مشكلة القرار في الكيان ...
إبراهيم ابو حويله ...
يبدو ان ما يريده النتن ياهو هو في رأسه وفي رأس تلك الثلة من المتطرفين معه فقط، هو حلم صعب المنال، هناك مرحلة ما يصلح معها ان تستمر الحياة الطبيعية حتى بين الأعداء ، وهناك مرحلة لا تعايش فيها ، فيسعى طرف للقضاء على الطرف الأخر بكل السبل ، وهنا يستحضر الإنسان كل وسائلة في المدافعة ، فهذا العدو لا يريدك هنا .
الخطورة وبحسب مجموعة من المحللين الغربيين واخريين من الكيان نفسه هو ان هذه الحالة التي لا ولن تستطيع القضاء فيها على الأخر ، وفي الوقت نفسه لا تترك له مخرجا من الوضع الذي تصر على وضعه فيه ، وتحرمه من كل اساسيات الحياة في سبيل التخلص منه ، ولكنك لست بقادر على ذلك ، هنا سيرتد اليك الأمر .
ما تفعله الثلة الحاكمة في الكيان يوصف حتى من اقرب الداعمين له بانه طريق مسدود ، وليس هناك بن غورين ولا كسينجر ليخرج الكيان من ورطته ، وهذه الثلة التي في جزء منها تسعى لجر المنطقة للمواجهة لتحقيق وعد ديني أو اطماع جغرافية في رؤوسهم ، وفي جزء اخر يخشون اليوم التالي ، فهم معرضون للمسألة والحساب في اليوم التالي .
هل جرّ الكيان نفسه إلى مواجهة لا ولن يخرج منها ، فهو يريد العودة في صورة ما إلى ما قبل السابع من أكتوبر ، وفي صورة اخرى لا يستطيع التعامل مع الوضع الراهن ، وفي صورة ثالثه يخسر يوميا اصدقاء وحلفاء وداعميين ، طبعا الكيان يعول على الدعم المطلق للولايات المتحدة التي لم ولن تخذله في كل ما ذهب إليه من دعم مالي وعسكري واسلحة وخبرات واستشارات ، ولكن الوضع الراهن لا يحمل الكثير من الحلول للقيادة في هذه الكيان ومن خلفهم .
وهذا ما يبدو أن المقاومة الجريحة تسعى إليه ، فهي تدرك تماما أن هذه العصابة من اليمين المتطرف الحاكمة في الكيان لن تعطيها شيئا ، بل هي تسعى لحرمانها من كل مكتسباتها التي حصلت عليها كما فعلت مع جماعة اوسلو ، واستطاع الكيان إيصال هذه الجماعة إلى دور وظيفي يخدم الكيان واهدافه حتى لو كان في هذه الخدمة نهايتها ، وذلك عبر ربط مصالحها الآنية والمالية بهذا الكيان ، والضغط لحرمانها من مكاسب مؤقتة في سبيل التنازل عن وطن ، وهذا ما يسعى إليه النتن ياهو وجماعته اليمينية المتطرفة ، وفي صورة اخرى يريدون ارضا بلا شعب حتى لو كان الشعب موجودا ، لكنه كما يصف المسيري يصبح جماعة وظيفية تخدم المحتل على حساب كرامته وعيشه وحريته ، فهي تسعى لتسلب منه حريته وصوته وحركته وحياته مع تلك الأرض التي سلبتها سابقا .
مأزق الكيان يتعمق كل يوم ، فهو يواجه تحديات على المستوى الداخلي ، فهذا التمزق والتشرذم والإختلاف يلقى بضلال ثقيلة عليه ، والجبهات تتسع وتتطور ولا تظهر بوادر حل في الأفق تعطي اي فئة من هذه الفئات ضوء في نهاية النفق ، ولذلك يسعى مجموعة من المحللين الداخليين والغربيين لدراسة وتحليل الوضع الراهن ومحاولة السعي للخروج بحل لهذه الأزمة التي يرون أنها تتعاظم يوما بعد يوم .
هذا الخليط العجيب الذي وصل إليه الكيان ، فهو من جهة دولة احتلال ومن جهة اخرى دولة متطرفة تحدث مشاكل في الشرق الأوسط ، ومن جهة يريد ان يكون واحة للإستثمارات والصناعة والتكنولوجيا والديموقراطية القائمة على الفصل العنصري طبعا ، والتي تخلق مناطق معزولة بقوانين وانظمة تخالف كل الأعراف والقيم الدولية والإنسانية ، ما خلق قلق وإنقسام الداخلي وخارجي ، أضف إلى ذلك سعي الثلة الحاكمة للسيطرة على مقدرات هذا الكيان والقضاء والسلطة فيه ، ما شكل محاولة لخلق ديكتاتورية بصورة ديمقراطية ، وبالتالي وصل الإنقسام إلى مظاهرات بين المؤيدين والمعارضين ، وهناك جنود احتياط يرفضون الخدمة ، وهناك تطرف في التعامل مع الفلسطينين ، وهناك مباركة من حاخامات لمن يقوم بالتعذيب وايذاء الأسرى بدنيا وجنسيا ايضا ، كيف وصل الكيان إلى هذا المرحلة ، هذا ما يراه اصدقاء وحلفاء امرا خطيرا يجب ايقافه .
ان استمرار هذه الحرب هو استنزاف للقدرات العسكرية والمادية للكيان ، ولكن لماذا يستفزون دولا متحالفة معهم واخرى مطبعة معهم ، لماذا يرفضون عرضا مغريا من السعودية بإيقاف الحرب والتطبيع الفوري معهم .
كيف تفكر النخبة في الكيان ولماذا يصعد الكيان ؟
الدكتورة والباحثة في جامعة كاليفورنيا داليا نشرت في الانترناشونال افيرز مقالا ذكرت فيه ان القيادة في الكيان تعيش حالة من الذعر والخوف بسبب ما احدثه هجوم المقاومة عليها ، فهو سلبها من الردع والحالة الأمنية التي كانت تعيشها قبل ذلك وهذا ما عبر عنه صراحة اكثر من زعيم هناك ، وما قامت به المقاومة والرد الايراني لاحقا عليها جعل قادة الكيان في حالة من الخوف الشديد بسبب فقدهم لهذه الحالة ، فهم كانوا قادرين قبل ذلك على القيام بأي عمل وضرب المقاومة في اي مكان كما كان يحدث في سوريا وغيرها دون توقع الرد ، والآن الردود تاتيهم من كل مكان .
الكيان اليوم يتحرك في الاتجاه المعاكس في جميع المسارات ، اشار الكاتب من الكيان ديفيد روزوبيرغ في فورن بولسي ، إلى كيفية اندهاش الشركاء من تصرفات الكيان الخطيرة في العشرة اشهر الأخيرة ، والسبب الأهم لهذه التصرفات برأيه هو الشعور بالخوف من ضياع كيانهم ، فقد كان الحلم قاب قوسين أو ادنى وكان الكيان في افضل ايامه ، ووقف النتن ياهو مزهوا بقوته في مجلس الأمن ودون ان ترمش له عين اظهر خرائط ورسم مستقبلا للمنطقة واضاف وشطب ، وهناك دولا عربية تحلم للتطبيع معه وكان يظن ان لن يقدر عليه احد .
ومتوسط دخل الفرد في الكيان يتجاوز الخمسين الف دولار ، وطفرة اقتصادية وصناعية وتكنولوجية وشركات عابرة للقارات وعروض ، وقوة دفعت قادة الكيان للاعتقاد بأن لا داعي للإلتفات إلى أحد فضلا عن الفلسطينين واعطائهم حقوقهم او التفاوض معهم ، ولكن ما حدث مؤخرا نسف كل هذه الإدعاءات ، ولقد سقطت بقوة اسطورة النصر التام والردع التام والإستخبارات الفائقة كما يقول اكثر من باحث .
وبين سعي للعودة إلى ما قبل هذه اللحظة اللعينة التي وصل إليها الكيان اليوم، وحلم بأن يحدث أمر ما يعيد الأمور إلى تلك الحالة التي اصبحت اليوم ضربا من الخيال ، بل ان كل يوم جديد لا يحمل فرجا ولا أملا ولكن يجعل ما قبله أفضل منه فهو يزعم اليوم بأن ثمانية دول تهاجمه ، فهذا المستنقع يزداد برودة وظلمة ووحلا كل يوم .
يبدو أن الأرض تعرف اهلها وتضيق على أعدائها ، ويبدو ان انفسهم تضيق عليهم ايضا ، فما ارى في حقيقة الأمر الموقف الأمريكي الداعم بهذا الشكل السافر إلا في الحقيقة خوف الأم الغبية على إبنها الهامل الذي يقع كل مرة في مشكلة اكبر من سابقتها .