إبراهيم ابو حويله يكتب : الفردانية ...
في تلك الدائرة التي نعيش فيها يحدث كل شيء ، ومنها ينطلق كل شيء ، وقفت عند تلك الدائرة التي اغلقناها على انفسنا فلا نرى ولا نسمع ولا ندرك ما يحدث خارجها ، قالوا مرة عن تلك الشعوب التي تعيش لذاتها بأنها تصنع دمارها بنفسها .
هل حقا هذا صحيح وهل فعلا تستطيع الفردانية ان تدمر مجتمعا ، الفردانية حسب الشات جي بي تي هي السلوك الذي يركز على مصلحة الفرد الشخصية ويجعلها فوق مصلحة الأخرين او المجتمع ، وهي نوع من الأنانية حيث يسعى الشخص لتحقيق أهدافه ورغباته الشخصية دون مراعاة تأثير ذلك على الأخرين .
في المقابل الفردية هي التي تقدر الحرية الفردية واستقلالية الفرد ، وان الفرد هو الوحدة الأساسية في المجتمع ، وهي تعطي للفرد حق التعبير عن النفس وتحقيق الذات . انتهى .
نعود للأثر النفسي لهذه الدائرة على الأخرين وما يمكن أن تقوم به هذه النزعة عندما تكون هي السائدة في المجتمع ، وكيف ان العقلاء والمفكرين والفلاسفة والمتدينين يصرون جميعا على الأثر السيء للفردانية ويختلفون في الفردية .
في تلك الدائرة الشخصية تكبر احلام وتصغر حقائق ، وتعظم الأنا وتختفي الجماعة ، وعندها يسرق الفاسد وطنا ليضع النقود في بنك سويسري ، ويمارس الأخر تعذيبا ليدفع اخ او ابن او حتى هو نفسه ثمن هذه السياسة الفرادنية كما حدث مررا ، فمن عذب بفتح الذال عذب بضم الذال ومن سجن سجن ومن عدم عدم .
وعندما يقف اخر في وجه وطن او مستثمر او مشروع او مصلحة اوعدالة لأنها لا تحقق فرادنيته .
كلما كبرت دوائرنا الشخصية ضاعت اوطاننا ، لن اقف حكما على ما حدث في دوائرنا الضيقة ، فضلا عن دوائرنا الأوسع وجيران من امثال سوريا والسودان وليبيا وعلى صورة اضيق أو اوسع تستطيع ان تضيف او ترفع من تشاء ، ولكن انظر بعين الحكمة والعدالة الى مفهوم الفردية والفردانية ، وكيف يقف رجل مثل ترامب عاجزا امام المؤسسة السياسية والأمنية الأمريكية ، وكيف انه لم يستطع أختراقها ، وعليه أن يلعب وفق قواعدها .
كلما كانت الدولة او الأمة اوالحضارة قائمة على الفردانية كلما كان زوالها اسرع وعدم عودتها امرا حتميا ، وخذ ما حدث مع الرومان والفرس والمغول والتتار وغيرهم ، نعم هناك امور اخرى تلعب دورا هاما ولكن هذا العامل هو من العوامل الرئيسية ولا يمكن بحال تجاوزه .
فمثلا امريكا اليوم ليست قائمة على الفردية ولكن على الفردانية ، الجميع للجميع والفرد للجميع وليس الجميع للفرد ، ولذلك استمرت وقويت وتطورت ووصلت إلى ما وصلت اليه ، تستطيع ان تتخيل ان اوباما من اب مسلم وتربى في اندونيسيا ، ولم يمنع ذلك أن يكون الرئيس بسبب صفاته وانتمائه لهذه المؤسسة .
وهذا ما أعطى الإسلام القوة الأولى والدفعة الحضارية الأولى رغم وجود ، رغم سيطرة الفردانية على بعض الأفراد فيها ولكن ليس على المجموع ، ولن تنهض هذه الأمة وتتحرر وتتطور إلا عندما تنتقل من الفردانية إلى الفردية ، ومن مصلحة الفرد إلى مصلحة الجماعة.
إبراهيم ابو حويله ...