صناعة الأمل/ الهجرة النبوية أنموذجا
د. احمد الزعبي
إن المطلع اليوم على حال الناس وواقعهم المعيش يرى كم تسربت الى نفوسهم جرعات من اليأس والاحباط والتشاؤم. خاصة في ظل ما يعانيه المسلمون اليوم من تشرذم وهوان.أعداء الاسلام يتطاولون على ثوابتهم، ويمتهنون كرامتهم. بالإضافة الى تفرق كلمتهم وتنازعهم فيما بينهم،حتى زالت مهابتهم من صدور اعدائهم فذهبت ريحهم وتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأَكَلة على قصعتها.
وبالرغم من تلك الحالة التشاؤمية ،والشعور بالقنوط لا ينبغي للمسلم ان يستسلم اليأس. لا يركن للضعف؛ والله تعالى يخاطبه بقوله:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وما ذلك الا لتثبيت اليقين في قلوبهم. ليبقوا في حالة الاستعلاء، وليعلموا أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وسنة المدافعة ماضية فيهاإلى أن يرث الله الارض ومن عليها؛ فيوم لهذه الطائفة واخر لتلك، يوم يضيق فيه الرزق وآخر يتسع فيه، سراء وضراء، لكنه سيمضي وبخيره وشره، بحلوه ومره، (لايَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ...} الآية، وقوله: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ). ليكن شعار كل واحد منا (إنما اشكو بثي وحزني الى الله)، خاصة واننا نمر بحالة الجزر بعد المد، لكنها لن تدوم؛ لان العزة متجذرة في قلوب المؤمنين. :﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وهانحن على اعتاب حدث عظيم، غير مجرى التاريخ الاسلامي، وضع للمسلمين دولة، وأخرج البشرية من ضيق الدنيا إلى سعة الاخرة،إنه حدث الهجرة الذي جعله الله تعالى طريقا للنصر والعزة.
فمن بين كل ذلك البلاء والشدة، في وسط الظلام الحالك،بعد ثلاثة عشرة سنة من الخوف الألم والتعذيب والتنكيل بكل انواعه، تحريق بالنار، تغريق بالماء، ضرب بالسياط، بعد ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يشكو له هذه الاوضاع :(والله ليتمنَّ الله هذا الأمرحتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، من كان يعتقد أن يأتي الفرج على يد ستة أنفس لا وزن لهم ولا قيمة ولا زعامة ولا وجاهة، لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج ودعاهم للإسلام، فكانوا الفجر الذي انقشع به ظلام الكفر، والنور الذي اضاءت به ارجاء المعمورة، يوم يأتي الفرج من عند الله وانني اقول كما قال الشاعر
أيـها الموجوعُ صـبرا |
إنَّ بعــــــد الصبر بشرى |
إن بعد الــــحزن أمناً |
فاحتسب في الحزن أجراً |
أيها الباكــــــــي بليلٍ |
سوف يأتي النور فجــــراً |
لا يـــكون الدمع دومًا |
سوف تجني الســـعد دهرا |
أيها المكسور قــل لي |
هل يُديمُ الله كَــــــــــسْراً ؟ |
إنّ رباً كان يـــــدري |
فيك عنــــد الصــبر أدرى |
ليست الدنيـــــا بشيءٍ |
كــــي يروح القلب قهـــرا |
أيها الجــــــــائع مهلاً |
إنّبعد الجوعِ شبـــــــــــعاً |
أيها الموجوع صــبرا |
إن بعد العسر يســــــــــــرا |
فهل يدرك هذا المعنى أولئك المتعلقون بأذيال المادية الصارخة، النافضون أيديهم من قدرة الله.
ما احوجنا في هذه الأيام أن نتعلم فن صناعة الأمل،أن ننظر إلى المصائب والانتكاسات على أنها باب إلى خير مؤجل مأمول،يقولالله تعالى:(وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، نعم إن من أعظم دروس الهجرة صناعة الأمل؛ الأمل بموعود الله في نصر الله، الأمل بالفرج بعد الكرب، وبالعزة بعد الذلة. الفرج يوم أن اجتمع المشركون على بابه صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، ليقتلوه في عتمة الليل لكنه يتلو قول الله تعالى)وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ(فكان هذا التراب رمز الفشل والخيبة،يوم أن انفجر الأمل من قلب الظلمة السوداء، في ذلك اليوم الذي قال فيه لصاحبه: (لا تحزن إن الله معنا)، كثيرة هي أحداث الهجرة التي نقتبس منها بصيص الامل لتنير لنا عتمة اليأس والقنوط.
وفي الختام أقول: حافظ دائما على قلب مفتوح، وعقل مرن، تقبل الامور، لكن كن جاهزا لأن الأمل سيقدم لك مفاجأة كبيرة.