سعيد الصالحي يكتب أصول الاقتصاد الحديث


الصيام عن الكلام عبادة قديمة أو ربما كانت حالة من الزهد والتحنث وسط الضوضاء والجلبة، ومع هذا لم يصف لنا القدماء سبب تعبدهم بالصمت، ولم يذكروا لنا فضائل وفوائد هذا النوع من التحنث، ولم يصل إلينا إن كان لهذه العبادة طقوسا معينة،  ولم نعلم إذا اقتصرت فيما مضى على فئة معينة من الناس أم أنها كانت واجبة على الكل؟

ولأنني مولع بالتجربة وكثير الخوف من التغيير فقد قررت أن أصوم عن الكلام، اخترت يوما من أيام الأسبوع وبدأت الصيام دون أن أخبر أحدا وحتى دون أن أتسحر عشرات الجمل والفقرات، مرت الساعة الأولى دون أن أشعر بأني أفتقد شيئا، فلم تندفع الحروف والكلمات رغما عني، ولم أسهو وأنطق بأي كلمة لساعات أخرى، وخلال ساعات الصيام كنت أتلقى الرسائل والبرد الالكترونية، فلم أعرف إن كان ردي على هذه الرسائل كتابة سيفسد صومي ويبدد حسنات ساعات الصمت، ولم أجد فتوى مناسبة، فاستفتيت قلبي فأخبرني أن الكلام المكتوب يفسد الصيام تماما كالمنطوق، فأغلقت كل برامج الدردشة والتراسل وعدت إلى صمتي من جديد.

طوال ساعات الصمت والصيام عن الكلام كنت أحدث نفسي سرا ببعض ما يجول في عقلي أو يثقل صدري، ولم أشاء أن أضيف مزيدا من التعقيد إلى صيامي وأسأل فيما إذا كان الحديث إلى النفس يفسد الصيام ويذهب به؟

عندما عشت تجربة الصيام عن الكلام، تعلمت أن الصيام عن الكلام مريح، ولكنه أكثر راحة عندما يصوم الجميع بذات الطريقة، ومن فوائد الصيام عن الكلام أن هواء الغرفة أصبح منعشا فقد تخلص من الكثير من الحروف والكلمات والعبارات التي تتعلق به وتثقل عليه، وخلال فترة الصيام هذه تراجعت مؤشرات المشاحنات والمناكفات إلى حدودها الدنيا، وكذلك لاحظت أن زملائي لم يستخدموا مسكنات الصداع التي اعتادوا عليها أيام الكلام، فقد أدركت خلال فترة الصيام أن الاقتصاد الناجح يبدأ عندما نتقن فن استخدام الكلمات وعندما نعي ونلم بأصول الصمت قبل أن نتعلم مبادئ الاقتصاد التقليدية من عرض وطلب وتضخم وسعر الاشياء .

لو كنت مسؤولا في الحكومة لجعلت الصيام عن الحديث إجباريا لمدة يوم في الشهر لكل مواطن، ولبدأت بنفسي كمسؤول وكنت القدوة، فأنا كمسؤول لا يكفيني صوم يوم واحد في الاسبوع ربما احتجت أن أصوم طوال الأسبوع أو الشهر ولا أنبس ببنت شفه إلا أذا كان ما سأقوله يفرح الناس ويسعدهم، ولا يضعني في خانة من صمت دهرا ونطق كفرا.