الفشل المجاني للامركزية

الفشل المجاني للامركزية

 

وليد حسني

 

 

 

كاد رئيس الوزراء د. عمر الرزاز يعلن نعيه الرسمي لتجربة اللامركزية في لقائه امس برؤساء مجالس اللامركزية في المحافظات، فقد بدا الرئيس في تقييمه للتجربة وكأنه يؤكد لكل ذي لب أن التجربة لم تكن بحجم الطموحات والأفكار، وبالرغم من تحاشيه الإعتراف المباشر بفشل التجربة إلا انه قال الكثير عن ذلك الفشل الذي يمشي على الأرض منذ أصبحت تلك التجربة واقعا على الأرض.

 

بدأت التجربة من فكرة نبيلة استندت الى مبدأ أن يكون لكل محافظة مجلس نيابي خدماتي يحمل كل الأعباء الخدماتية عن مجلس النواب ليتفرغ الأخير للتشريع والرقابة، فيما ترتكز اعمال البرلمانات المحلية في المحافظات على الجوانب الخدماتية والتخطيط والاشراف والتنفيذ..الخ.

 

حين انقشعت غيمة انتخابات اللامركزية العام الماضي كتبت هنا في "الأنباط" عن فشل التجربة، وقلت الكثير في حينه عن تلك الفكرة العرجاء، والمشروع الذي ولد ميتا، بدون موازنات، وبدون صلاحيات عمل، وبدون أية ادوات يمكنها الدفع بتلك التجربة للنجاح والتأسيس على منجزها في نسختها الأولى ليتم تطويرها لاحقا.

 

قال الرئيس الرزاز أمس شيئا مما قلته قبل سنة مضت"نحن متوافقون على أن اولويات المحافظات يجب ان تتم ماسستها وان يتم تعزيز دورها في المجال الخدمي والتنموي حتى يتفرغ مجلس النواب لدوره وواجبه الاساسي في الرقابة والتشريع "، وهذا ما كان يمثل صلب فكرة المشروع، لكن النتيجة كانت مخالفة تماما، فقد برزت الكثير من النواقص مقابل التحديات الكثيرة، على نحو عدم وجود موازنات وفقدان الصلاحيات، وغياب ادوات العمل التي تمكنها من التخطيط والانجاز، في ظل استمرار المركزية العالية في العطاءات والتنفيذ، فضلا عن عدم توافر مكان لأعضاء اللامركزية للعمل من خلاله.

 

هذه حالة التشخيص التي أحصاها الرزاز  للامركزية التي وصلت الى ما وصلت اليه من الضعف والفشل وقلة الحيلة، والتي ادت بالنتيجة الى تحويل اعضاء اللامركزية في المحافظات الى مجرد عناوين بلا مضامين، وتحولت التجربة برمتها الى مجرد عنوان عريض لفشل كنا في غنى عنه تماما.

 

بالأمس قال الرئيس الرزاز ان الحكومة ستعيد النظر في التجربة عبر اجتماع يعقد قريبا بين رؤساء مجالس المحافظات ووزراء التربية والصحة والاشغال والاسكان ومدراء تلك الوزارات لغايات منح تلك اللجان المزيد من الصلاحيات خاصة في ملف العطاءات.

 

هذا التوجه الحكومي لن يكون كافيا بالمطلق لضمان إعادة الاعتبار للفكرة الأم التي انبثقت عنها تجربة اللامركزية، وبدون اتخاذ قرار بتطوير قانون اللامركزية، وبناء موازنة الدولة على أساس اعتماد موازنات كل محافظة بموجب ما تقرره اللجان في كل محافظة، وبدون منح صلاحيات أوسع للجان فستبقى التجربة بكامل تفاصيلها مجرد عنوان عريض لفشل فكرة كانت ولم تزل نبيلة تماما، وتحتاج فقط لإعادة بناء التجربة من جديد وعلى قاعدة أن تصبح تلك اللجان مجالس برلمانية محلية في كل محافظة وبغير ذلك فسنبقى نجتر الفشل، وعندها لن تتحقق مقولة الرئيس الرزاز التي اعلنها أمس حين اعتبر اللامركية جزءا من مفهوم النهضة الشاملة التي وردت كتوجيه ملكي للحكومة في كتاب التكليف السامي للحكومة، وهو عين ما الزمت الحكومة نفسها به في بيانها أمام النواب..

 

على الحكومة العودة مجددا لفتح ورشة عمل واسعة وممتدة لتقييم كامل التجربة، وإعادة بنائها من جديد، أما سياسة الترقيع فلن تجدي نفعا بعد أن اتسع الخرق على الراتق.//..