عن معادن العرب تسألوني...



 الإنسانية مفقودة  في المحيط العربي ولا أقول الإسلامي والعالم أجمع ، وعلاقتها بالنصر والهزيمة وما يحدث في الأمة  اليوم بدت لي أبلغ ، لذلك بدأت أنتهج لغة خطاب مختلفة ، فما رأيته في عالمنا الإسلامي والعالم أجمع جعلني أتيقن أن المشكلة هي أكبر من بعدها الديني وعلاقة البشر مع خالقهم والتي شابها خلل كبير ، نعم أساس دعوة الأنبياء هو إعادة البشر إلى خالقهم ، وهذه الخراف الضالة التي تاهت بلا مرشد ولا دليل ما أحوجها للنبع الصافي العذب الزلال الذي يروي ضمأها ويشفي سقمها وعذاباتها .

ولكن نظرة سريعة تدرك من خلالها أن هناك خللا كبيرا منتشرا ليس على صعيد الأمة فقط ولكن على صعيد الجماعات الإسلامية أيضا وبشكل كبير ، فهي كما وصفها أكثر من باحث لا تعدو أن تكون قشرة رقيقة من صباغ يخفي تحته الحقيقة البشعة ، نعم تختلف هذه الطبقة من شخص إلى آخر .

ولكن كم عالم وداعية ومسلم رباني أخرج الإسلام من دور العبادة ومقار الحركات والدعوات إلى المجتمع الى الحياة إلى المعاملات إلى الأسواق ، وأحياه هناك وجعله منهج ودستور حياة يسير به في الناس ، ولا أزعم بأن شخصا هنا او شخصا هناك نجح في ذلك.

 ما رأيته في حياتي والتي تجاوزت العقد الخامس لا يتعدى إلتزام جزئيا من الفئة الاكبر وهو في أمور معينة فقط ونقص واضح في غيرها ، في جوانب معينة نعم هناك إلتزام  وفي غيرها هناك خلل واضح.

ربما نقف مع تأخر النصر وهزيمة الأمة وتراجعها عن مكانتها في البعدين الديني والحضاري موقفا آخر ، ولكن أليس هناك خلل واضح أكبر في مفاهيم الأمة ويحتاج إلى وقفة جادة لإعادة الأمة إلى مسارها حتى يتم تصحيح المسيرة وبعد ذلك قد نلمس النتيجة .

إن الرسالة السماوية في بداياتها تكون عبئا واضحا ، ومجموعة من القيم والمبادىء والتكاليف المادية والجسدية ، وتضحيات بالغالي والنفيس ولذلك لا ينخرط فيها إلا من علت همته وصحت نيته وجعل الله غايته ، وهذه تشمل كل أنواع البشر ممن صدق إيمانه وهم قد يكونون من علية القوم أو من الضعفاء والمساكين ومن الرجال والنساء ، وهم أخلاط من البشر التي لا ترتبط بشيء إلا بالإيمان بالله خالقا والتضحية في سبيل ذلك مبدئا .

لكن لماذا يأتي حديث المعادن هذا ولماذا يبقى معدن الخيار في الجاهلية هم الخيار في الإسلام إذا فقهوا ، ولماذا يؤثر هؤلاء على سير الحركة الدعوية ورفعتها وإنتشارها وحتى قبولها في الوسط الذي تكون فيه ، وما قصة سعد بن معاذ ببعيدة فهذا إسلم بإسلامه قبيلته، ولا قصة قسطنطين أيضا وهذا أدخل المسيحية إلى أوروبا بعد أن كانت ضعيفة مستهدفة لا حول لها ولا قوة  .   
 
طبعا هنا لا نتكلم عن قدر الله وقدرته وتدخله في نشر الدعوة او تهيئة الأسباب المؤدية إلى ذلك ، ولكن نتكلم عن السنن المرافقة لإنتشار الدعوات وإزدهارها ، والسنن لا تتبدل ولا تتغير ، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا هم ما بأنفسهم ، وذا إستمر الحال على ما هو عليه لسنين طويلة ، فهذه نتيجة واضحة بأن ما في الأنفس لم يتغير .

الدين يدخل على هذه النفوس ويغير فيها ولكنه ليس ذلك التغيير المفضي إلى تغيير واقع الأمة وحالها ، ومن ثم يؤدي إلى وحدتها وبعد ذلك من الممكن أن نتكلم عن النصر .

والدين يعدل في هذه النفوس ويحسّن فيها ويرفعها درجات ولكن ليس بالحد الكافي ، ولكن إذا إرتقى الإنسان إلى مرحلة الخيرية ودخل فيمن شملهم الحديث بالأخيار ، ولا أرى الخيرية هنا هي خيرية النسب كما ذهب البعض ولكن أراها خيرية الإنسان بكونه في المراتب العليا في الإنسانية وصفاتها من الشجاعة والكرم والحمية والأخلاق والصدق والأمانة والعمل في مصلحة الغير والإستعداد النفسي والمالي لنصرة المظلوم وإطعام الجائع والبحث عن الفضائل بأنواعها ، والبعد عن صفات الرذائل من كذب وغش وخداع وضياع للأمانة ونقص في الرجولة والبعد عن صفات الخسة بأنواعها .

فأدركت أن بناء الإنسان في الإنسان وإعادة الإنسانية للإنسان هي أول الطرق لإعادة الدين بمفهومه الصحيح والسليم إلى الأمة ، وأن أمة بلا إنسانية ولا أخلاق ولا خيرية هي في النتيجة أمة بلا دين ، فالدين يحتاج هؤلاء الأخيار ليحدث الخيار ويحدث التغيير . 

 تغيير في سبيل التغيير .

إبراهيم أبو حويله .