مؤتمر الأمل لغزة
بقلم: علاء ثابت
كنت أتابع عمليات إنزال المساعدات الإنسانية من الأردن إلى غزة المحاصرة بالنار والجائعة والمشردة. وتعجبت من أن العاهل الأردني قاد رحلتين وسط النار والقذائف إلى سماء غزة، ليسقط منها المساعدات، وأن ابنته الأميرة سلمى شاركت في قيادة طائرات الإنزال. وبافتراض أن الأردن أبلغ الطرفين المتحاربين في غزة بتوقيت ومسار طائرات إنزال مواد الإغاثة، فهذا لا يضمن سلامة عاهل الأردن أو ابنته الأميرة سلمى. فالسماء مليئة بصواريخ ومدفعية وطائرات حربية وأخرى مسيرة، وقذائف من كل نوع، والأسلحة منتشرة في كل مكان. ولا ضمان بأن المسلحين تلقوا جميعاً المعلومات عن توقيت ومسار طائرات المساعدات الأردنية. وفي كل الأحوال، فإن الخطر محدق بملك الأردن وابنته سلمى، وأنهما أقدما على قيادة طائرات مواد الإغاثة، والتي تتطلب خفض السرعة إلى أقصى حد، وكذلك الانخفاض قرب سطح الأرض، وإلقاء صناديق المساعدات قرب المناطق المأهولة، تحدي هذه المخاطر من جانب عاهل الأردن وابنته ينبع من إحساس عميق بما يعانيه الشعب الفلسطيني، ومشاركة وجدانية معه في محنته، ورغبة في عمل أي شيء يخفف من معاناته مهما كانت المخاطر على عاهل الأردن شخصيًا وابنته. إن الدافع إلى تلك المشاركة هو الحب والمشاعر الإنسانية، والكشف للعالم عن هول المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، والذي يواجه التدمير والإبادة والتجويع.
إنها نفس الدوافع الإنسانية العميقة التي دفعت المملكة الأردنية إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي في الأردن من أجل "الاستجابة الإنسانية العاجلة لإنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة". ومثلما شاركت مصر مع الأردن في إرسال طائرات إنزال للمساعدات إلى غزة، فإن مصر تشارك أيضًا إلى جانب الأردن والأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر الاستجابة الطارئة لإغاثة غزة، وهو المؤتمر الدولي الذي يبدأ الثلاثاء المقبل في الأردن. ويشارك فيه قادة ورؤساء حكومات ووزراء ومؤسسات إغاثة دولية، لتأخذ على عاتقها إجراءات عملية وفورية من أجل إرسال مواد الإغاثة لشعب غزة. ويحدد المؤتمر الاحتياجات العاجلة وسبل توفيرها وخطط إيصالها، ويضع الجانب الإسرائيلي في مأزق إذا حاول عرقلة جهود كل تلك الوفود المشاركة، والتي لن تكتفي بعبارات الإدانة أو المطالبة بإرسال المساعدات، وإنما ستتخذ إجراءات عملية وفعالة من أجل تنفيذ هذه الغاية الإنسانية.
إن مؤتمر الأردن بمشاركة مصر والأمم المتحدة يختلف عن أي مؤتمر دولي سابق، ويخرج من دائرة المناشدات والدعوات التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ العملي، بسبب التعنت الإسرائيلي ووضع العراقيل. فالمؤتمر هذه المرة لا يناقش إصدار بيانات أو مناشدات، بل يتخذ قرارات عملية وتنفيذية، وسيكون إيذانًا بتحرك دولي أوسع، ويفتح الطريق أمام قوافل إغاثة الشعب الفلسطيني بالفعل وليس بالقول. وهناك تصميم واضح أن مخرجات المؤتمر تضع في اعتبارها كل سيناريوهات المواجهة مع إسرائيل إذا ما استمرت في المماطلة ومحاولة عرقلة وصول ما يكفي من مساعدات. وأن هذا الحشد الدولي له غاية إنسانية واضحة ومحددة، ولن يقبل بأي محاولة التفاف لمنع وصول مواد الإغاثة إلى أطفال ونساء وشيوخ غزة، وأن المؤتمر سيحشد كل الدعم السياسي والإعلامي الدولي من أجل إنجاح عمليات الإغاثة. لهذا، أتوقع أن يحقق هذا المؤتمر النجاح المأمول، وأن يفتح ثغرة في تلك المعاناة الإنسانية، تصبح جسرًا للأمل.