فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله

أحمد فهيم

لم يكن مفاجئا للكثيرين التقرير الصادر مؤخرا عن الاتحاد العام للمصارف العربية والذي صنف الأردنيين ضمن الشعوب الأكثر اقتراضا من البنوك، مع أن الواقع الاقتصادي العام في البلاد لا يسمح بكل هذا الارتهان لمؤسسات مصرفية وبنوك معظمها متعددة الجنسيات وأرباحها الخيالية الصافية تذهب لدول المنشأ، ولا يبقى في فروعها الإقليمية - كتلك المقامة في الأردن على سبيل المثال - سوى رؤوس أموال مدورة تستخدم لاستدراج المواطنين واستغلال حاجاتهم للسكن أو التنقل أو التعليم، ومن ثم تحويلهم إلى مجتمع من الغارمين والمطلوبين للتنفيذ القضائي، دون مراعاة أي اعتبارات للأبعاد التنموية المرجوة من الاستثمار الأجنبي، باستثناء ما يتم دفعه لدوائر الجباية على نحو تستفيد منه خزينة الدولة فقط، هذه الخزينة الريعية التي لا تجيد هي الأخرى إدارة اقتصاد إنتاجي قادر على تحسين الظروف المعيشية للمواطن.

إن الواقع الاقتصادي العام في البلاد يجب أن يدفع صانع القرار لتقنين الاقتراض البنكي لا سيما بالنظر إلى جشع رأس المال والنسب العالية جدا للفائدة والمرابحة بالمقارنة مع دول أخرى، مع تدني متوسط دخل الفرد، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وانخفاض الحد الأدنى للأجور، وعدم وجود بيئة استثمارية قادرة على خلق وتوليد فرصة عمل جديدة، فكل هذه العوامل تجعل من الاقتراض البنكي شكلا من أشكال الانتحار الجماعي، لتتحول المشكلة لاحقا من اقتصادية إلى سياسية ومن ثم أمنية، فالغارمون الذين دكتهم البنوك في السجون سيصبح أهلهم وذووهم قنابل موقوتة في وجه المجتمع، ومشاريع مجرمين، وفي أحسن الأحوال قد يتحول قسم آخر منهم إلى ثوار ومناضلين ضد السياسات الاقتصادية الجبائية التي أفقرت الشعب، مع أن هذه السياسات والضرائب على ارتفاعها الجنوني كان يمكن ان يتقبلها المواطن لو لم يكن نصف أو ثلاثة أرباع راتبه يقتطع لصالح استثمار أجنبي أعانته الدولة على الإطاحة برعاياها مقابل ثمن بخس دراهم معدودة، وباتت (أي الدولة) المديونة هي الأخرى لمؤسسات الإقراض الدولي، عاجزة عن ردم الفجوة وسد العجز الحاصل في موازناتها العامة.

إن المعالجات الحكومية المأمولة وتعليمات البنك المركزي فيما يتعلق بالقروض البنكية، يجب أن تصبح أكثر تشددا من حيث الشروط الواجب توفرها للحصول على قرض، كأن يكون لدى المقترض مثلا أموال غير منقولة يمكن الحجز عليها في حال تعرضه لفصل تعسفي من عمله، لا سيما وأن مبادئ الحوكمة الرشيدة لا تحبذ الأمان الوظيفي، بحيث يتم الاستغناء عن خدمات أي موظف مقصر لا أن يكون الحال كما هي عليه الآن مؤسسات القطاع العام (من دخلها فهو آمن)، كما أن الإصلاح المأمول لنظام الاقتراض يجب أن يشمل الجانب التشريعي بحيث يصدر قانون يمنع حبس الغارمين على غرار الكثير من الدول الأجنبية التي تستعيض عن عقوبة تقييد الحرية بالتشغيل في المنافع العامة.

وبقي أن أسرد واقعة تكشف حجم التواطؤ الحاصل بين السلطة ورأس المال في الشأن مدار البحث، فلقد علمت علم اليقين أن أحد المدراء العاملين من جنسية أوروبية في مؤسسة أردنية كبرى حصل على قرض شخصي بقيمة مليون دينار، واستطاع من خلال هذا القرض تثبيت أقدامه في مؤسسته، فقد بلغت درجة التآمر لصالح البنك المعني حد التدخل الرسمي في عهد حكومات سابقة لوقف إلغاء عقد هذا المدير إلى حين تسديد ما عليه من أقساط شهرية للبنك، ذلك أن بلاده لا تطبق حبس الغارمين في حال تسفيره، وعلينا أن نقبل نحن بقبح إدارته لمؤسساتنا خدمة لرأس المال دون أن نعلم ما هو المقابل، ولعل المضحك المبكي في هذه الواقعة أن يصبح حتى الخواجات فاسدين بعد أن عاشروا القوم أربعين يوما فصاروا منهم.