إبراهيم أبو حويله يكتب نريد أحزابا أم لا نريد أحزابا ...
هل الشعب يريد أحزابا أم لا يريد أحزابا ، وهل حقا الحكومة تريد أحزابا أم لا تريد أحزابا أم هي حقا تريد صورة تجمل بها المشهد ...
الحقيقة في هذا الموضوع أصبحت متشككا ، ما الذي نسعى له نحن البشر وما الذي يصلح به حالنا ، وهل نحتاج إلى العشائرية أم المدنية أم القانون أم دولة دينية ، نحن لن نستطيع أن ننخلع من بيئتنا ولا من طبيعتنا ، نعم قد نألف شيئا جديدا وقد نعتاد شيئا جديدا ، ولكن مع هذا نحن نتغير ببطىء وصعوبة بالغة ...
فنحن ما زلنا نختار إبن العشيرة أو الدائرة الأقرب أو الاقرب ليمثلنا ولكن هذا لم ينجح ، ومع علمنا بأنه لن ينجح وقد يستغل الوضع بصورة سيئة ، ونتفاجأ مثلا بأن خيارات مجلس الأعيان احيانا أكثر إتزانا وتمثيلا وقدرة على تحقيق ما نصبو إليه من الكثير من الخيارات الشعبية...
ولكن هذا أيضا ليس بشكل مطلق، وطبعا ليست القضية قضية صواب لا يحتمل الخطأ ولاخطأ لا يحتمل الصواب ، مع أن هذا خيار لشخص واحد تقريبا ، وبرغم ذلك أفلحنا حين كان القانون يساعد على إختيار الأفضل مع الإحتفاظ بحق إختيار إبن الدائرة الأقرب ، والذي حدث أننا صوتنا لإبن الدائرة الأقرب وصوتنا للأصلح من خارج الدائرة وذلك لأننا نملك حق الإختيار ونملك أكثر من صوت فنعطي الاقرب ونختار الأصوب ، لهذا كانت المشكلة الأساس فينا فنحن نعرف من هو الصائب والأصوب ولكننا نختار الأقرب وندفع الثمن بالغا بعد ذلك ...
لذلك منذ تلك اللحظة التي أدرك فيها سولون أن القوة في الشعب وأن الفرد مهما كان حريصا على الصواب ولكنه قد يخطىء، وقد يخرج من دائرة القيادة إلى دائرة الإستفراد والسيطرة والديكتاتورية حرصا وطمعا ، أما حكم الجماعة فيبقى أقدر على إتخاذ القرار الصائب والأقدر على تطبيقه ولن تتفق أمة على الأغلب على ما يوقع الضرر بها كأمة، ولكن فردا قد يوقع الضرر بأمة ...
لذلك أنا مع التوجه إلى تفعيل الشعوب للمشاركة الفاعلة والمساهمة في إتخاذ القرار مع إيجاد طريقة لنتحمل مسؤولية ما إتخذنا من قرارات ، وذلك حتى نخرج من نطاق التنظير إلى نطاق تحمل المسؤولية وتحمل تبعاتها ، ولنعلم بأن أي قرار له تبعات تترتب عليه ولا يوجد هناك قرار بدون تبعات وبدون سلبيات وبدون إنتقاد وبدون عواقب ، ولكن نحتاج لذلك حتى تدرك الأمة معنى مسؤولية إتخاذ القرار وتحمل النتائج ...
أما ما يحدث اليوم والظاهرة التي تسيطر على الوضع العام وهي نشر السلبية ورفع مستوى التعليقات والتجرؤ الشديد على الوظيفة العامة وعلى إنتقادها وتشريحها وتجريدها من كل سبل الإحترام وعدم ترك مجال للشخصيات العامة للعمل فهو مرفوض فهو يحبط المنتج ويمنح الفرصة لغيره للتصدر لمواقع المسؤولية ...
وهنا ومع أني لست مشجعا كبيرا لكرة القدم ولكن المشهد يحضرني بشدة فكل المشاهدين ينظرون على تلك الفئة في الملعب ويصدرون تعليماتهم وتوجيهاتهم وأوامرهم للمدرب والطاقم الفني ومنهم من لا يحسن إستقبال الكرة ولا تمريرها فضلا عن إعداد خطة وتأهيل لاعب وتوزيع أدورا وقراءة وتحليل وتوقع وإستعداد ، وطبعا هذا فقط في لعبة واحدة ، فكيف بإدراة وطن ...
ما أدين به أن العلم والخبرة والمؤسسية تقود إلى النجاح ، نعم قد نستطيع أن نحقق هذه المعادلة في بعض المجالات ، وكلما إستطعنا الإستفادة من هذه المعادلة كلما حققنا نجاحا أكبر ، ولكن تبقى النقطة الأهم ما هي تلك النقطة التي تنقل مجتمع أي مجتمع من حالة الخمول والكسل إلى حالة الفعالية والإنفعال مع الحدث لا بل التأثير فيه تأثيرا إيجابيا وتغيره لمصلحة المجموعة بشكل كامل وليس لمصلحة فئة معينة لأن هذا ما يعطي المجتمعات إستقرار وفعالية ودفعة قوية للأمام ...
نعم الشعوب تملك قوة كبيرة وهائلة ، ولكن توجيه هذه القوة وتشكيل محصلة قوى لها ، وتوجيهها في الإتجاه السليم يجعل الكل مهما كان ومن كان يخضع لقوة الشعب ، وهنا اقول بأن الفرق هو بين أن تكون الشعوب مجرد عصا في يد أحدهم ، وقد يكون هذا الأحد بطل من أبطال مواقع التواصل أي بين قوسين بطلا إفتراضيا وليس حقيقيا ، ولو أعطي الفرصة لبانت حقيقته وقدرته وتكشفت سلبياته ولكن التنظير دائما أسهل من العمل ، وبين أن تكون الشعوب هي القائد والمحرك لكل ما حولها وتسعى من خلال وعيها ووعي من تختارهم للدفع بإتجاه مصحلتها و ما تريد وهو في النتيجة ما يعطي القوة والإستقرار والمنعة للمجتمع ...
ولكن هل هذا يصلح في عالمنا ...
الصحيح في عالمنا القصة مختلفة، لم أقل أني أقارن عالم بعالم ولا مجتمع بمجتمع ، ولكن البحث عن العدالة والحرية والكرامة للإنسان في هذا الجزء من العالم قصة مختلفة عن البحث عنه في كل العالم ، في هذا الجزء من العالم، ما زال الإنسان يحتاج إلى معرفة دور الأخلاق في بناء الحياة، وما زال بحاجة إلى أن يؤمن بالعدل والمساواة والشفافية والحقوق والواجبات، وبأن أي تعدي على هذه المفاهيم من أي جهة ، هو في الحقيقة تعدٍ على حقوقه هو في الأساس، وأنه هو صاحب الحق الأسمى وأنه هو المستفيد من العدل والمساواة والشفافية في الحقيقة حتى لو كان في الظاهر خاسرا ، وإن أنتشار هذه القيم هو في الحقيقة حماية له ولإسرته وللمجتمع كاملا...
وأنه هو من يعطي الحكومات والاشخاص ذلك النوع من التفويض، الذي يتنازل بموجبه عن حقه في مقابل الحياة الكريمة، لا بد للإنسان هنا من أن يدرك بأنه لا قيمة له بدون هذه المفاهيم ، ولا حياة كريمة له بدون أن يحيى العدل في نفسه وفي بيئته ويسعى لإحقاقه وذلك من خلال القيام بدوره في التأثير الإيجابي وتقبل الحقيقة والسعي لها وحمايتها ، وفي أي مكان يقدر على إقامة العدل فيه، حتى لو شعر بأن هذا العدل لا يعنيه هو بشكل مباشر، وعندها تبدأ الطريق التي تعود فيها الحقوق له بالتدريج، لأنها لن تعود بدون أن يقوم بواجبه، كما قام الغربي ويقوم بواجبه للحفاظ على حريته وحقوقه ...
ولذلك المشاركة الحزبية هي بنظري قيام الشخص الطبيعي في المجتمع بدوره من خلال دعم الإيجابيات والتركيز عليها ، ومحاربة السلبيات والفساد ضمن الأسس والأطر التي تساهم في نقل المجتمع مرحلة إلى الأمام وليس من خلال تصرفات سلبية تعود عليه وعلى المجتمع بنتائج عكسية ، وحتى في تعزيز إختيار القيم والشخصيات والقوانين بما يعود على الجميع بالفائدة ...