العلاقات التعاقدية أو الانتهازية أو التراحمية



كان الجار يعمل على تجهيز بيته الذي إستأجره في هذه المنطقة في الولايات المتحدة وقد أصابه العطش ، فتوجه إلى بيت جيرانه وسأل عن شربة ماء ، فكان الرد الصادم ( لا يوجد نص يجبرني على أن اعطيك ماء ولا فائدة تعود علي من هذا الفعل ) وأغلقت الجارة الباب .

 صدم الرجل وعاد يروي الحدث للدكتور عبد الوهاب المسيري الذي يروي القصة ، أبتسم في وجهه وأراد أن يشرح له طبيعة العلاقة هنا ، وأنه من الممكن أن تجد أحدهم يتبرع بمئات المليارات للجامعة معينة أو لفعل خير معين ، وفي المقابل تجد مثل هذا التصرف الذي لا ولن يحدث في الشرق . 

في القصة الأخرى خرج صاحب المسيري الشاب مع صديقته التي صدف أن لها طفل لموعد عشاء، وعندما عادا إلى المنزل قامت الفتاة بتحرير شيك بقيمة بسيطة بضعة دولارات لأمها الغنية والتي ليست بحاجة إلى هذا المبلغ من المال ، نظير هذه الخدمة التي قدمتها الأم لإبنتها وسط دهشة صديقنا العربي .

في المحاولة الشائكة التي قام بها عبد الوهاب المسيري لفهم المجتمعات ودوافعها ومنطلقاتها يسعى جاهدا لتحليلها ، ولوضع نماذج وقوالب وانماط مرحبا يحاول من خلالها فهم المجتمع ودوافعه ويسعى لتحليل هذا الدافع . 

خذ مثلا الخلفية التي يأتي منه الشخص وأثرها على تصرفاته وردود أفعاله وعلاقة هذه بتلك النسخة المحفوظة في نفسه والتي نشأ عليها .

 فقد لاحظ بأن الشرقيين بشكل عام لهم صفات محددة ، وهذه الصفات لا ترتبط بكون المرء متدين أو غير متدين  ولكنها ترتبط بتلك الفئة التي قدم منها ، وهذا ما يميز مثلا الكاثوليك عن البروتستنت ، فطبيعة الأول مندفع يسعى لمساعدة الأخر وخدمته ، حتى لو كان في الفترة الحالية غير متدين أو علماني.

في المقابل تجد من يأتي من خلفية يه ودية أو بروتستنتيه لا يوجد لديه دافع لمساعدة الأخر ، وهذه طبعا صفة متوقعة ولكنها ليست قاعدة ، فالمجتمعات البشرية غير منضبطة بقاعدة ولكن بظواهر وصفات معينة أو توقع للتصرف . 

ولذلك يجد بأن العربي يفهم تماما موقف القانون القبلي ولا يعرف منطق القانون العام ، هل تختبىء تحت قشرة الحداثة مجتمعات تقليدية، هل نحمل الماضي إلى المستقبل ، ام يحملنا الماضي إلى الماضي ، كيف ندخل عصر حديث، وننفض عن انفسنا رتابة المجتمع التقليدي واتجاهه لتكرار نفسه ، كل هذه الأسئلة وغيرها يطرحها المسيري في محاولة لتفكيك الحالة في الشرق والغرب . 

ولذلك وحسب هذه النماذج التي وصل إليها كان يتوقع أصل الفرد، ومن أصله يتوقع تصرفاته ، هل نحن منضبطون حسب قواعد عامة إلى هذه الدرجة ؟ وهل من السهل توقع تصرفاتنا إلى تلك الدرجة .

 ما وصل إليه المسيري يبدو ليس حكرا عليه وحده ، ولكن المؤسسات الغربية تتعامل وفق هذه القواعد ، وتضع التنبؤات وتبني النماذج ، ولذلك هي تعرف تماما ما تطرح لكل بلد وكيف تتعامل مع كل قائد او حاكم ، وتعرف تماما ما يقوم به اليه ود وما يمكن أن يقوموا به وما قصة البارجة ليبرتي ببعيدة ( السفينة الأمريكية التي أغرقها الص هاينة وزعموا أنهم لم يكونوا يعرفون أنها أمريكية ) .

ولكن في المقابل هناك تجاوز عن تصرفات نتيجة لتوقعات ومصالح ، وهذا الفعل قام به الص هاينة مع البريطانيين خلال فترة الإستعمار البريطاني لفلسطين ، فقد تم تفجير فندق داوود بكل من فيه من الإنجليز على يد الص هاينة ، وكانوا يقتلون ويسرقون ويقومون بكل هذه الأفعال والتجاوزات على مرأى من هذه القوى الإستعمارية . 

لنعد إلى العنوان الذي وضعه المسيري رحمه الله هل العلاقة تعاقدية أو إنتهازية أو تراحمية ، عندها تتضح الصورة ، ولماذا يلجأ الساسة إلى التجاوز أحيانا عن تصرفات لفئة معينة مثل الكيان ، وفي المقابل تشعل هذه التصرفات حروبا في جهة أخرى ، وهل المنافع التي يحققها الكيان للعالم الغربي وأمريكا تجعلهم يتجاوزن عن هذه التجاوزات البالغة ، وهل لهم قوة وأثر هناك في هذه البلدان تجعل تلك الفئة تتجاوز عن هذه التجاوزات . 

العالم الإسلامي والعربي للأسف لم يستوعب الدرس بعد ، أو أنه يظن ان التصرفات الفردية قادرة على تغيير نظرة الأخر وتوقعاته ، مع أن الحقائق تثبت يوما بعد يوم أن الطريقة التي ينتهجها الص هاينة هي التي تعود بالفوائد .

خذ مثلا اليابان والهند ، هذه الدول كانت تعتبر دول منحازة إلى العالم العربي والإسلامي ، ولكن مؤخرا خسرنا هذه الدول ، وهذا طبعا نتيجة لتلك المنظومة من الأفعال التي نقوم بها دولا وأفرادا ، وقبل ذلك إنحزنا نحن إلى المعسكر الشرقي الذي تعامل مع القضايا العربية والإسلامية وفق مبدأ التسويف والتأجيل وعدم وضع الحلول.

  ما أجبر الدول العربية لاحقا وحسب رأي كيسنجر على التحول إلى المعسكر الغربي . 

فهل من الممكن أن نعيد النظر في تصرفاتنا ؟

إبراهيم أبو حويله ...