التخرج من مدرسة رمضان
بعد يوم أو يومين سوف يحتفل العالم الإسلامي بالعيد السعيد الذي سوف يشهد حفلا مهيبا في كل بقاع الكرة الأرضية يمتزج فيها هتاف الأرض مع السماء بأهزوجة التكبير الرائعة حيث يتم تخريج الملايين من البشر الذين دخلوا مدرسة رمضان السنوية, وسوف يسلم كل واحد نفسه شهادته الخاصة , وسوف يقرأ بينه وبين نفسه نتائجه ودرجات تحصيله في جميع المباحث المطلوبة على مختلف المسارات وعلى كافة الأصعدة من خلال التقويم الذاتي الذي يقتضي أن يكون الإنسان عادلاً وصادقاً مع نفسه وبأعلى درجات النزاهة ، فليس الواحد مضطراً لممارسة الغش والتدليس وأسلوب المخادعة مع الذات.
مسألة التقويم الذاتي عملية سهلة لمن يريد ذلك , ولمن يرغب رغبة حقيقية في تطوير قدراته الذاتية في مجال تزكية النفس وتحسين أدائها والمضي قدماً في معراج السمو الروحي والارتفاع بها عبر درجات العلو الآدمي والتفوق الإنساني على صعيد اكتساب القيم النبيلة التي تشكل المعيار الحقيقي في عملية التقويم الفكري والسلوكي والتهذيب الوجداني الأخلاقي, وفي المقابل سوف تكون عملية التقويم صعبة وشاقة وغير صادقة بحق من لا يريد ذلك ولا يشعر بالرغبة الحقيقية في إحداث هذه النقلة على صعيد الذات بكل تأكيد.
مظاهر النجاح تبدو واضحة وجلية وقابلة للقياس, من خلال الإجابة على مجموعات من الأسئلة المحددة في كل مجال , فهل استطاع الإنسان تحرير نفسه من رق الشهوة , وهل استطاع التخفيف من نهم الطعام والشراب , وهل اكتسب قيمة الصبر والاحتمال , وهل استطاع ترويض نفسه الجامحة نحو الإسراف والتبذير , وهل استشعر لذة الصيام والاستعلاء على حاجات الجسد.
هل استطاع الفرد اكتساب قيمة احترام الآخرين والتعامل المتحضر معهم , وهل اكتسب قيمة التسامح والتغافر مع زلات القوم , وهل استطاع أن يكسب مهارة ضبط النفس إزاء المخطئين , وهل درّب مهارة حفظ النفس من الانزلاق في المهاترات والخصومات وتبادل الشتائم في الشارع والسوق ومكان العمل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي , وهل وصل مرحلة الرد على الشتامين بالقول « اللهم إني صائم «.
هل استطاع الصائم أن يصل إلى درجة إحسان التعامل مع الحق العام والمصلحة العامة والشأن المشترك , وهل استطاع أحدنا أن يدرب نفسه على الالتزام الصارم بدوره في الصف وموقعه في طابور الانتظار , وهل اكتسب أحدنا مهارة احترام القانون والنظام وأصبحت لديه سجيّة وطبعاً والتزاماً اتيا لا يقبل المساومة , وهل استقر في نفوسنا مفهوم المساواة الحقيقية في أصل الخلقة ومبدأ الكرامة مع كل الناس , والمساواة أمام القانون والخطاب التكليفي العام , وهل درّب أحدنا نفسه على معنى ( أني لست بأفضل من الآخر ولا استعلي عليه بنسبي وعائلتي ومالي ومظهري ولون بشرتي وعرقي وانتمائي الديني والمذهبي والجهوي) .
هل استطاع أحدنا أن يقاوم نزعة التعصب في أعماق نفسه , وهل عزم على أن لا يمارس الكذب والغش والاعتداء على أعراض الناس وممتلكاتهم , وأن لا يسخر من أحد ولا يلمزه ولا يغتابه ولا يحرض عليه , وان لا يمشي بالنميمة , وهل استطاع أحدنا أن يرتفع بنفسه إلى درجة أن يحب لغيره ما يحب لنفسه .
هذا النموذج من الأسئلة وهذه العينة من القيم التي من خلالها نستطيع أن نمنح أنفسنا شهادة النجاح بعد الإجابة الصادقة عليها في لحظة حفاء وصفاء ووفاء ونقاء بينك وبين نفسك بلا رقيب ولا حسيب، فإذا نجحت فاحمد الله واستمر في عملية الصعود ولا تتوقف ، وان كان غير ذلك عليك بإعادة مراجعة ذاتك بينك وبين نفسك من اجل إنقاذ حريتك وكرامتك وصيانة إرادتك قبل ساعة الندم.
الدستور