مشاريع السلام الاستراتيجية وحوافز المال والأعمال

 

وليد حسني

 

أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن مشروعها الاقليمي بمد خط سكة حديد تربطها مع السعودية ودول الخليج مرورا بالاردن ووصولا الى تركيا.

هذا المشروع هو إعادة خلق الخط الحديدي الحجازي الذي صنعته الدولة العثمانية في أواخر عهدها ابان حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، وبدلا من ان يكون عامل قوة للإمبراطورية المريضة تحول الى عامل ضعف ونقطة رئيسية في تحطيم تلك الامبراطورية وتدميرها ثم تقسيم ممتلكاتها بين بريطانيا وفرنسا.

وللحقيقة فإن المشروع السككي الحديدي ليس وليد الصدفة أو وليد اللحظة فقد كان ولم يزل أحد ابرز الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية التي ستكفل لإسرائيل الإندماج الكلي في منظومة دول الشرق الأوسط ودول الإقليم الممتدة حتى تركيا.

ولم تكن العقود الماضية تكفل لدولة الإحتلال المباشرة بتنفيذ هذا المشروع الإستراتيجي الضخم بدعم أمريكي أوروبي وربما بدعم عربي استثنائي، لكون الظروف السياسية لم تكن مؤاتية تماما، ولم تنضج في حينه الرغبة الرسمية العربية باقامة علاقات سلام ووئام مع دولة الإحتلال مما شكل ظروفا غير صحية للحديث عن هذا المشروع الذي يحتاج لجغرافيا بشرية سياسية منخرطة في علاقات سلام دائم مع دولة الاحتلال، كما تحتاج في الوقت نفسه الى جغرافيا طبيعية اقليمية تعمل على تأمين مرور شبكة السكة الحديدية عبر دول المنطقة والإقليم.

وليس مشروع السكة الحديدية هو المشروع الاستراتيجي الوحيد لتعميق السلام العربي الإسرائيلي فهناك مشاريع اخرى عملاقة  لا تقل اهمية استراتيجية عن مشروع الربط الحديدي العربي الإسرائيلي،فهناك قناة البحرين بين البحرين الأحمر والميت، وهناك أيضا القناة المائية التي اعلنت دولة الاحتلال عن جاهزيتها لتنفيذها لتكون بديلا عن قناة السويس المصرية، ولتشكل تهديدا مباشرا لمداخيل مصر الإستراتيجية من قناة السويس.

ولا ننسىى بالطبع سلسلة المشاريع الاستراتيجية العملاقة التي أوصى بها واضعو مشروع دستور الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية الإسرائيلية ضمن أحلامهم السلمية وعلى رأسها بالطبع اقامة مطار اقليمي ضخم في الأغوار وتحديدا في منطقة الشونة ليبدأ أولا كمطار زراعي وسياحي صغير ليصبح مطارا اقليميا تتوزع منه حركة النقل الجوي العالمية الى أربعة اقطاب الأرض.

وقد طرح مشروع هذا المطار قبل سنوات عديدة على مجلس النواب الذي رفضه بشدة، واعتبره في حينه مشروعا لتكريس الهيمنة الإسرائيلية على الأردن وفلسطين والمنطقة.

ومن ضمن المشاريع الإستراتيجية الكبرى لجغرافيا السلام في المنطقة جر النفط العراقي وتحديدا نفط كركوك الى ميناء حيفا، وهو الخط نفسه الذي كان ينقل النفط العراقي الى شواطيء المتوسط مرورا بالاردن وفلسطين قبل احتلال اسرائيل لفلسطين سنة 1948.

منذ سنوات قليلة مضت وتحديدا منذ احتلال العراق سنة 2003 وورثة العراق الجدد عقب صدام حسين يمارسون التراخي السياسي في تنفيذ هذا المشروع لدواع واسباب سياسية صرفة ترتبط بتطور عملية السلام في المنطقة، وبانتظار مدى الإنخراط الإسرائيلي في طبخة السلام الإقليمية، وبتأثير إيراني مباشر على وكلاء طهران في بغداد.

ولدينا مشروع الكهرباء الذي سيزود اسرائيل والاردن والعراق ومصر وسوريا وحتى تركيا فضلا عن دول الخليج، وهو مشروع يتوقع له ان يوفر نحو 20 الف فرصة عمل للأردنيين فقط.

هذه بعض مشاريع السلام الإستراتيجية الكبرى التي ستكفل إدماج الإحتلال الإسرائيلي في البنية السياسية والإقتصادية والجغرافية العربية، وهي مشاريع لن تسقط بالتقادم، وترتبط جميعها وعشرات المشاريع الأخرى بانهاء القضية الفلسطينية واغلاق ملفها الى الأبد، وهو ما يطمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانجازه فيما بات يعرف بصفقة القرن.

قبيل ايام مضت كان كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنر يقوم بجولة في بعض العواصم العربية وعلى راسها بالطبع الأردن، وبالأمس كان جاريد يتحدث عن دعم اقتصادي كبير للأرن وفلسطين واسرائيل وحتى مصر في مقابلة أجرتها معه جريدة القدس الفلسطينية نشرتها امس الأحد.

وقال كوشنر في تلك المقابلة ان ادارة ترامب ستعلن عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط فيما يعرف بــ"صفقة القرن" حتى لو لم يوافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس عليها ، مما يعني أن دولا عربية أخرى توافق على النسخة المعدلة من هذه الصفقة المريبة.

الأردن كرر موقفه الثابت بأنه مع اي حل للقضية الفلسطينية يقوم على مبدأ حل الدولتين على ان تكون القدس الشرقية عاصمة لتلك الدولة، وهو ذات الموقف الفلسطيني، لكنه ليس بالتاكيد موقف إدارة ترامب، وموقف دولة الإحتلال أيضا.

اليوم وغدا تبدو خارطة السلام في المنطقة أكثر التصاقا بالمشاريع الإقتصادية المباشرة بدلا من العلاقات السلمية السياسية المباشرة، وقد عرف المفاوضون واللاعبون والمقامرون أن اللحظة الإقتصادية المناسبة في المنطقة والإقليم قد نضجت تماما للإحتضان العربي الرسمي لدولة الإحتلال قبل أن تنضج اللحظة السياسية التي يعلن فيها الفلسطينيون والعرب والإسرائيليون عن انتهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي..

إن المنطقة والاقليم يصنعان هذا الأوان البيئة الإقتصادية لإنضاج السلام الفلسطيني الإسرائيلي بعيدا عن الفلسطينيين، واكثر قربا من الإسرائيليين، وهي الخطة التي تقوم على أساسها صفقة القرن التي ستحملها حوافز الاقتصاد والمال والأعمال..//