أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل
بقلم / سارة السهيل .
كشفت الحرب الروسية الاوكرانية ورقة التوت التي كانت تستر عورات النظام الاقتصادي العالمي، فمع اول ضغط زر للعقوبات على روسيا صرخت أوربا من التوقف الجزئي لامدادات النفط والغاز وظهرت على السطح بقوة ازمة الطاقة برفع اسعار الغاز بنحو 400 % عما كانت عليه قبل الازمة .
وقد ترتب على ذلك ارتفاع موازي في اسعار السلع والخدمات وتقليص الانتاج الصناعي في كثير من بلدان اوربا الصناعية، ناهيك عن ارتفاع اسعار السلع الغذائية الرئيسية كالحبوب والزيوت التي كانت الدولتان المتحاربتان تمدان دول العالم بها ومنها معظم دولنا العربية .
قبيل دخول الشتاء سعت الدول الاوربية لانقاذ ما يمكن انقاذه فخزنت 80% من احتياجاتها من الغاز الضروري للتدفئة وللمتطلبات الحياة اليومية، وفقا لما ذكرته رئيسة المفوضية الأوروبية، غير ان الخبراء يرون أن هذه المخزونات لن تكفي لحل أزمة الطاقة الشتاء المقبل.
ولجأت بعض الدول الاروبية لعدد من الحلول والبدائل منها ترشيد استهلاك الغاز ، وانشاء شبكة غاز متصلة لتتقاسم الدول الاوروبية امداداتها منها، وسعي النرويج وبولندا على زيادة انتاجهما من الغاز لمساعدة الاتحاد الأوروبي في إنهاء اعتماده على الوقود الروسي بحلول عام 2027.
و قد تلجأ اوروبا الى طاقة الكهرباء والتوسع فيها في السيارات والمصانع، من خلال استيرادها أو توليد الكهرباء من الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة أو الطاقة الكهرومائية وتقنيات البطاريات. لكن تكلفة انتاج الكهرباء عالية واسعارها متزايدة ، او الاعتماد على تقنية البطاريات بدلاً من الهيدروكربونات لكنها بحسب الخبراء لا تصمد امام الجفاف الطبيعي للرياح أو الشمس لمدة أسبوع و لها مخاطرها .
وهكذا فإن تحول اوروبا لمصادر الطاقة المتجددة عبر تكنولوجيا الطاقة الشمسية والهيدروجين المتجدد ومضاعفة قدرة الطاقة النظيفة 3 مرات بحلول عام 2030 سيكون مكلفا، كما انه سوف يستغرق عدة سنوات بحسب الخبراء مما يؤثر سلبا على حياة الناس الاقتصادية والسياسية والأمنية ايضا، والتي برزت مؤخرا فباندلاع المظاهرات بفرنسا وبريطانيا واستقالة رئيسة الوزراء نتيجة ارتفاع اسعار السلع الناتج عن ازمة الطاقة والحرب الدائرة حاليا، المتوقع ان يتفاقم السخط الشعبي على الحكومات الاوروبية بفعل الازمة والتضخم المتنامي في ظل استمرار الحرب ونتائجها .
اما عالمنا العربي فقد اهتز بقوة امام ازمة الوقود بارتفاع اسعاره ، وارتفاع سعر صرف الدولار مما حطم كثيرا من العملات الوطنية بلبنان ومصر ، ورفع اسعار السلع في بعضها بشكل جنوني قد يفضي بها الى الجوع المحقق، مقابل استفادت دول الخليج من رفع اسعار النفط .
ورغم الازمة الاقتصادية الخانقة للعديد من دولنا العربية غير النفطية، فانها ومع دول الخليج باتت تدرك تغير موازين القوى باتجاه عالم متعدد الاقطاب، وان الحليف الامريكي قد تخلى عن المنطقة وتركها نهبا للازمات الاقتصادية مع رفعه لاسعار الفائدة على الدولار ، ومن ثم رفع سعر صرفه في عالمنا العربي، مما يجعل البوصلة تتجه نحو الاقطاب الجديدة والفاعلة بعالم اليوم روسيا والصين .
واذا ما تفاقمت الازمة الروسية الاوكرانية ومن ثم تفاقم ازمة الطاقة بأوربا مع التغيرات المناخية المتوقعة نحو عصر جليدي، فان بعض شعوب القارة العجوز قد تشهد هجرات من دولها نحو منطقة الشرق الاوسط. بل وقد تتحول الاستثمارات والاقتصاديات الاوروبية نحو بلادنا لما يتوافر فيها من مناخ آمن وطاقة وعمالة رخيصة .