صعود اليسار الاجتماعي -البرامجي- عالميًا، ماذا يعني لنا ذلك في الأردن!؟.
صعود اليسار الاجتماعي -البرامجي- عالميًا، ماذا يعني لنا ذلك في الأردن!؟.
يشهد اليسار الاجتماعيّ صعودًا عالميًا مستمرًا، ففي امريكا اللاتينية بدأت منذ عقود أحزاب اليسار الاجتماعي في الصعود والوصول إلى السلطة ولا سيما في البرازيل تلك التجربة التي كثيرا ما أشار لها الأردنيون بعين الاستحسان، وفي الآونة الأخيرة، شهدت أوروبا تحولاً ملحوظاً في المشهد السياسي مع صعود قوى اليسار الاجتماعي، وهو ما تجلى في فوز الجبهة الشعبية في الانتخابات الفرنسية وحزب العمال في بريطانيا، هذا التحول الذي يعكس ديناميكيات معقدة تجمع بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا سيما بعد أن غرقت أوروبا في قبضة اليمين .
سنحاول في هذا المقال قراءة هذا الصعود وتحديد أهم انعكاساته ودلالاته، بالإضافة إلى فهم أسباب تراجع اليمين بعد صعوده في العقد الأخير، ووضع ذلك في سياق أردني يجيب على سؤال لماذا يسار الوسط خيارنا ومستقبلنا!؟
بداية أود أن أشير إلى أن صعود اليسار الاجتماعي في العالم ليس جديداً، فقد شهدت أوروبا تحديدا موجات من الحركات اليسارية عبر تاريخها، ومع ذلك، في العقد الأخير، تراجعت الأحزاب اليسارية الاجتماعية بشكل كبير في مواجهة صعود اليمين الشعبوي واليميني المتطرف، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 وأزمة اللاجئين في 2015.. هذه الأزمات ولدت مخاوف لدى شريحة كبيرة من السكان، مما دفعهم نحو الأحزاب التي تعد بالاستقرار ووضع حد لقضايا الهجرة.
وهنا يجب أن نجيب عن سؤال مهم، لماذا يصعد اليسار البرامجي الآن!؟وذلك يعزى برأيي إلى جملة من الأسباب: أهمها التفاوت الاقتصادي في السنوات الأخيرة، مما دفع للبحث عن بدائل تعيد توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، إن الأحزاب اليسارية الاجتماعية ترتكز برامجها على العدالة الاجتماعية والاقتصادية، مما جعلها خيارا مثاليا لمواجهة أزمات متعددة خلّفتها الرأسمالية الجديدة مثل الطبقية وإنعدام الحماية الاقتصادية وهنا ننتقل للسبب الثاني وهو تزايد الأزمات الاجتماعية مثل البطالة، نقص الإسكان، وتدهور الخدمات العامة، وغياب الحماية الاجتماعية،مما جعل الناخبين يميلون للأحزاب التي تطرح حلولاً جذرية لهذه المشاكل، هذه المشاكل التي يعاني منها السواد الأعظم من الناس في العالم، فقدرة اليسار الاجتماعي على وضع برامج وسياسيات مستندة على تنظير أيدولوجي مرن ومنطقي يعزز من صعودها.
كما أن لفشل السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اعتمدتها الأحزاب اليمينية والتي سببت مزيدا من الأزمات المالية العالمية وأدت إلى سيطرة الأثرياء والذين يشكلون أقل من ١٪ من البشر على الاقتصاد العالمي والموارد الطبيعية، بالإضافة الى انتشار ثقافة الاستهلاك والتسليع والتي جعلت لكل شيء ثمن وكل شيء سلعة.. هذه الأزمات وغيرها الكثير دعت للبحث عن بدائل تسدّ الفجوة التي صنعتها الرأسمالية الجديدة والحقيقة أن البديل كان مستعدا وجاهزا وأثبت نجاعته وثقته عندما سمحت له الفرصه للصعود .
ومن هنا انتقل الى الفكرة الأساسية في هذا المقال ،فبعد إنجاز مشروع التحديث السياسي والاقتراب من أول اختبار انتخابي له ، وبعد ان استقرت برامج الأحزاب واتضح موقعها على الطيف السياسي ، هل يذهب الناخب الأردني في خياره نحو يسار الوسط البرامجي !؟ ولماذا يسار الوسط ومن يمثله نعتقد أنه الخيار المثالي أردنيا!؟
نفسها الأسباب التي تم ذكرها عالميا هي ذاتها من تدفع إلى صعود مرتقب لليسار الوسطي البرامجي الوطني أردنيا، فاتساع الفجوة الاقتصادية في الأردن يزداد باستمرار ومعدلات البطالة تدق ناقوس الخطر ،وتنخر بين الشباب وتأكل طموحاتهم، والحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة تتراجع ،والدين العام يصل إلى مستويات مقلقة اقتصاديا ، مما يدفع الناخب إلى الاتجاه نحو البديل الأقرب تعبيرا عن مصالحه، البديل الذي يحمل برنامجا اقتصاديا إجتماعياً، وأنا هنا أقول إقتصادياً إجتماعياً تعبيرا عن أن البرنامج والسياسة الاقتصادية يجب أن تعبر عن مصالح الشريحة الأوسع اجتماعياً لا عن مصالح فئات محدودة جدا .
إن تجربتي .... وبعد قراءة اقتصادية سياسية متعمقة ، لحركة العالم وربطها بالتحديات الأردنية ،تجعلني أثق في السير نحو تمثيل أكبر شريحة ممكنة من الأردنيين.
وختامًا أكرر أننا اليوم لسنا بمعزل عن العالم، فنحن في خضم هذه الصيرورة العالمية ، وإن صعود اليسار الاجتماعي عالميًا يعكس تحولاً عميقاً في المزاج السياسي للناخبين، الذين يبحثون عن بدائل للتفاوت الاقتصادي والسياسات النيوليبرالية الفاشلة مع تزايد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ، فاليوم الناخب يدعم من يقدم حلولاً أكثر شمولية وجذرية، وتراجع اليمين النيوليبرالي يعبر عن فشل السياسات الشعبوية في تحقيق التغيير المطلوب والعدالة الاجتماعية المنتظرة، مما يتيح فرصة جديدة لليسار الاجتماعي البرامجي لإعادة تشكيل المشهد السياسي نحو عالم أكثر عدلًا، ونحن في الأردن سنقول كلمتنا.
م . ابراهيم العوران