في كتاب ماذا يحدث في غزة؟

غصون غانم

صدر الجزء الأول من كتاب "ماذا يحدث في غزّة؟" عن دار هبة ناشرون وموزعون ودار جسور الثقافية للنشر والتوزيع ودار الرعاة للدراسات والنشر لعام 2024 وهو من إعداد الناقدين الأردنيين "سليم النجّار" و"وداد أبوشنب"، تمّ إهداء هذا العمل لفلسطين ولأرواح شهداء فلسطين ومنهم شهداء طوفان الأقصى، ويقع الكتاب في 154 صفحة من القطع الكبير، وهو كتاب بسيط ونوعاً ما مريح تماماً في القراءة، بغلافين أنيقَيْ التصميم والطبعة وهي سمة سائدة في أغلب أعمال دار (هبة)، الغلاف ذو تصميم باللون الترابي والرملي مستوحى من طبيعة رمال غزّة، وأكوام التراب التي تحوّلت إليها مباني غزّة وصورة موحية بالطابع العام للإجابات التي وردت عن السؤال مضمون العمل وانطباعاً عاماً عنه، وهو قالب يوحي بتوغّل الخراب داخل بقايا المدنية بسبب الحرب والإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني وخاصة في غزةّ فيحمل الغلاف الأمامي مشهد الصدمة واستجابة لحدث واضح بوحشية شديده حيث الدماء الملطخة على الردم وتحته وعلى وجوه الضحايا والجدران الإسمنتية التي تم تدميرها فوق رؤوس ساكنيها، قيود وسلاسل والشقوق التي تكونت بفعل تدمير المنازل لتصف حجم الكم الهائل من الهجمات الصاروخية والمتفجرات التي سقطت عليها، وصورة الصدمة متمثلة في أم تطل بالقرب من طفليها وتطلّ مخاوف الطفولة معهم من داخل الشقوق بأعين بائسة حزينة بصمت لا يرتجون شيئا سوى النجاة ولا حول لهم ولا قوة أمام الصمت الكبير، وعلى ظهر الغلاف الخلفي تظهر صورة كف من الدماء كصرخة نداء للتوقّف عن القتل والإبادة ، ويشرح الكاتب والناقد سليم النجار من على ظهر الغلاف بكلمة له قصة السؤال (ماذا يحدث في غزة؟ ) بقوله " كمفردة وحيدة تحيل للحرية المطلقة في تقليب الافكار على وجوهها وربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها كأساس من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة ضدّ شعبنا الفلسطيني في الضفّة وغزّة من قبل الاحتلال الإسرائيلي"، يقدِّم فيها الكتّاب رؤاهم من زوايا متعددة حول السؤال سعياً منهم للأجيال القادمة لدراستها والتفحص وإعادة فهمها ولملمة جرحها فيُكمل " وما يستدعي الدرس والتمحيص والجدال والنقاش والنقد، لأن الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين " .ويتضمّن الكتاب ستّا وثلاثين (36) مقابلةً مع مفكرين وكتّاب وخبراء وأكاديميين من العديد من دول عربية وإسلامية مثل (فلسطين، الأردن، لبنان، المغرب، الكويت، مصر، البحرين ،أريتيريا، ليبيا، الجزائر) تم ّنشرها مسبقا في العديد من الصحف والمنصّات الثقافية داخل وخارج الوطن العربي، وهي أشبه بعقد مؤتمر بحثي وجلساته عبر صفحات الكتاب الكل فيه قدم أوراق أبحاثه وملخصاته ونتائجها محاولة منهم للخروج بتوصيات لوضع الخطوط العريضة للإجابة على السؤال الكبير الذي يحمله عنوان الكتاب، وكان من ضمن هذه الشخصيات شخصيات عربية بارزة على الساحة الثقافية مثل د. سعاد الصباح من الكويت ود.جميلة الوطني عضو أسرة الكتّاب والأدباء البحرينية و د. هند أبو الشعر من الأردن و أ.علي المرعبي رئيس تحرير مجلة كل العرب من باريس و د. أكرم زعبي رئيس رابطة الكتاب الأردنيين ود. سمير مندي من مصر ود. علي أبوقرين من ليبيا وأ. د. علي مفلح محافظة من الأردن، هذا بالإضافة إلى بعض الشخصيات الفلسطينية المتواجدة في غزّة، وشخصيات فلسطينية سياسية وأدبية منوعة كتاب كان لهم الأثر في الحركة الثقافية الفلسطينية ومنها (أدب الأسرى) وأعمالهم الأدبية التي كتبت وهم في داخل الأسر منهم الكاتب القدير د. عيسى قراقع الذي يشغل منصب رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية وهو أسير محرَّر وشغل منصب وزير الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية الحالية والكاتب والمحلل السياسي وعضو الأمانة العامة في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عصمت منصور وهو أسير محرَّر، والروائي القدير أ. نسيم قبها عضواً في مركز ذرا للدراسات والبحوث ومحمد اللحام وجميعهم حاولوا أن يقدموا الإجابة العملية والصورة الحقيقية التي تحتملها الإجابات الكامنة وراء السؤال، وحمل الكتاب رسالة من الكاتبة أمل اليازجي من غزة بعنوان "رسالة أخيرة" وهي أشبه بالوصية وأبعد ما تكون عن الرسالة، فأمل لم تنعَ نفسها وإنما نعت كل من تخاذل وشيعت كل محايد إلى مثواه الأخير، أراء علمية وتاريخية وإنسانية ضمها الجزء الأول للكتاب جمعتهم ووحدتهم الإنسانية التي يفتقدها ساسة إسرائيل وصناع قرارها على الرغم من أن الفلسطيني يدفع ثمناً غالياً في هذه المعركة كما ذكر د. مروان علان من الأردن في مقالته من الكتاب، ويشمل الكتاب مجموعة متنوعة من الإجابات كتبت حسب الفهرس وصدرت بالترتيب والعنوان لكل إجابة كما يلي: (الملاجئ والتجنيد الإجباري، في أسبوعها الثالث حرب الإبادة الصهيونية على غزة، التكنولوجيا إحدى أهم أدوات القتل، فلسطين الحرية، أقتلني شكراً، غزة .. الممكن في الوضع الآني، لماذا لا يشرب الصحفيون في غزة الماء؟ ماذا تهدف إسرائيل من تصعيدها في غزة؟ غزة اليوم.. عصر جديد، 7 أكتوبر.. تاريخ لا يُنسى، فلسطيني وحدنا بمعجزة، غزة في أتون هولاكو الجديد، خطوات على تراب غزّة، ماذا يحدث في غزّة بين الأمس واليوم؟ جدلية البارود والحجارة، استراتيجيات جديدة تحت سماء غزة، أن تكون فلسطينيا يعني أن تكون شهيًدا حتى لو لم تمت، لا وجه آخر للحقيقة، غّزة أوًلا والأردن ثانيا، طوفان الأقصى: نقطة إلى السطر، رسالة أخيرة، ماذا يمكن للإنسان العربي المسلم أن يكتب عن فلسطين؟ الطوفان والمأزق الصهيوني، ماذا يحدث في غزة؟ تقرير سري صادر من غرفة التشريح؛ غاية إسرائيل الإبادة والتهجير، غزة العزة والصمود، هراء في هراء: رؤية لما يجري، غزة مدينة الصمود والنضال، المسافة صفر، غزة والمعايير المزدوجة، زُهرة الفاسية المحتلة، بوادر حرب عالمية ثالثة! يسألونك عن غّزة الأبية؟ ماء نساء غزة على أسفلت فلسطين).
وينقلنا هذا الكتاب لصور من قلب الحدث مشاهد موت وضياع مشاهد في أروقة البيت الأمريكي وأوروبا، أشلاء، أدلة فائضه ينقصها العدل ، سلالة عاجزة عن النفاد وعن التشريح في تقرير غرفة التشريح في جسد غزة، المدَّ المخيف من غزة الى جنين مروراً بكل حي من فلسطين، استراتيجيات حرب دمار شامل تحاول أن تحرق الأرض بمن عليها تجتث كل شيء من مكانه واستراتيجيات قلع الإنسان من أرضه ونزعه من إنسانيته وكرامته وقوانين تجارة حرة لتسويق ما يتبقى منه، كما يضعنا هذا الكتاب في رسم الحقائق بأنّ هناك قوى تظهر على الأنقاض قوى السوق والعنف والحرب، وأما قوى الحقوق والعقل لم تعد تتحدّد بأرواح الشعوب بل بتصارع قوى الأسواق والتجارة والحروب والكوارث ، ومهندسون يعملون بأعمق النظريات يتم صياغتها بالاستراتيجيات الصهيوأنجلوأمريكية، ومنظمات دولية ينقصها فقط أن يتم نفيها من كل البقاع، كما يصور لنا قارات تتمتع بحس مدني عالي وديمقراطيات متطرفة وأنظمه سياسية متطرفة وفائضه عن الحاجة تعتبر نفسها راسخه ومهيمنه نفرت من الضمير يلزمها أن تكون بكامل وعيها وإنسانتيها وهي تمارس باسم القانون الانتقام اللانهائي الذي يكتسي خصائص التعذيب المادي والمعنوي ولا تصلح لقيمة ونموذجية القانون ولا لحماية المجتمعات ولكنها الحقيقة التي مثلتها العبارة التي تعود إلى العصور الوسطى والتي تقول: (إنّ الحاكم في حِلٍّ من طاعة القانون) (princepes legibus solutus est) وعلى هذا يؤكد لنا بأنّ الحقوق ليس لها مطلقاً أن تصدر بطريقة إجرائية عن قوى ونخب السياسية وأروقة محاكم دولية وأنها دائماً تكون نتيجة لنضال جماعي ثوري وعصيان مدني، وفي معرض الإجابة عن تساؤل الكاتب موضوع الكتاب نرى كيف أن هذه العروض العسكرية الضخمة التي نشهدها هي النموذج المزري للإنسان البهيمي من سلالة الجماعات البشرية البدائية الذي تم نمذجته هكذا وتكوينه الفطري والاجتماعي والديني والسياسي ولتكمل الصورة لا بد للانبعاث التاريخي والجغرافي المهيمن على خارطة الوطن فلسطين وحدودها أن تنشطر لتلتحم على بعضها البعض مخلفة وراءها أسلاكا شائكة ومكعبات إسمنتية وبوابات متطايرة في الفضاء العلوي معلنة اكتمال خارطة الوطن. ورغم سلاسة هذا الكتاب وبساطته إلا أنه غني بالمصادر العلمية والتاريخية والسياسية والإنسانية بشكل كثير وهو ما يبشر بوجبة جيدة من السرد القصير السريع المركز الممتلئ بالأحداث والحقائق والأرقام.