حقيقي بالمرحلة المقبلة

ديلواني: الإعلام سيشهد تحولات واضحة مع البرلمان الجديد

الأنباط – خليل النظامي

تعيش الساحة السياسية في الأردن تحولًا ملحوظًا بعد تشكيل مجلس النواب الجديد، إذ يتوقع العديد من الخبراء أن يؤدي هذا المجلس إلى تعزيز الحريات العامة، ورفع سقف الممارسة الصحفية، وهو أمر طال انتظاره.
في السياق، تتزايد التوقعات بشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس الجديد في تحسين المناخ الديمقراطي، خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، تحديدًا في ظل وجود كتل نيابية وأحزاب سياسية جديدة، ما قد يشكل ضغطًا على الحكومة لدفع مسار الحريات العامة نحو الأمام.
الصحفي خالد القضاة أشار إلى أن تأثير تركيبة مجلس النواب الجديد على الحريات العامة يعتمد إلى حد كبير على وضوح الكتل النيابية وأهدافها، لافتا الى أن وجود كتل نيابية ذات أهداف واضحة سيساهم بشكل إيجابي في تعزيز الحريات العامة في الأردن، سواء من حيث التشريع أو الممارسات الصحفية.
وأضاف لـ"الأنباط"، أن الحكومة ستكون أكثر حذرًا في التعامل مع ملفات الحريات العامة في ظل وجود تكتلات نيابية قوية، مقارنة بالوضع السابق الذي كانت فيه الحكومة تستغل انقسامات النواب لتمرير سياسات مقيدة للحريات.
رأي القضاة، يعكس التغير الكبير الذي يمكن أن يحدث في المناخ السياسي المحلي، إذ إن وجود كتل قوية وموحدة في البرلمان سيشكل تحديًا للحكومة، ويدفعها للتفكير أكثر قبل اتخاذ أي قرارات قد تؤثر سلبًا على الحريات، نظرا لأن التكتلات النيابية القوية تُعدّ بمثابة سد منيع أمام محاولات تقليص الحريات العامة، بما في ذلك حرية الصحافة.
واستذكر القضاة في معرض حديثه، التجربة السابقة لمجلس النواب الـ19، الذي وصفه أنه كان بيئة معادية للحريات العامة، مستندا بذلك الى الإشارة إلى مناقشات قانون الجرائم الإلكترونية، لافتا الى أن ما كان يميز التجربة وقتها موقف مجلس الأعيان، الذي كان أكثر تطورًا وصداقة للحريات رغم بعض التحفظات على بعض البنود.
وهذا يشير إلى أن المجلس الجديد، مع مكوناته من أحزاب وكتل جديدة، قد يكون أكثر استجابة لتطلعات المواطنين والصحفيين وحقوقهم وحرياتهم، فبرامج الأحزاب الانتخابية باتت وثائق واضحة يمكن من خلالها محاسبة النواب على مواقفهم وأدائهم، ما يزيد من الوعي المجتمعي حول القضايا المرتبطة بالحريات العامة.
وحول دور جماعة الإخوان المسلمين، قال القضاة إن للجماعة موقفًا واضحًا تجاه الحريات العامة، مستندًا إلى مبادئها الفكرية التي تدعو لتعزيز الحريات، لافتا الى أن البرنامج الانتخابي للجماعة يمثل وثيقة يمكن من خلالها محاسبتهم على مواقفهم البرلمانية المتعلقة بالحريات الصحفية والعامة.
وهذا يرمي الى أن المجلس الجديد سيشهد تنوعًا سياسيًا أوسع، مع تواجد تيارات ذات أيديولوجيات مختلفة، بما في ذلك التيار الإسلامي، وقد يكون لهذا التنوع تأثير كبير على النقاشات البرلمانية المتعلقة بالحريات، إذ يمكن لجماعة الإخوان المسلمين استخدام قوتهم داخل المجلس للدفاع عن الحريات الصحفية والعامة والمطالبة بتوسيعها.
ورجح القضاة أن تشهد وسائل الإعلام المحلية انفتاحًا أكبر مع المجلس النيابي الجديد، متوقعا زيادة في عدد المقالات والمقابلات في الصحف والقنوات الفضائية والبرامج الإذاعية، اضافة الى أن التغطيات الصحفية للقضايا العامة لن تخلو من مواقف الأحزاب المختلفة، بما في ذلك حزب جبهة العمل الإسلامي، الأمر الذي سيعزز من تعددية الآراء والمساهمة في تعزيز المهنية في الصحافة الأردنية.
ووفقا لـ توقعات القضاة أن من أبرز القوانين المتوقع أن تطرح للمراجعة والنقاش في مجلس النواب الجديد قانون الجرائم الإلكترونية، بحيث يتم تعديله ليتوافق مع متطلبات حماية أمن المعلومات مع نزع المواد التي تقيد الحريات العامة، لافتا الى أن إعادة النظر في القانون ستكون مطلبًا للعديد من الكتل النيابية، وليس فقط لجماعة الإخوان المسلمين، نظرًا للجدل الواسع الذي أثير حوله، خاصة المواد المرتبطة بالحريات العامة.
وحول العلاقات بين النواب وأعضاء الحكومة والمؤسسات الإعلامية، يرى القضاة أن العلاقات القائمة على المصالح المشتركة قد تتلاشى مع المجلس الجديد، خصوصًا بعد مغادرة بعض النواب الذين كانوا يديرون مؤسسات إعلامية بشكل غير مباشر، آملا أن تشهد المرحلة المقبلة تغطية إعلامية أكثر رشداً ومهنية في التعامل مع القضايا العامة.
التطور في العلاقات بين النواب والحكومة قد يسهم في تغيير الطريقة التي يتم بها التعامل مع وسائل الإعلام، إذ قد تصبح المؤسسات الإعلامية أكثر استقلالية في طرح القضايا دون التأثر بمصالح سياسية معينة وفقا لـ القضاة.
وفي هذا الإطار، يرى الصحفي طارق ديلواني من صحيفة "الإندبدنت" البريطانية أن التعامل الإعلامي الأردني مع المجلس النيابي الجديد سيشهد تحولات واضحة في ظل وجود تيارات سياسية ذات توجهات دينية، مشيرا إلى أن الإعلام تعرض للتهميش تحت قبة البرلمان بسبب قوى برلمانية مناوئة للصحافة، مرجحا أن يكون البرلمان الجديد أكثر تفاعلاً مع الإعلام نظرًا للتنوع الكبير الذي سيشهده.
ويضيف، هذا التنوع السياسي داخل البرلمان سيؤدي إلى استقطابات حادة ونقاشات مستفيضة حول ملفات وقوانين غير شعبية، مما سيوفر مادة إعلامية غنية، ويرى أن الإسلاميين بفضل شخصياتهم القوية وأيقوناتهم السياسية، قد يلعبون دورًا رئيسيًا في فرض أجندتهم على النقاشات البرلمانية.
وحول تأثير تمثيل الإخوان المسلمين على المشهد الإعلامي، أشار ديلواني إلى أن وسائل الإعلام التابعة للإخوان مثل (قناة اليرموك) تواجه صعوبات في الترخيص، وتوقع أن يؤدي حضور الجماعة القوي في البرلمان إلى تعزيز دور وسائل الإعلام التابعة لهم أو ظهور وسائل إعلام جديدة تعبر عن أجندتهم، بالإضافة إلى اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرقمية.
بـ المقابل، يرى مؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز حماية وحرية الصحفيين الصحفي نضال منصور، أن الصحافة تمارس دورها الرقابي بغض النظر عن طبيعة المجلس النيابي وتوجهاته، موضحا أن استقلالية المؤسسات الإعلامية ستكون محط اختبار حقيقي في المرحلة المقبلة، لافتا الى أن المجلس الجديد سيفرض تحديات كبيرة على الصحافة لتقوم بدورها الرقابي بشفافية وموضوعية.
ولفت خلال حديثه مع "الأنباط"، الى أنه في حال كان المجلس ضعيفاً، تستطيع الصحافة تكثيف دورها الرقابي، أما إذا كان المجلس أكثر جرأة، فإن ذلك سيفرض تحديات على المؤسسات الإعلامية، ويكشف مدى استقلاليتها وقدرتها على نشر المعلومات بشفافية.
وتابع، أن برلمان 1989 شهد نقاشات حادة وسياسات جريئة، وهو ما دفع الصحافة الأسبوعية آنذاك إلى التنافس في تغطية تلك النقاشات، في حين كانت الصحف اليومية تنقل ما يحدث تحت قبة البرلمان، مرجحا أن هذا التحدي قد يتجدد اليوم، ومؤكداً في الوقت نفسه أن الصحف المهنية وحدها هي القادرة على القيام بدورها في هذا السياق، حيث ستُختبر استقلالية المؤسسات الإعلامية بشكل حقيقي.
ودعا منصور الأحزاب السياسية إلى دعم قضايا الحريات وحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن البرلمان الجديد يضم 104 نواب حزبيين، ما يشكل فرصة لدعم قضايا الحريات العامة، لافتا الى أن العديد من الأحزاب السياسية انتقدت بعض القوانين التي تقيد الفضاء العام، معرباً عن أمله في أن تشهد وسائل الإعلام نهضة جديدة، تعيدها إلى سابق عهدها في تقديم مضمون متميز ومناقشات جريئة تتناول القضايا المجتمعية، مطالبا بتوفير الموارد المالية للمؤسسات الإعلامية، خاصة في ظل الأزمات المالية التي تعاني منها العديد من المؤسسات الإعلامية.
يبدو أن المرحلة القادمة ستكون حافلة بالتحديات الإعلامية، حيث من المتوقع أن تزيد التغطيات الإعلامية للقضايا المتعلقة بالحريات الصحفية والعامة، ما سيساهم في تعزيز الدور الرقابي لوسائل الإعلام المحلية المختلفة، والمساهمة في رفع السقف المهني والتزام الصحافة بتناول قضايا المواطنين بموضوعية وشفافية، نظرا لكون التحديات التي تواجه الحريات العامة والممارسات الصحفية كبيرة، إلاّ أنها تأتي مع فرص هائلة لتعزيز الديمقراطية ودور الإعلام كقوة رقابية في المشهد السياسي الأردني.