تحليل مسرحية موتى في إجازة للكاتب حسام الرشيد


من إصدارات وزارة الثقافة/2022

                   بديعة النعيمي

يتميز النص المسرحي بصفة الازدواجية في الكتابة والعرض. فهو خطاب نصي يتمتع بميزتين الأولى إمكانية قراءته كنص أدبي كسائر النصوص الأدبية والثانية إمكانية مشاهدته كعرض تمثيلي على خشبة المسرح والانتقال بالمتلقي من المقروء إلى الملفوظ.
مسرحية موتى في إجازة تضمنت ثلاث مسرحيات معنونة بالترتيب كالتالي..موتى في إجازة ،السحابة الحمراء ،الجرذان كل واحدة منها تنتمي إلى شكل بناء درامي مختلف يعكس الواقع وكل مسرحية تحتاج إلى دراسة منفصلة وقد ارتأيت بأن أحلل في ورقتي هذه المسرحية الأولى والتي وسم بها الكتاب الذي ضم المسرحيات الثلاثة.
مسرحية موتى في إجازة.
هذا النص مقسم إلى ست مشاهد تقدمتها عبارات إرشادية قدمت وصفا لمكان وزمان الأحداث وأحيانا كانت تكتب خلال  الحوار أو في نهاية كل مشهد للتعريف ببعد من أبعاد الشخصيات أو وصف حالة على خشبة المسرح أو وصف لنوع موسيقى أو شيء يتعلق بالإضاءة.

تحليل

-الفكرة..
لا بد لكل مسرحية جيدة من فكرة أساسية واضحة المعالم سليمة التكوين. وفكرة موتى في إجازة هي محاولة التغيير من خلال ثورة على الظلم والمجتمع تؤدي بأبطالها إلى موت آخر بعد فقدانهم حقهم في مساحتهم الصغيرة من التراب.

-الموضوع..
جاء شكل البناء الدرامي الذي اختاره حسام الرشيد لهذه المسرحية درامي تغريبي والتغريب في المسرح استخدام اللفظ أو الموقف في غير مكانها المألوف لتثير الوعي باغترابها. ويرتبط مصطلح التغريب المسرحي بالألماني برتولد بريخت حيث أدخل هذا المصطلح إلى المسرح كأداة فعالة تكشف عن أن الإنسان في أي مجتمع هو ثمرة إفرازات التناقضات الاجتماعية التي تنعكس على حياته فينجم عن ذلك حاجة ماسة إلى التغيير ونبذ الركود بشرط أن يشارك هو نفسه في عملية الاغتراب. وهذا بالفعل ما سعى حسام الرشيد إلى فعله في هذه المسرحية حيث استخدم أبطاله من الموتى ونقلهم إلى غير مكانهم المألوف وهو إخراجهم من  قبورهم وإعادتهم إلى الحياة من خلال منحهم إجازة في سعي منهم لتغيير المجتمع من خلال قيامهم بثورة على الظلم والمجتمع معا. وقد قام حسام الرشيد بكسر وحدة المكان وتوظيفها في تقنية الاغتراب. فأحداث المسرحية دارت في أماكن متعددة، المقبرة،مكان حفل التأبين،بيت ناصر،شقة حمدان، الخان المهجور.
كما لجأ إلى توظيف الديكور لإنجاح عملية الاغتراب فاستخدم أدوات بسيطة شواهد قبور متناثرة، صخرة حدباء،صفوف مقاعد بلا مساند،طاولة عريضة،ستارة الدانتيلا وغيرها ربما ليستدعي ذهن المتلقي لكي يكمل ما نقص من الصورة.
كما وظف الكاتب الإضاءة لإنجاح تقنية التغريب فقد استعمل الإضاءة المركزة في مناسبة واحدة عندما خرج الأبطال الثلاثة من قبورهم واستراحوا على صخرة حدباء حيث تم تسليط الضوء عليها وذلك لتبئير المشهد حول قطب الحركة في المسرحية وهم هؤلاء الأبطال.
نستطيع أن نقول بأن حسام الرشيد لجأ إلى تقنية التغريب لأن من وظائفها في المسرح التسييس وإثارة الوعي فقد تبنت هذه المسرحية قضايا الإنسان المسلوب الإرادة وقضايا اجتماعية مثل إدانة السلبية والخنوع والصمت وبيع المبادئ من أجل المال والسعي وراء المراكز العليا كما حصل مع رفاق منيف في الحزب الذين قاموا بوضعه قيد الإقامة الجبرية حتى قضى نحبه.وأدانت المسرحية الطمع والخيانة كما في شخصية شقيق حمدان الذي قتل حمدان أستاذ الجغرافيا وصاحب المبادئ وزوجة ناصر الفنانة التشكيلية التي باعت أيضا مبادئها عندما عرضت لوحات زوجها للبيع بأسعار باهظة طمعا بالمال.

-الشخصيات
إن الشخصيات بما تفعل وبما تظهر من حياة مكونة من عواطف وأفكار وأحلام وبما تشترك فيه من صراع وبما تصفه من مشاكل تقدم لنا المادة الحيوية التي تقوم عليها المسرحية ويرى روجر بسفيلد ( إن المسرحيات التي ظفرت بالشهرة الحقيقية في جميع العصور تمتاز عادة بميزة صنع الشخصيات). والشخصيات بتقسيمتها التقليدية تقسم إلى رئيسية وثانوية.لكن هناك أنواع أخرى للشخصية مثل الشخصية المحورية التي يدور حولها الحدث وتتمثل هنا بناصر ومنيف وحمدان.

لكن الشخصية التي ألقت بالحجر في مياه الدراما الراكدة وكسرت وتيرة الأحداث وعملت حراكا دراميا صامتا وأقول صامتا لأن ردة الفعل لم يكن لها ضجيجا بالفعل بل كانت ردة الفعل مشادة كلامية غيرت من مخطط البطل وهدم فكرته بالتغيير مثل شخصية المحامي الذي كشف زوجة ناصر وما خططت له من خلال الدعوى القضائية التي كسبوها لملكية اللوحات هذه الزوجة التي مسحت أول حرفين من شاهد قبره حتى تلغي وجوده فلا يتعرف عليه أحد حتى بعد مماته.

والراقصة التي سترقص في شقة حمدان بعد أن تحولت على يد شقيقه إلى ملهى وهذه الحقائق صدمت الأبطال وكانت نقطة تحول جعلتهم ينتقلون من حالة إلى الحالة النقيض فبدلا من الثورة التي أرادوها عادوا أدراجهم إلى المقبرة وهذا التحول دفع التطور الدرامي إلى نقطة أخرى رأى الأبطال من خلالها هزائمهم المحتومة في مجتمع لن يتغير.

وهناك شخصية نمطية تمثلت في حارس المقبرة الذي ظهر للأبطال الثلاثة حينما عادوا إلى المقبرة وصدمهم بأن قبورهم لم تعد لهم فقد شغرها أموات أخرون غيرهم لكن هنالك فرصة هي الدفن الجماعي في قبر واحد هو لعاهرة حينما قال لهم قبر عاهرة خير من الموت في العراء وهذه العبارة ربما حملت الكثير من المعاني وهي الرضوخ والخنوع اللذين رفضه أبطالنا فتوقف حينها الزمن وتجمدت حركة الكائنات وتحول الثلاثة إلى تماثيل يستظل بها العابرون والظل هنا هو الحقيقة الحاضرة الغائبة حقيقة التغيير التي ربما يلتفت لها البعض وربما لا يلتفتون بل بدلا من ذلك يتبولون عليها وهذا دليل الرفض، رفض التغيير لمجتمعات جمدت فكرها وظلت متمسكة بالقديم البائد.والحارس يشير إلى قضية عامة وهي تواجد أداة السلطة التي تستعمل القمع لجعل خياراتك محدودة بل كما أرادتها هي للشعوب في كل زمان ومكان.

-الحوار..

من المعروف بأن المسرحية لا تأخذ شكلها النهائي إلا عن طريق الحوار فهو نمط تواصل. والحوار الدرامي كلام ذو حساسية مفرطة ،دائم التحول والتغيير والاختلاف.وهو ينقسم إلى حوار خارجي وداخلي وقد استخدم حسام الرشيد كلا النوعين. فاستخدم الحوار الخارجي بين أبطال المسرحية أما الداخلي فقد لجأ إلى استخدام الحوار الجانبي مثل الذي تحدث به منيف  خلال حفل تأبينه حينما قال هذا اللعين لم أره في حياتي...الخ وقد جاء هدفه كتعليق ساخر على كلمة المدعو بالرفيق سالم.
والحوار يعتبر ضابط إيقاع النص وأهم خصائصه التكثيف وقد استخدم الكاتب هذه الخاصية حيث كانت معظم حواراته مكثفة إلا ما استدعى الإطالة في سبيل تحقيق رسالة أراد إرسالها عن طريق هذه الإطالة.
ومن وظائف الحوار التي نجح الكاتب في توظيفها قدرة حواراته التي أجراها على لسان أبطاله على تطوير الحدث ودفعه للامام فلا يبقى الحدث ستاتيكي ثابت في منطقة واحدة.
وحوارات حسام الرشيد خالية من التعقيدات اللغوية فكانت فكرته التي أراد إيصالها واضحة لا لبس فيها.
وقد لاحظنا بأن الحوارات كانت ملائمة لطبيعة الشخصيات وأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية فناصر بفكر فنان ومنيف بفكر رئيس حزب وحمدان بفكر أستاذ جغرافية وانعكس هذا الفكر على حواراتهم.

-الصراع..
الصراع ينقسم إلى خارجي وداخلي. أما الخارجي فقد يكون بين الشخصية وبين قوة خارجية أحيانا يكون المجتمع بقوانينه وعاداته أو السلطة القامعة أو بين أشخاص ،ومسرحية موتى في إجازة كان الأبطال يصارعون المجتمع ككل والظلم متمثل ببقية الشخصيات الثانوية..
وقسم آخرون الصراع إلى ساكن ،صاعد،واثب ومرهص.. ونلاحظ بأن الصراع حسب هذه التقسيمة ينتمي إلى القسم الأول وهو الساكن حيث كان رد فعل الأبطال الثلاثة مقابل فعل الأشرار ضدهم أقل وهنا لم نشعر بوجود صراع والسبب في اختيار الكاتب لهذا النوع ربما ليبعث لنا برسالة مبطنة بأن الواقع بظلمه وتخلفه هو أقوى من قدرتنا على التغيير وهذا ما كان في المشهد الأخير حينما تجمد الأبطال وتحولوا إلى تماثيل. وهذه النهاية قد تكون صادمة للمتلقي لكنها نهاية واقعية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

وأخيرا بقي أن نقول بأن حسام الرشيد نجح في تجسيد إشكالية ممتدة تصلح لكل زمان ومكان وهي إشكالية العجز عن تغيير الواقع لأن كل واقع فيه أشخاص يتسلقون على ظهر الآخرين متخذين منها سلالم للارتقاء إلى أعلى المناصب والوصول إلى المال ولو على حساب كرامتهم وقد عبر حسام الرشيد عن معاناة النخبة أصحاب المبادئ الثابتة التي لا يغيرها الزمن مهما جار