هل ينجح بزشكيان بإطفاء الملفات الحارقة؟

د.منذر الحوارات


فاز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة الإيرانية بفارق مريح في الجولة الثانية من الانتخابات، وفوزه يطرح اسئلة عديدة أولها هل يستطيع الرئيس الجديد تبني سياسات اصلاحية اكثر اعتدالاً وتقدمية داخل ايران وخارجها؟ تاريخياً دعا القادة الاصلاحيون إلى مزيد من الحريات الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية ومزيد من الانفتاح على الغرب، لكن قبل البدء بتفكيك ما إذا كان الرئيس الجديد قادرا على النجاح أم لا بالذات انه الإصلاحي الوحيد الذي مُكن من دخول السباق الرئاسي منذ العام 2020، والسؤال المُلح هنا لماذا سُمح له اذا بالدخول إلى الحلبة أصلاً؟ 

 مسعود بزشكيان طبيب القلب والوزير السابق للصحة في حكومة خاتمي ينتمي إلى الجانب المحافظ من المعسكر الإصلاحي وبالتالي هو رهان آمن بالنسبة للمرشد كما انه لا يتمتع بأي صلة مع الحرس الثوري وتلك ميزة ذات مغزى، فمن المعلوم ان علاقة آخر ثلاثة رؤساء لم تكن على ود مع الحرس الثوري او ربما كانت سيئة فخاتمي تلقى رسالة تحذير من الحرس الثوري بأنه إذا لم يقمع التظاهرات فإنهم سيتدخلون ضده، أما محمود احمدي نجاد فكانت علاقته سيئة جداً مع الحرس وهو الذي وصفهم بالأخوة المهربين، وفي العام 2013 فاز حسن روحاني ضد العديد من المرشحين المفضلين علناً من قبل قيادة الحرس الثوري، ورغم أن إبراهيم رئيسي كانت على علاقة جيدة مع الحرس الثوري لكنه لم يخدم ابداً فيه، وعموماً قضى في حادثة طائرة سقطت أو أُسقطت، كل تلك المؤشرات تشي بأن المرشد غالباً ما يفضل رئيساً منقطعاً عن الحرس الثوري ربما كي لا يتكون فائض من القوة نتيجة مثل هذه العلاقة تكون قادرة على تغيير ميزان القوة داخل النظام بعيداً عن يد المرشد وما يؤكد ذلك تصويت المرشد لبزشكيان، كما ان الموافقة على المرشح الاصلاحي وهو الأقل خطورة كانت خطوة ذكية لإجبار الاصلاحيين والأقليات على المشاركة وإضفاء الشرعية على الانتخابات وبالتالي النظام، رغم أن أعدادا كبيرة من الإيرانيين باتوا يرون ان الإصلاح عن طريق الصناديق أمراً مستبعداً إلا أنهم لم يبخلوا بأصواتهم على اول اصلاحي منذ عام 2020. 
 

لكن ما هي اجندة بزشكيان والذي سينفذ ما يأمر به المرشد كما قال، وهو الذي أعلن في خطاباته أنه لن يستطيع معالجة تضخم وصل إلى 40 ٪؜ ما لم ينفتح على القوى الغربية كي تقلل العقوبات على إيران وهذا يتطلب خطوات واسعة في البرنامج النووي وأيضاً تقليل تدخلات إيران في دول الإقليم وبالتالي بعض التراجع في أهداف إيران الاستراتيجية، والسؤال المهم هل التدخل في هذه الأمور مُتاح لبزشكيان؟ في هذا السؤال تكمن الإجابة، فكما هو معلوم يعتبر النظام السياسي الإيراني مزيجاً من الثيوقراطية والديمقراطية المقننة، وبالتالي نحن أمام مراكز قوى متعددة تتداخل فيما بينها لخدمة هدف واحد وهو استمرار النظام، وأهم مكونات النظام الثمانية هو المرشد وله السلطة المطلقة على جميع فروع الحكومة والجيش ووسائل الإعلام والحرس الثوري وهذا الأخير احد الأذرع المهمة في يد المرشد، بالتالى فإن الأهداف التي أعلنها الرئيس المنتخب من مسؤولية أطراف أخرى، فمثلاً البرنامج النووي يشرف عليه المرشد مباشرة بالتالي لن تتحقق اي خطوة في هذا الملف إلا بموافقته ومثل ذلك السياسية الخارجية فهى من حصة الحرس الثوري، اذاً فالرئيس بالنسبة لجوهر النظام الإيراني هو الشخص الثاني المعني بالتنفيذ وليس الصناعة.
اماً بالنسبة لعدم الاستقرار الإقليمي الذي ساهمت التدخلات الإيرانية في إذكاء جذوته بسبب دعم الحرس الثوري لمليشيات خارج سياق الدول مما نتج عنه هيمنة ميليشياوية على العديد من الدول العربية وتراجع تلك الدول وتحولها إلى دول فاشلة مما قوض سيادتها، كما أن دعمها للانقسامات الطائفية أدى إلى انقسامات عمودية في داخل بنية العديد من دول الإقليم، وأضيف إلى ذلك النشاطات الإيرانية العسكرية التي أدت إلى التنافس الجيوسياسي الذي أضر بالعلاقات بين دول المنطقة، بالتالى فإن محاولة إيران توسيع نفوذها كانت سبباً رئيسياً في زعزعة الاستقرار والطائفية والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، وكل هذه الملفات المعقدة خارج سيطرة الرئيس بالتالي فإن تدخله في حلها او ربما استقرارها امر مستبعد بسبب تعدد مراكز القوى المعنية بهذه الملفات، وبالتالي فإن خطة الرئيس الداعية إلى حلول على الصعيد الداخلي لا يمكن تحقيقها إلا بانفراجات خارجية وهذه ليست من شأنه، بالتالي فإن فرص نجاحه في الداخل مثلها في الخارج ما لم تقرر القوى الفاعلة في إيران إحداث مثل هذه الانفراجة فإن ملفات المنطقة الحارقة ستبقى مشتعلة دون حل لأن هذا الحل ليس من صلاحيات الصندوق بل هو في مكان آخر ليس الصندوق بالنسبة له إلا أداة تستخدم للانفتاح تارة وتبييض الصفحة تارة أخرى.