ماذا تعرف عن حساسية الأسنان؟
عندما تقرر أن تشرب عصير بارد، أو مياه غازية باردة، أو حتى مشروباً ساخناً، وما أن تشربها حتى تشعر لوهلة أن تياراً كهربائياً قد اخترق رأسك وكأنه برق، وبقيت منزعجاً طيلة الوقت إثر ذلك.
في الحقيقة هذه الحالة تعرف باسم الحساسية السنية (Teeth Sensitivity)، الكثيرون يعانون منها بالرغم من أنها ليست حالة مرضية تماماً إلا أنها قد تكون مؤلمة كثيراً أكثر من معظم الأمراض السنية الشائعة، ومزعجة بشكل غير محمول.
علينا فهم تركيبة الأسنان لفهم أسباب تحسسها
لفهم آلية الحساسية بشكل جيد، بالتالي طرق علاجها والوقاية منها؛ سنتحدث بشيء من الإيجاز عن بنية الأسنان التشريحية.
يتألف السن من الأجزاء التالية، وهي من الداخل إلى الخارج:
١-اللب السني (Pulp): عبارة عن نسيج رخوي يحوي الأوعية الدموية والنهايات العصبية.
٢-العاج (Dentin): نسيج قاس يغلف اللب من كل الجوانب، مسؤول بشكل كبير عن نقل الإحساسات بالحرارة والبرودة والضغط وغيرها إلى اللب، بشكل عام نسبة المكونات العضوية في العاج أكبر منها في الميناء وهو أقل تمعدناً.
٣-الميناء (Enamel): يغطي الميناء العاج في منطقة تاج السن (Crown)، ونقصد هنا الجزء الذي يكون ظاهراً في تجويف الفم.
٤-الملاط (Cementum): يغطي الملاط طبقة العاج في باقي مناطق السن التي لا يغطيها الميناء، وأكثر تحديداً يغطي الجذور، كما تكون منطقة الملاط منغرسة ضمن التجويف العظمي الذي يتواجد فيه السن وهي غير مرئية إلا في بعض الحالات.
عادة ما تلتقي طبقتا الميناء (التي تغطي التاج) والملاط (التي تغطي الجذور) في المنطقة العنقية من السن (Cervical)، لهذا الالتقاء العديد من النماذج ويعرف ذلك علمياً باسم (Cementoenamel junction) يُختصر بالرمز (CEJ):
١-النموذج الأول: يصل فيه الملاط إلى الميناء ويغطيه قليلاً، هذا النموذج مشاهد في 60% من الأسنان وهو نموذج سليم (لا يعاني مشكلة الحساسية) وليس له آثار جانبية.
٢-النموذج الثاني: تصل فيه ذروة الملاط إلى ذروة الميناء ويلتقيان مع بعضهما تماماً دون ترك أي فراغات وهذا النموذج سليم أيضاً.
٣-النموذج الثالث: لا تصل فيه ذروة الملاط إلى ذروة الميناء، أي سيبقى هناك فراغ بينهما يؤدي إلى كشف العاج، هذه الحالة مشاهدة في 10% من الأسنان، وهذا الشكل يؤدي إلى الحساسية عند العنق.
٤-النموذج الرابع: يغطي فيه الميناء الملاط قليلاً وهو نادر المشاهدة.
بالإضافة لمشاكل الحساسية التي قد يولدها النموذج الثالث هناك العديد من أسباب الحساسية بسبب شذوذ في تشريح السن، كأن تكون طبقة الميناء المغطية للعاج رقيقة في مناطق مختلفة من السن، وهذه الحالة كثيرة المشاهدة عند عنق السن لدى الكثير من الأشخاص.
العاج يقع في الوسط بين الميناء واللب فهو مسؤول عن نقل الإحساسات المختلفة كالحرارة والبرودة والضغط وغيرها، عن طريق قنياته العاجية أو القنوات العاجية (Dentin Canals).
لا بد من التنويه إلى أنه باللغة العربية قد يتضارب مصطلح الحساسية السنية (Sensitivity) مع مصطلح حساسية آخر (كالحساسية تجاه أنواع أدوية معينة)، التي تدعى بالإنكليزية (Allergy) وهذين النوعين من الحساسية لا علاقة لهما ببعضهما البعض.
يتم استعمال كلمة حساسية السن (Tooth Sensitivity) للدلالة على ما يعرف طبياً باسم فرط حساسية العاج (Dentin Hypersensitivity).
يجب استشارة الطبيب عند معاناتك مما تعتقد أنه حساسية، بشكل عام يمكن الوقوف على أسباب الحساسية الحقيقية وعلاجها وليس الاكتفاء بعلاج الأعراض فحسب، من جهة أخرى قد يختلط التشخيص على المريض بين الحساسية السنية والتهاب اللب الردود (يسبب ألم مفرط لكنه سريع الزوال) الذي تتشابه أعراضه مع الحساسية، لكن في حال إهماله قد يحتاج السن إلى معالجة لبية (استئصال لب- تقطيع العصب).
أسباب الحساسية السنية
١-الحت بسبب تنظيف الأسنان بالفرشاة (Toothbrush Abrasion): يقصد به استعمال فرشاة الأسنان بقوة زائدة وبطريقة خاطئة، خصوصاً عند أعناق الأسنان حيث الميناء رقيق أو ليس له وجود؛ قد يؤدي ذلك إلى إزالة شيء من العاج، والعاج الجديد المتولد سوف يكون عالي الحساسية. تفريش الأسنان الصحيح يكون باستخدام الفرشاة ابتداءً من خط اللثة وصولاً إلى نهاية السن، ومن الداخل إلى الخارج وباتجاه واحد، يفضل أن تكون الفرشاة مائلة قليلاً، تعرف هذه الطريقة باسم طريقة غاوس (Gauss).
إن التنظيف أو التفريش الزائد والعنيف الذي قد يؤدي إلى الحساسية وحت أعناق الأسنان، هو بتحرك الفرشاة ذهاباً وإياباً وبعنف وسرعة زائدتين، وهذه الطريقة خاطئة وضارة ولا تحقق نتائجاً جيدة في تنظيف الأسنان.
٢-التآكل السني بسبب الأحماض (Dental Erosion): تسبب الأحماض تآكل طبقة الميناء وانكشاف طبقة العاج خصوصاً في المناطق التي يكون فيها الميناء رقيقاً، تنتج الأحماض بواسطة الجراثيم الموجودة ضمن الحفرة الفموية بشكل طبيعي، أو الإكثار من تناول العصائر والمشروبات الغازية، وقد تكون نتيجة القلس المعدي المتكرر (الإقياء) كما في حالة المرأة الحامل.
٣-تراجع اللثة: يحدث تراجع اللثة نتيجة الاستخدام الخاطئ للخيوط بين السنية (خيوط الأسنان) أو يحدث نتيجة استخدام جائر وزائد لعيدان تنظيف الأسنان، فضلاً عن كونه قد يحدث بسبب التهابات اللثة المزمنة، بالتالي تراجع اللثة سوف يؤدي إلى كشف المنطقة العنقية من السن وحدوث الحساسية.
٤-تبييض الأسنان (Bleaching): إن المادة الفعالة في المواد المستخدمة لتبييض الأسنان عند الطبيب هي بيروكسيد الهيدروجين (Hydrogen Peroxide)، وهي مادة شديدة الفعالية، لكن نتيجة قدرتها العالية على النفوذ ضمن بنية السن قد تقوم بتوسيع الأقنية العاجية، كما قد تحدث الحساسية أثناء تبييض الأسنان أو بعد التبييض ثم تزول عادة بعد فترة.
٥-حشوات سنية مكسورة (Fractured Filling): في حال انكسرت الحشوات أو تشققت قد تخلف فراغاً يترك العاج مكشوفاً، فكثيراً ما يعاني المرضى الذين لديهم حشوات مكسورة خاصة الموجودة على أسنان حيّة من الحساسية السنية.
٦-تالأسنان المكسورة (Fractured Teeth): كما هو الحال بالنسبة للحشوات المكسورة، في حال انكسار السن سوف تنكشف الأقنية العاجية ويؤدي ذلك إلى فرط الحساسية.
في حال انكسر أحد أسنانك عليك مراجعة الطبيب بشكل إسعافي، في حال إهمال ذلك قد يموت اللب السني.
ما الذي يهيّج الحساسية السنية ويزيدها؟
بالرغم من أن هناك اعتقاد بأن المسبب الأساسي للحساسية هو المشروبات الباردة، فقد تحدث الحساسية حتى على المشروبات الساخنة (خصوصاً الحاوية على السكر بكثرة)، قد يكون تنفس الهواء خصوصاً البارد سبب في الشعور بالحساسية، نستطيع القول أن الحساسية لا تكون على شكل ألم ثابت في كل مرة، فتكون درجة الألم مختلفة من مرة إلى أخرى، فقد يكون مؤلماً بشدة أو يكون خفيفاً في بعض الأحيان، بالرغم من أن المحفز على حدوث الحساسية هو نفسه.
علاج الحساسية السنية
علينا معرفة سبب حساسية الأسنان لعلاجها
يختلف علاج حساسية الأسنان باختلاف العامل المسبب، كما أن المريض قد يعتقد بأن ما لديه حساسية في حين أنها حالة أخرى مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة ما في أسنانه، لذلك توصي جمعية أطباء الأسنان الأميركية (ADA) بمراجعة الطبيب عند الشعور بأي عوارض، ففي حال كان ما لديك حساسية سنية قد يستطيع الطبيب القيام بالعلاج اللازم، حيث تشمل المشاكل الأخرى إذا استبعدنا الحساسية؛ اللثة الملتهبة، الحشوات أو الأسنان المكسورة وغيرها حيث يقوم الطبيب باستبدالها، كما يعد تتويج الأسنان (تتويجها) (Crowning) من أساليب العلاج الناجح للحساسية السنية حيث يصل التاج إلى المنطقة العنقية ويغطيها بالتالي تزول المشكلة.
هناك بعض معاجين الأسنان المفيدة لحساسية الأسنان
قد يقوم الطبيب في بعض الحالات باقتراح استعمال معجون خاص بالحساسية، يحتوي هذا المعجون على جزئيات دقيقة مزيلة للحساسية عن طريق سد مداخل الأقنية العاجية بالتالي إيقاف الحساسية، وهي فعالة بشكل كبير، هذه المادة مختلفة من معجون إلى آخر، من أشهر معاجين الأسنان المستخدمة لعلاج الحساسية: سينسيتول (Sensitol)، سينسوداين (Sensodyne)، الجيديوم سينسيتيف (Elgydium sensitive) ويحتوي هذا الأخير على كلور الهيكسدين (Chlorhexidine) الذي يقضي على البكتيريا ويعقم الفم، كما أن جميع هذه المعاجين بشكل عام تعتمد على نفس المبدأ وجميعها فعالة ولاقت نجاحاً كبيراً.
طبيب الأسنان قد يساعدك أيضا
هناك مواد خاصة يمكن للطبيب أن يضعها على المناطق التي يكون فيها الميناء رقيقاً أو عند منطقة انكشاف العاج، تعرف باسم المواد الخاتمة أو السادة (Sealant)، تستخدم عادة للوقاية من النخور الذي يصيب الأسنان في الأماكن التي لا تصلها فرشاة الأسنان، لكنها قد تكون فعالة بشكل كبير في الوقاية من الحساسية السنية.
أدوية المضمضة تفيد في بعض الحالات
يمكن للمضامض الحاوية على الفوريد (Fluoride) أن تكون فعالة أيضاً في علاج الحساسية، فهي تساعد على إعادة تمعدن الميناء بالتالي إعادة تقويته وزيادة سماكته، مما يزيد من قدرة الأخير على حماية العاج.
بالرغم من كونها طريقة غير علاجية، لكن يمكن استعمال الماء الدافئ والملح كغسول للمضمضة، يتم إعداده عن طريق إضافة ملعقتي طعام من الملح إلى كوب ماء دافئ والمضمضمة به، يستطيع هذا الغسول العمل على موازنة الضغط الحلولي ودرجة الحموضة في الوسط الفموي (PH)؛ مما سيكون له قدرة كبيرة على التخفيف من أعراض الحساسية، فضلاً عن فوائده الأخرى كمقاومته لنخر الأسنان ووقاية اللثة من الالتهابات ينصح بالمضمضة مرتين يومياً.
هناك علاجات جديدة ما زالت تحت التجربة
فيما يقترح علماء من (مجتمع الكيمياء الأميركي) (American Chemical Society) علاج قاموا بتطويره وتجربته على حيوانات التجارب حتى الآن ويعطي نتائجاً مباشرة، وهو علاج دائم للحساسية السنية؛ عن طريق مواد ترمم المينا (وهي مواد موجودة بشكل طبيعي في بنية السن وهي أحد مشتقات الكالسيوم والفوسفور)، وهذه المواد لن تزول بتناول الطعام أو تفريش الأسنان الاعتيادي أو حتى تناول المشروبات، مما يمنح علاجاً فعالاً وأكثر ديمومة، ويعتقد هؤلاء العلماء أن نتائج أبحاثهم ستكون مستقبل علاج الحساسية السنية.
درهم وقاية خير من قنطار علاج
بطبيعة الحال، لماذا نذهب للبحث عن علاج للحساسية بينما يمكننا الوقاية منها؟ إن العناية بالصحة الفموية خصوصاً صحة اللثة ومراجعة الطبيب بشكل دوري وإعلامه بكل طارئ كإنكسار الحشوات وغيرها؛ سوف يجنبك العوامل المسببة للحساسية السنية، أيضاً تنظيف وتفريش الأسنان بطريقة صحيحة وسليمة، التخفيف من تناول المشروبات الحلوة أو الحامضية (كالمياه الغازية) له دور كبير في تخفيف الحساسية.
يتوجب القول في النهاية أن الحساسية السنية مشكلة منتشرة بشكل واسع لدى الكثير من الأشخاص، لكن لحسن الحظ أن الوقاية منها أو حتى علاج عواملها المسببة أمر سهل وناجح، فالعلم يستمر في التقدم والبحث عن علاجات لمثل هذه الحالات التي قد تواجه الكثيرين في حياتهم اليومية.