كتب محمود الدباس.. ديوان الخدمة المدنية ودوره في الترهل الاداري..



القاه في اليم مكتوفا.. وقال اياك اياك ان تَبتَل بالماء..
تذكرت هذا القول وانا استمع الى الدكتور سامح الناصر.. مدير عام ديوان الخدمة المدنية.. خلال اللقاء الذي تشرفت به برفقة مجموعة من الذوات اعضاء ملتقى النخبة-elite.. والذي دأب على الالتقاء بالمسؤولين في مؤسساتنا الرسمية علَّنا نعرف حقائق الامور من رأس النبع.. ولا نكتفي بالسماع وما يقال في المجالس دون دليل..

لم يكن الدكتور سامح الناصر ذلك المسؤول الغامض او المراوغ.. بل كان الرجل الوطني الذي بتحدث بالادلة ويثبت حسن اداء الديوان ضمن الاطر التي وضع فيها..

يقال اذا اردت ان تحاسب مسؤول او مؤسسة.. عليك باعطائهم كامل السيطرة والصلاحيات على الدور المنوط بهم.. وراقبهم ضمن مراحل خطتهم.. ومن ثم حاسبهم على النتائج..
فلا يمكن لعاقل ان ينتقد اداء مؤسسة ليس لها كامل السيطرة على الدور الذي تطلع فيه..

يقول رب العزة في كتابه العزيز "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا".. ومن هذه الآية الكريمة نستدل بان الادارة والقيادة والسيطرة لامر ما.. يجب ان تكون أحادية المصدر.. والمراقبة والمحاسبة على النتائج.. من قبل جهة أخرى..
وحين ننظر الى القطاع العام.. ونحلل موضوعه واساسه الاهم.. الا وهو العنصر البشري.. نجد بان القوى البشرية يتم إناطة عملية تعيينها بديوان الخدمة المدنية بشكل رئيسي.. مع بعض الاستثناءات التي لا تشكل ذلك الحمل الكبير على كاهل الدولة.. وتعيين من هم حراس او عمال يشكل حوالي 60% من هذه التعيينات.. والتي لها خصوصيتها واعتباراتها.. وهذا ليس موضوعي الان.. والذي سافرد له حديثا منفصلا باذن الله..

المشكلة الكبرى في موضوع ادارة القوى البشرية في القطاع العام.. والتي هي اساس الترهل الاداري الذي يلمسه غالبية من يراجع اي جهة حكومية.. وكلنا يظن انها مسؤولية ديوان الخدمة المدنية بحكم انه من يشرف على التعبينات والترقيات وحتى التقاعد..
ولكن حينما نعلم بان اهم ادوار ادارة القوى البشرية الا وهي المتابعة والتقييم والتفتيش والتطوير وتعديل وتطوير القوانين الناظمة لها.. قد تم سحبها من ديوان الخدمة المدنية..
فمعهد الادارة العامة اصبح بعيدا عن الديوان ولا تمثيل للديوان في مجلس ادارته..
وكذلك الرقابة والتفتيش تم انشاء ديوان لها..  وحين ثبت عدم نجاعته منفصلا.. تم ضم صلاحياته الى ديوان المحاسبة..

واذا ما علمنا ان ديوان الخدمة يمتلك قاعدة البيانات الكاملة والشاملة لكافة موظفي الدولة.. وهو الاقدر على معرفة قدرات ومتطلبات الموظفين.. وبالتالي الاقدر على تقييمهم وتأهيلهم.. ولكن للاسف لا يستطيع التدخل في اي قرار يخص الموظف الا على شكل نصائح..

كنا نتغنى بمستوى المخزون البشري الكبير.. من اصحاب الدراية والكفاية المأهلين.. والذين يمكن ان يرفدوا اي سوق عمل يحتاجهم.. وذلك لان معهد الادارة العامة كان يقوم بدوره الفاعل والقوي حسب متطلبات السوق المحلي والاقليمي.. وكان يقدم الخدمة لاشقائنا العرب.. وكان مَعلَما مرموقا ينظر اليه الجميع بنظرة المتباهي.. ولكنه وللاسف تراجع بعد ان تم فصله عن ديوان الخدمة.. وعدم الزامية دوراته في الترقية..

هذا نداء وقرع للجرس لعل اصحاب القرار يتنبهون للدور الهام لهذا الديوان.. ولعلهم يعلمون بان دور الديوان ليس ترتيب المتقدمين ضمن جداول ليتم تنسيبهم للتعيين..
فدوره عظيم في تأهيل المتقدمين وتهيئتهم لسوق العمل العام والخاص.. بعد استشرافه لمتطلباته.. وكذلك متابعتهم اثناء الخدمة.. وتقييمهم ومعرفة مَواطن الضعف والخلل عندهم لتصويبها.. او حتى استبدالهم..
ولنعلم جميعا ان سحب اي دور من ادواره سيجعله عاجزا.. ومن ثم متهما بانه الأداة التي لا نفع لها.. وانه هو العاجز عن ايجاد وظائف للمتقدمين بطلبات التوظيف.. وانه سبب الترهل الاداري والبطالة المقنعة.. وانه السبب في اختيار غير اصحاب الكفاية.. وأنه سبب فشل الجهاز الحكومي من مواكبة التطورات الدارية التي تحدث..

في الختام.. ادعو الجميع بان نحافظ على هذا الكنز الوطني.. وان نقويه ولا نعيد له صلاحياته السابقة فحسب.. بل ويجب ان نعطيه الحصانة لاتخاذ القرارات الجريئة في الوظائف والتوظيف والمتابعة والتفتيش والتفنيش والترقية والمناقلة.. حتى وان استدعى ان يُعمِل مِبضعه لإجراء الجراحات اللازمة في الجسم الاداري الحكومي.. لعله يكون السبب في انتشاله من التردي والفساد الذي يعتريه..
ابو الليث..