الحزبي الذي نريد ..
إبراهيم أبو حويله
منذ تلك اللحظة التي أدرك فيها سولون أن القوة في الشعب وأن الفرد مهما كان حريصا على الصواب ولكنه قد يخطىء، وقد يخرج من دائرة القيادة إلى دائرة الإستفراد والسيطرة والديكتاتورية حرصا وطمعا ، أما حكم الجماعة فيبقى أقدر على إتخاذ القرار الصائب والأقدر على تطبيقه ولن تتفق أمة على الأغلب على ما يوقع الضرر بها كأمة، ولكن فردا قد يوقع الضرر بأمة وشاهدنا ذلك مرار وتكررا .
لذلك لا بد من التوجه إلى تفعيل الشعوب للمشاركة الفاعلة والمساهمة في إتخاذ القرار مع إيجاد طريقة لنتحمل معا وجميعا مسؤولية ما إتخذنا من قرارات ، وذلك حتى نخرج من نطاق التنظير إلى نطاق تحمل المسؤولية وتحمل تبعاتها ، ولنعلم بأن أي قرار له تبعات تترتب عليه ، ولا يوجد هناك قرارت بدون تبعات وبدون سلبيات وبدون إنتقاد وبدون عواقب ، ولكن القرار مشترك وتبعية تحمل القرار مشتركة .
هل نستطيع رفع مستوى الإدراك للأمة حتى تشارك وتنخرط في تحمل المسؤولية وإتخاذ القرار وتحمل النتائج تبعا لذلك ، نحن ما زلنا في مرحلة مبكرة من الوعي المجتمعي ، المجتمع دخل في مرحلة ما بعد المجتمعات الواعية والمتحملة للمسؤولية ، وهنا يتبادر إلى الذهن ما هي الآلية الواجب إتباعها لتحقيق الوعي ، ونحرر العقل من شعور إلقاء المسؤولية على الأخر وعدم تحمل أو السعي إلى تحمل المسؤولية ، لأن هذا الشعور الخادع يجعل الإنسان يبحث دائما عن الأخر الذي هو سبب المشكلة التي هو فيها ، ولا يسعى ليحرر نفسه من هذه المشكلة ولا من تبعاتها مع أنه في الحقيقة يَقدر على ذلك ولكن هل يريد .
أما ما يحدث اليوم والظاهرة التي تسيطر على الوضع العام وهي نشر السلبية ، ورفع مستوى التعليقات والتجرؤ الشديد على الوظيفة العامة وعلى إنتقادها وتشريحها وتجريدها من كل سبل الإحترام ، وعدم ترك مجال للشخصيات العامة للعمل ، فهو مرفوض فهو يحبط المنتج ويمنح الفرصة لغيره للتصدر لمواقع المسؤولية ، وينعكس سلبا على الجميع .
شعور مريح أن تجلس ولا تفعل شيئا وتنتقد كل ما ومن حولك ، هنا أنت لم تقم بأي عمل وليس هناك من يجرؤ على إنتقادك ، وتستطيع أن تنتقد في المقابل كل من حولك ، ولكن هذا هو بالضبط الشعور الخادع الذي نبحث عنه لنقنع أنفسنا بعدالة ما نقوم به ، نحن ننتقد من يعمل ،
هل من السليم في عملية التفويض أن تنزع يدك عندما يخطىء من قمت بتفويضه ، وهنا يعتبر المفوض شريكا رسميا للمفوض له بالخطأ الذي وقع ، إلا إذا تجاوز المفوض له ما تم الإتفاق عليه ، وهنا هذا المفهوم واضح جدا من حيث أن قيامك بالتفويض هو مشاركة في تحمل المسؤولية ، وسكوتك لن يعفيك من ذلك .
الشعوب تملك قوة كبيرة وهائلة ، ولكن توجيه هذه القوة وتشكيل محصلة قوى لها ، وتوجيهها في الإتجاه السليم يجعل الكل مهما كان ومن كان يخضع لقوة الشعب ، وهنا اقول بأن الفرق هو بين أن تكون الشعوب مجرد عصا في يد أحدهم ، وقد يكون هذا الأحد بطل من أبطال مواقع التواصل ، بين قوسين بطلا إفتراضيا وليس حقيقيا ، ولو أعطي الفرصة لبانت سعاد وبانت حقيقتها ، وتكشفت سلبياته ولكن التنظير دائما أسهل من العمل ، وبين أن تكون الشعوب هي القائد والمحرك لكل ما حولها وتسعى من خلال وعيها ووعي من تختارهم للدفع بإتجاه مصحلتها و ما تريد ، وهو في النتيجة ما يعطي القوة والإستقرار والمنعة للمجتمع كله .
ولكن هل هذا يصلح في عالمنا ؟
الصحيح في عالمنا القصة مختلفة، لم أقارن عالم بعالم ولا مجتمع بمجتمع ، ولكن البحث عن العدالة والحرية والكرامة للإنسان في هذا الجزء من العالم قصة مختلفة عن البحث عنه في كل العالم ، في هذا الجزء من العالم، ما زال الإنسان يحتاج إلى معرفة دوره في المجتمع ودوره في الإنسانية ودوره في الأخلاق ودوره في بناء الحياة .
ما زال بحاجة إلى أن يؤمن بالعدل والمساواة والشفافية والحقوق والواجبات، وبأن أي تعدي على هذه المفاهيم من أي جهة ، هو في الحقيقة تعدٍ على حقوقه هو في الأساس، وأنه هو صاحب الحق الأسمى وأنه هو المستفيد من العدل والمساواة والشفافية في الحقيقة حتى لو كان في الظاهر خاسرا ، وإن أنتشار هذه القيم هو في الحقيقة حماية له ولإسرته وللمجتمع كامل ، عندها يقوم الأنسان بالدفاع عن حق الأخر مهما كلفه الأمر ، لأنه يدرك عندها أن انتشار هذا الشعور في المجتمع هو الحماية الحقيقية له ولحقوقه ولحقوق من يهتم بأمرهم ، لذلك إهتمامه بالأخر هو في الحقيقة إهتمامه بنفسه ، وهذا ما نراه واضحا في الغرب .
من يعطي الحكومات والاشخاص ذلك النوع من التفويض، الذي يتنازل بموجبه عن حقه في المسؤولية، في مقابل حياة وما يرتبط بها من مسؤوليات وواجبات وحقوق ، فقد تنازل عن حياته وما يرتبط بها .
لا بد للإنسان هنا من أن يدرك بأنه لا قيمة له بدون هذه المفاهيم ، ولا حياة كريمة له بدون أن يحيى العدل في نفسه وفي بيئته ويسعى لإحقاقه وذلك من خلال القيام بدوره في التأثير الإيجابي وتقبل الحقيقة والسعي لها وحمايتها ، وفي أي مكان يقدر على إقامة العدل فيه، حتى لو شعر بأن هذا العدل لا يعنيه هو بشكل مباشر، وعندها تبدأ الطريق التي تعود فيها الحقوق له بالتدريج، لأنها لن تعود بدون أن يقوم بواجبه، كما قام الغربي ويقوم بواجبه للحفاظ على حريته وحقوقه .
لذلك تصبح المشاركة الحزبية هي قيام الشخص الطبيعي في المجتمع بدوره من خلال دعم الإيجابيات والتركيز عليها ، ومحاربة السلبيات والفساد ضمن الأسس والأطر التي تساهم في نقل المجتمع إلى الأمام وليس من خلال تصرفات سلبية تعود عليه وعلى المجتمع بنتائج عكسية ، وحتى في تعزيز إختيار القيم والشخصيات والقوانين بما يعود على الجميع بالفائدة ، وليس فقط على من هم في الحزب .
عندها تصبح جميع الأحزاب تسعى للمصلحة العامة ، وليس لخدمة شخص أو مجموعة أشخاص على حساب الجميع ، ولكن أن تكون هذه الفئة وجميع الفئات الأخرى في خدمة المجتمع عندها يستفيد الجميع ويحصل الجميع على حقوقهم ولكن بشرط القيام بواجباتهم على أكمل وجه ، أما إذا سعت كل فئة على تعظيم حقوقها على حساب الأخرين فهنا الجميع سيدفع الثمن ، ولن يحصل الجميع على حقوقهم ، وهذا ما نراه في عالمنا العربي ، وفي المقابل ترى الصورة واضحة لقيام الإنسان بواجباته في المجتمع الغربي فالكل يحصل على حقوقه .
نحن ما زلنا نختار إبن العشيرة أو الدائرة الأقرب أو الاقرب ليمثلنا ولكن هذا لم ينجح ، ومع علمنا بأنه لن ينجح وقد يستغل الوضع بصورة سيئة ، ونتفاجأ مثلا بأن خياراتنا لم تحقق أهدافنا ، وطبعا ليست القضية قضية صواب لا يحتمل الخطأ ولاخطأ لا يحتمل الصواب .
برغم ذلك أفلحنا حين كان القانون يساعد على إختيار الأفضل مع الإحتفاظ بحق إختيار إبن الدائرة الأقرب ، والذي حدث أننا صوتنا لإبن الدائرة الأقرب وصوتنا للأصلح من خارج الدائرة وذلك لأننا نملك حق الإختيار ونملك أكثر من صوت فنعطي الاقرب ونختار الأصوب ، لهذا كانت المشكلة الأساس فينا ، فنحن نعرف من هو الصائب والأصوب ولكننا نختار الأقرب وندفع الثمن بالغا بعد ذلك .
هل الشعب يريد أحزابا أم لا يريد أحزابا ، وهل حقا الحكومة تريد أحزابا أم لا تريد أحزابا ، أم هي حقا تريد صورة تجمل بها المشهد؟
الحقيقة في هذا الموضوع أصبحت متشككا ، ما الذي نسعى له نحن البشر في البداية وما الذي يصلح به حالنا ، وهل نحتاج إلى العشائرية أم المدنية أم القانون ام حزبية أم دولة دينية ، نحن لن نستطيع أن ننخلع من بيئتنا ولا من طبيعتنا ، نعم قد نألف شيئا جديدا وقد نعتاد شيئا جديدا ، ولكن مع هذا نحن نتغير ببطء وصعوبة بالغة .
ما أدين به أن العلم والخبرة والمؤسسية تقود إلى النجاح ، نعم قد نستطيع أن نحقق هذه المعادلة في بعض المجالات ، وكلما إستطعنا الإستفادة من هذه المعادلة كلما حققنا نجاحا أكبر .
وتبقى النقطة الأهم ما هي تلك النقطة التي تنقل مجتمع أي مجتمع من حالة الخمول والكسل إلى حالة الفعالية والإنفعال مع الحدث لا بل التأثير فيه تأثيرا إيجابيا وتغيره لمصلحة المجموعة بشكل كامل وليس لمصلحة فئة معينة لأن هذا ما يعطي المجتمعات إستقرار وفعالية ودفعة قوية للأمام .
لذلك المرحلة الحزبية القادمة يجب أن تكون مدرسة حزبية تهدف إلى صناعة الإنسان وفق هذه المعايير ، وليس وفق التجمع من أجل المصلحة الضيقة لفرد أو الخاصة لمجموعة أفراد ، ولكن التجمع من أجل المصلحة العامة وخلق ذلك الشعور الذي يرى المصلحة العامة على أنها مصلحة خاصة ويسعى بكل قوته لتحقيقها ، عندها تصبح الحياة الحزبية طريقا للنجاح ولتطور الأمة ونهضتها وتغييرها .