“طوال القامة أكثر سعادة وأفضل فرصاً في الحياة”.. إلى أي مدى استطاع العلم إثبات هذا المفهوم؟
سواء كنت قصيراً أو طويل القامة أو تقع في المنتصف بين هذا وذاك، فأنت جزء من نقاش مستمر منذ عقود طويلة حول تأثير الطول على الصحة والسعادة، والحصول على الفرص في الحياة العملية.
في الواقع، كان هناك الكثير من الدراسات العلمية التي تستكشف الفروق الدقيقة في الطول البشري، وتأثيره على الصحة النفسية والتركيبة التي تؤثر على بناء شخصية الفرد. لذا، بالنظر إلى تلك الدراسات والأبحاث المتعددة، هل من الأفضل أن تكون ضمن طوال القامة أم قصيراً؟ وهل سيؤثر الأمر حقاً على معدل سعادتك العام في الحياة؟ هذا ما نستطلعه في هذا التقرير.
أولاً: معدلات طول القامة في العالم وأسبابها
يزيد متوسط طول الأشخاص في البلدان الصناعية خلال الـ150 عاماً الماضية بأكثر من 10 سنتيمترات كاملة. يبلغ متوسط قامة النساء الآن 157 سم، والرجال 174 سم.
وبحسب HowStuffWorks للمعرفة والمنوعات، تتوافق هذه الزيادة في الطول مع ما نعرفه عن الطول وعلاقته بالصحة والإمكانات الوراثية والتغذية، خاصة أثناء الطفولة. وبينما تحدد الجينات حوالي 80% من أساس طول الشخص، فإن البيئة والتنشئة تملي عليه الباقي.
يمكن أن يكون الطفل الذي يتم تربيته على طعام غني بالتغذية والمياه النظيفة، والذي يظل محمياً من الأمراض خلال طفولته، أطول بمقدار يتراوح بين 7.6 إلى 10.1 سم، عن الطفل الذي يفتقر إلى هذه المزايا الأساسية.
يُنظر إلى الأشخاص طوال القامة على أنهم أكثر جاذبية
بالنسبة لأي شخص، نتأثر بالنماذج التمثيلية التي تتصدر اللوحات الإعلانية وشاشات التلفزيون، التي من الواضح أنها دائماً ما تروج إلى أن زيادة الطول تعتبر مرغوبة للغاية من قبل الكثيرين.
حتى أن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في أمريكا وجد أن الرجال الأطول، على عكس الرجال الأقصر، يتزوجون أكثر وتنجح علاقاتهم بفرص أكبر.
ويمكن العثور على هذا الموقف في جميع أنحاء العالم. اكتشف بيوتر سواروفسكي، الباحث بجامعة فروتسواف في بولندا، أن نفس معايير الجمال موجودة داخل قبائل الهادزا، وهي مجموعة معزولة من البدو الأصليين من منطقة نائية في تنزانيا.
تضمنت منهجية سواروفسكي عرض صور رجال ونساء من جماعة هادزا للأزواج من الذكور والإناث. عندما سئلوا عن فرق الطول الذي يفضلونه في علاقتهم الخاصة، فضل كل من الرجال والنساء الزوجين اللذين لديهما أكبر فرق في الطول.
لكن بالنسبة للنساء طويلات القامة على الأقل، لم يكن الأمر بهذه البساطة.
وجدت دراسة أجرتها جامعة Brunelالبريطانية أن النساء القصيرات ذوات الأرجل الطويلة يعتبرن الأكثر جاذبية.
ومع ذلك، لدى الرجال أيضاً مفاهيم مسبقة بأن النساء طويلات القامة عادة ما يكنّ أكثر نجاحاً وثراءً عن نظرائهن الأقصر قامة، وهي بلا شك صفات جذابة للكثيرين.
طول القامة والحصول على فرص مهنية أكبر
علاوة على اعتبارات الجاذبية الأكبر التي يتمتع بها طوال القامة، هناك إيجابيات أخرى لذلك على الحياة المهنية أيضاً.
إذ من المرجح أن يتم اختيار الأشخاص الأطول قامة للوظائف الأكثر تنافسية وحتى كسب المزيد من المال في المتوسط عن الموظفين الأقصر قامة.
من المحتمل أن هذا النجاح الوظيفي ينبع من حقيقة أن الأشخاص الأطول يتمتعون بصحة جيدة وهيمنة أكثر من الأشخاص الأقصر.
يعتقد العلماء والباحثون أن هذا الارتباط بين الحجم والوضع الاجتماعي هو في الواقع أحد غرائزنا البدائية. على سبيل المثال، الحيوان الأكبر والأطول قامة يعني أنه قادر على فرض هيمنته على مساحة أكبر وعدد أكثر من الحيوانات الأخرى.
حتى أن هذه الغريزة وصلت إلى عالم السياسة الأمريكية، حيث أظهرت الأبحاث وفقاً لمجلة Flux الأمريكية للمنوعات، عن وجود علاقة مقلقة بين طول المرشح الرئاسي وعدد الأصوات التي يتم الإدلاء بها لصالحه.
وفي كوريا الجنوبية مثلاً، تذهب هذه التحيزات إلى أبعد من ذلك.
مثلاً، لا تكسب الإناث الكوريات ما يصل إلى 2% أكثر عن كل سنتيمتر من طول قاماتهن فحسب، بل إن الشركات باتت تطلب مقاييس الطول والوزن في طلبات التقديم على العمل.
العلاقة بين طول القامة ومستوى السعادة
تضاربت إجابة السؤال على مر عقود طويلة من الأبحاث. وعلى الرغم من عدم وجود دراسة قاطعة لتحديد ما إذا كان الأشخاص الأقصر أو الأطول أكثر سعادة بشكل عام، فقد فحص عدد من الدراسات تأثير الطول على ظروف بشرية معينة.
على سبيل المثال، قامت دراسة أجريت عام 2013 في مجلة Genome Biology بفحص 13.000 من الأزواج من جنسين مختلفين، ووجدت أن الناس يميلون إلى الانجذاب للأشخاص من نفس الطول.
في المقابل، هناك تحليل واسع النطاق عام 2004 نُشر بمجلة علم النفس التطبيقي والذي خلص إلى أن الأشخاص الأطول قامة عادة ما يتمتعون في حياتهم بمزايا عديدة بالمقارنة مع غيرهم.
ولفت التحليل إلى أن الأشخاص الذين يبلغ طولهم يبلغ 182 سم أو أطول يكسبون 100.000 دولار في المتوسط على مدى حياتهم.
هذا طبعاً بالنظر إلى أن الدراسة أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن على الرغم من هذه البيانات المقنعة، هناك العديد من المتغيرات للتنبؤ بدقة بما إذا كان طول أو قصر قامتك سيجعلك سعيداً أو بائساً.
فالبشر، قبل كل شيء، لهم شخصيات وتكوينات فردية يمكن أن يترتب عليها الكثير من الأمور فيما يتعلق بفرص حياتهم العامة والخاصة.