ما بين التصديق والتكذيب.. وما بين الافراط والاتزان..
بداية.. علينا التفريق بين اخبار الإعلام الحربي.. والإعلام المدني غير المسيس او المعسكر.. وعلينا ان نعلم ان في حالة الحرب تنحاز معظم وسائل الإعلام التابعة لاي طرف من أطراف النزاع الى اعلامها الحربي.. ولكن بصبغة مدنية حتى يتقبلها المواطن العادي..
في السابق كان للخبر في غالب الاحيان المصداقية التي تنم عن مهنية ونقل للمعلومة بشرف وامانة.. ويكون له فحوى واحدة.. وهي ما نص عليه الخبر صراحة..
اما في وقتنا الحاضر.. لا بد وان نعي ان اي خبر نسمعه او نقرأه يحتمل الصدق ويحتمل الكذب..
واي شخص اكان ملما بالامر او انسان سطحي بسيط.. يمكنه اخذ الخبر على اي وجه يريد.. وحسب طريقة تفكيره ومنطلقاته ومعتقداته التي ينطلق منها في التحليل..
وهذا للاسف ما اوصلنا اليه الإعلام غير الشريف وغير المهني.. والذي يتحدث نيابة عن اصحاب نفوذ وقوى وجهات تقوم بتغذيته بالاخبار التي تنسجم معهم..
في الاعلام الحربي او العسكري اسس ينطلقون منها.. وهي تنصب في رفع معنويات جنودهم ومواطنيهم.. ودب حالة الرعب واليأس والخذلان في نفوس جنود العدو ومواطنيه.. ولان الاعلام الحربي هو سلاح بايدي الجنود كما اي سلاح.. فنغض النظر والطرف عن مدى مصداقيته.. ونعطيه العذر في ذلك..
اما الإعلام المدني.. فيجب ان يتحرى المعلومة الصحيحة ونشرها.. وفي حالة الحرب.. والافضل له عدم نشر اي معلومة غير موثقة المصدر.. او تزيد من فرط التفاؤل غير الواقعي.. الا اذا اراد ضرب مصداقيته عند متابعيه..
فيما نراه من احداث في غزة وفلسطين.. نسمع ونقرأ اخبارا عدة.. فنسمع ان العدو الغاشم حشد ويحشد مئات الالاف من الجنود على حدود غزة.. وانه سيدخل غزة بجبروته وآلته الحربية لدمار المدينة.. ولن يرحم احد.. ونسمع في ذات الوقت ان كثيرا من جنوده يرفضون خوض المعركة البرية.. لا بل هربوا من المواقع القتالية.. وان خلافات كبيرة بين قياداته..
هكذا خبر.. يحتمل وجهين.. الاول انه صحيح وان الذعر قد دب في اوصال هذا الجيش الارعن الجبان..
والوجه الاخر.. انه نوع من انواع الإعلام الحربي.. حتى يجعل المقاومة تركن وتهدأ ليباغتها.. من منطلق انه تركها فترة فاعدت ما اعدت.. فهل سيتركها تستعد مرة اخرى؟!..
من هنا نقول.. علينا جميعا ان لا نفرح بما يعلنه اعلام العدو الى حد الثقة الزائدة.. لانني على قناعة تامة انه غير صادق.. وانه يريد من ذلك امرين.. الاول.. استجداء تعاطف وتاييد شعوب وحكومات الدول الغربية وحتى الشرقية في اي امر يقوم به.. اما الثاني فهو يريدنا جميعا ان نشعر بنشوة النصر المؤزر.. لعل الغرور يصيب المقاتلين كما حدث للمسلمين في معركة حنين.. فينقض عليهم بشكل اسهل..
علينا اخذ العبرة من تاريخنا القريب وليس البعيد.. فما حدث ابان الغزو الامريكي للعراق ليس ببعيد.. ومعظمنا عاصره لحظة بلحظة.. ومعظمنا تعايش مع الإعلام حينها.. وللاسف الشديد كان وقع الهزيمة علينا قاسيا.. وذلك لان الاعلام صور لنا ان النصر الكبير واقع لا محالة.. فافرطنا في تقييم الامر.. وعشنا في مخيلاتنا وكاننا سنعيد امجاد الاندلس..
في مواجهة المقاومة مع العدو الصلف الارعن.. لا نقول بان لا نتفاءل.. او لا نتوقع النصر.. ولكن علينا ان نكون متزنين.. غير مندفعين.. وان لا نتوقع من المقاومة المحاصرة من كل جانب في هذا الظرف ان تطرد اليهود الغاصبين الى البحر كغذاء للاسماك.. وانما ان نضع بالحسبان ان الحرب جولات.. وان شاء الله سيكون النصر حليفنا في هذه الجولة.. وان نستعد للتي بعدها بافضل من هذا الاستعداد.. وعلينا دوما التيقن بان النصر من عند الله.. وان هناك مقومات لنيله وتاييده من الله.. وان الله لا يخرق نواميسه الكونية الا لاناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه بانقى حالة.. وأوجه الصدق واحدة في السريرة والعلن..
محمود الدباس - ابو الليث..