الاستفادة من طاقة الشباب الأردني في تحفيز العمل المناخي


بقلم: يوجين ويلمسن، الرئيس التنفيذي لشركة بيبسيكو في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا


كثيرًا ما يتردد إلى مسامعنا بأن طاقة الشباب مهدورة وغير مستغلة بشكل كافٍ، فالمرء في حين يكون يافعًا تنقصه الخبرة التي تأتي مع تجارب الحياة ومصاعبها، وقد تكون الأمور التي نضعها نحن، الأكبر سنًّا، في قائمة أولوياتنا أقل أهمية بالنسبة لهم.

إلا أن شباب اليوم يعيشون في سباق مع الزمن، فهم يعيشون تداعيات أزمة ارتفاع حرارة الكوكب المتسارعة، وأيقنوا بأنفسهم الضرر الذي يحدثه ذلك على البيئة. وفجأة، من دون سابق إنذار، وجدوا أنفسهم يخوضون السباق المتسارع لتنظيم العمل المناخي، على عكس الأجيال السابقة، التي كان لديها الكثير من الوقت لإيجاد الحلول وتنفيذها، فأصبحوا محطّ أنظار العالم الذي بات يعتمد عليهم..

ومن الطبيعي اليوم أن نشهد تزايد القلق بخصوص القضايا البيئية، فلا يمكن لشخص واحد، أيًا كان، أن يحمل عبء "إنقاذ العالم" بمفرده. وقد جاء في تقرير اقتصادي حديث أعدته وحدة "إيكونوميست إمباكت" بدعم من مركز الشباب العربي بعنوان "آمال وتوقعات كبيرة: أولويات الاستدامة لدى الشباب العربي"[1] ، أن 70% من الشباب العربي يشعرون بالقلق حيال مستقبل البيئة وتداعيات تغيّر المناخ. ولكنهم في المقابل لا يقفون مكتوفي الأيدي، فغالبية الشباب العربي الذين شملهم الاستطلاع (98%) اتخذوا خيارات مراعية للبيئة في أسلوب حياتهم خلال العام الماضي، بما في ذلك الحدّ من هدر الطعام، وترشيد استهلاك المياه والطاقة، وإعادة التّدوير في المنزل.

ولكن، هل من المُنصف أن يقع العبء الأكبر على الشباب؟ هم بلا شكّ يشكّلون الجزء الأكبر والأقوى من صنّاع التغيير للتّصدي لأزمة المناخ. إنهم مصدر إلهامٍ لنا، فهم ينظرون للأمور بطريقة مختلفة، ويظهرون للقطاعين العام والخاص مدى أهمية اتخاذ تدابير عاجلة. وحتى على المستوى الفردي، إنهم يشجعون العمل المثمر الذي يترك بصمة إيجابية على البيئة.

في الأردن، جاءت الاستراتيجية الوطنية للشباب[2] بهدف إشراك الشباب وتفعيل دورهم في التغيير وصنع القرار، وتركزت على عقد نقاشات شبابية تتخطى مجالات الرياضة والأنشطة البدنية، وكل ما هو تقليدي، لتتمحور حول قوة الشباب وقدرتهم على  الإبداع والابتكار والإنجاز ضمن النسيج التشريعي والسياسي والمؤسسي والاجتماعي الذي يُستثمر فيه مستقبلهم، وبفكر مستنير يجعل منهم صنّاع تغيير وليس متلقّين لخدمات مؤسسات الدولة والهياكل الاجتماعية فقط.

والسّؤال الأهمّ هنا هو كيف يمكننا أن نستثمر طاقة الشباب وقدرتهم على الابتكار والتجديد لدفع عجلة العمل المناخي نحو الأمام؟

تحسين مستويات جودة التعليم

إن الخطوة الأيسر والأهم هي التعليم. إن للتعليم دور محوري في الإضاءة على تغيّر المناخ، وهذا ما كشف عنه تقرير منظمة اليونسكو حول الشباب العالمي، إذ إن 70% من الشباب يشككون في جودة التعليم الذي يتلقونه حول تغيّر المناخ[3]. بل وترى نسبة أكبر (77%) بأنه يجب أن يتولى أفراد من خلفيات مختلفة تعليم الطّلاب حول قضايا المناخ، من أجل التّشديد على مدى تعقيد هذه المشكلة. لم يعد الشباب اليوم مهتمين بأسلوب التّعليم عن طريق التلقين، إنهم يرغبون باكتساب المهارات بطريقة تفاعليّة من خلال الأنشطة التجريبية والعمليّة.

وخلال شهر يونيو الماضي، جاءت 16 جامعة أردنية ضمن تصنيف مجلة تايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية ، الذي يدرس  مدى توافق هذه الجامعات مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مما يشكّل محطة مهمة في الجهود المبذولة لإشراك الشباب في العمل المناخي. من جهتها، تعاونت بيبسيكو مع مؤسسة The Orenda Tribe الاجتماعية في الأردن، بهدف رفع الوعي بين الأطفال والشباب حول أهمية اتخاذ خيارات مستدامة وصديقة للبيئة من خلال قوة الفن ورواية القصص.

وللقطاع الخاص دور لا يقلّ أهميّة في هذه الجهود، سواء كان ذلك من خلال الاستثمار في البرامج الهادفة، أو تطوير البنية التحتيّة المستدامة في المؤسّسات التعليميّة، أو رفع سقف الطموحات لوظائف المستقبل التي تتطلب خبرة أكاديمية في مجالات الاستدامة أو العمل المناخي. نحن نمتلك القدرة على تغيير العقليات وأنماط السّلوك في سنّ مبكّرة.

وضع الابتكار في صميم جميع مراحل حلّ المشكلات

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تبرز أهميّة تقنيات المناخ المبتكرة في إبطاء تداعيات تغيّر المناخ والظروف المناخيّة القاسية وتحسين القدرة على التأقلم معها. وهنا تبرز قدرة الشباب على التّشكيك بطريقة سير الأمور والتّفكير خارج المألوف كأداة مهمّة قد تساهم في الخروج بأفكار وحلول مبتكرة. ولذلك فإنه من المهمّ أن نشجّع الشّباب ونعطيهم الحافز والدّعم والقدرة على الخروج بحلول تقنيّة قابلة للتطوير والتّنفيذ على نطاق واسع.

إنّ تحقيق النجاح يتطلّب سياسات لتمكين العمل والتجربة من القاعدة، والتعلّم من الشباب ولأجلهم. وهناك العديد من السّبل التي يمكن اتّباعها من أجل تسريع التّحول نحو مستقبل أكثر شمولًا ومراعاة للبيئة، ومن بينها المنصات المعنيّة بمشاركة المعلومات حول المناخ التي يديرها الشباب، والشراكات التي تعزِّز الابتكار، والتّمويل الذي يدعم طموحات روّاد الأعمال الشّباب، وصولًا إلى المنصات التي تشجّع الحوار البنّاء.

غالبًا ما نجد الشباب في صدارة مشهد العمل المناخيّ، ولكن لا يمكن أن نحمّلهم مسؤولية مواجهة هذه الأزمة بمفردهم.

إنشاء شبكة لدعم العمل الشبابي

إن الشراكات وفرص التواصل والعمل المشترك مهمة للغاية في تمكين الشباب. وإذا ما أردنا أن نستخلص أفضل الأفكار والابتكارات من الشباب، لا بدّ من تمكينهم من الوصول إلى مجموعات أوسع من الجهات المؤثّرة، سواء منها الوزارات أو شركات القطاع الخاص، أو المراكز المجتمعيّة ومجموعات الأعمال والجامعات والمنظمات وشركات الاستشارة المختصّة بالقضايا البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وقادة الفكر، وروّاد الاستدامة.

إن الشراكات الهادفة لدعم ورعاية الجيل المقبل من صنّاع التّغيير، مثل الشراكة بين مركز الشّباب العربيّ وبيبسيكو، هي السّبيل لغرس بذور الأمل وتنمية دور الشّباب. ويفتح هاكاثون الشّباب العربيّ أبواب الفُرص أمام الشّباب العربيّ عبر تمكينهم من ابتكار حلول أكثر ذكاءً للتّصدي لتحديّات المناخ، وإيصال صوتهم إلى الجهات المعنيّة، التي تمتلك الموارد والتأثير اللازم لتعزيز ابتكاراتهم في جميع المجالات، بما يشمل الجامعات وشبكات ريادة الأعمال، والمستثمرين، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص.

إن دعم تمثيل الشّباب وتفعيل مشاركتهم في التّصدي لتغيّر المناخ وإدارة مخاطره الكارثيّة وتشجيع الحملات والمبادرات، هو أمرٌ بغاية الأهمية. ويضع مؤتمر الأطراف "كوب 28" عمليّة إيصال صوت الشّباب وطموحاتهم في صميم العمل المناخيّ، حتى أن نسبة المفاوضين الشّباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ضمن فريق "كوب 28" تبلغ نحو 70%[4]. كما جرى تعيين معالي شمّا المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع بمنصب رائدة المناخ للشّباب في "كوب 28"، لتتولى قيادة مجموعة المشاركين في برنامج مندوبي الشّباب الدوليّ للمناخ، وعددهم 100 شاب، يمثّلون البلدان الأقلّ نمواً والدول الجُزرية الصّغيرة النامية، والشعوب الأصلية ومجموعات الأقليّات، وذلك بهدف إثراء الحوار في مجال الاستدامة ليشمل الجميع.

إلّا أنّ إتاحة فُرص الوصول لشبكات أوسع وتجارب ومجالات أكثر تنوّعًا لا تكفي. نحن بحاجة لبناء مجتمع من الموارد والدعم، يكون قادرًا على الاستمرار لفترة طويلة، وعقد التّحالفات وتقديم الدعم بصورة استباقيّة. ولا بدّ أن نعطي الشّباب الوقت للإصغاء إلى أفكارهم، وطرح وجهات نظرهم، ونعطي الأولوية لمنحهم القدرة على بناء علاقات جديدة لضمان استمرارية رحلة الابتكار والاستكشاف.

وضع سياسات مناخيّة "شابّة"

من المهم أن نعطي الشّباب مساحة آمنة للتعبير عن رأيهم والمشاركة في وضع سياسات المناخ المستقبلية، ولا بدّ أن تعكس هذه السياسات روح الشّباب، وتُبنى على أساس حقوق الإنسان، وتتناول المخاطر المحدّدة التي تواجههم في كل قطاع، مثل التّعليم، والصّحة، والمياه، وأمن الغذاء، والتّغذية، والطّاقة. والأهم من ذلك كلّه أن تكون شاملة للجميع.

نحن بحاجة لبناء بيئة خصبة وغنيّة تسهم في تنمية وتطوير ما يقدمه الشباب من مساهمات ووجهات نظر فريدة ومتنوعة. ويمكن على سبيل المثال، تشجيع الحوار بين الأجيال لتعزيز التفاهم المتبادل أو تمكين الشّباب من مساءلة الجهات المعنيّة الرئيسية حول التّقدم المُنجز في أهداف المناخ.

إن الشّباب ينمو ويزدهر في عالم من الحوار والتعاون، حيث يكون لديهم الحافز الكافي للمساهمة في طرح الحلول، على اعتبار أن جيلهم سيعاني من أشدّ تداعيات تغيّر المناخ. إنهم يقومون بالفعل بالتأثير على سلوك مجتمعاتهم، ويحثّون صنّاع السّياسات على إجراء تغييرات رسميّة، ويفكرون بطريقة مبتكرة حول كيفيّة التصدي للتحديات البيئية المختلفة.

وفي اليوم العالمي للشّباب، لا بدّ أن نتقبّل مسؤوليتنا في تقديم الأفضل لهذا الجيل، من أجل تحقيق التغييرات المهمة التي نطمح إليها. إن هذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، وهي في المقابل فرصة يجب علينا أن نستغلها. فرصة لنا جميعًا لوضع الأمور في نصابها الصّحيح وتقديم الأفضل لكوكبنا.