د.أنور الخُفّش يكتب: الإصلاح الضريبي ، المفتاح الذهبي لمعالجة التشوُّهات المالية والإجتماعية.
يُساوِر الأردنيين القلق على مَرّ السنين من إستمرار مشكلة الفقر والبطالة ، رغم الجهود التي تقوم بها الحكومة للقضاءعليها وعلى الأقل تضييق رُقعتها الإجتماعية ومنع إتساعها
إلا أن تجاهُل دراسة أثر مروحة الرسوم والضرائب المباشرة لما لها من آثار سلبية على الدخل النقدي وإنخفاض القيمة الشرائية نادراً ما تلبِّي إحتياجات الأسرة الأساسية . أصبح الناس يتوقعون من الحكومة أن تؤمَّن الخدمات وزيادة مساحة شبكة الأمان الإجتماعي أكثر من أي وقت ومرحلة سابقة ، مع إزدياد تكلفة المعيشة وثبات مستويات الدخل في ظل إرتفاع تكاليف الخدمات وإرتفاع أسعار السلع ، بالإضافة إلى زيادة الجهد والأعباء الضربية على الأفراد والأسر متوسطة الدخل والفقيرة.
الحقيقة كون معدلات الضريبة والرسوم بمختلف أنواعها مرتفعة ومطرقة ضاغطة على موازنة الأسرة ، من الحقائق المالية التي تحتاج إلى معالجة ، وبالرجوع الى روح الدستور، والعُرف الشعبي لمفهوم الدستور ، كما جاء في المادة السادسة منه ، بأن الدولة تكفل الطمأنينة وتكافؤ الفُرص لجميع المواطنين ، كما المادة 23 على الدولة أن تكفل حق العمل بتوجيه الإقتصاد الوطني والنهوض به ، والمادة 111 من الدستور ، لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ، وعلى الحكومة أن تأخذ في فَرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع ضمان تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلَّفين على الأداء لهذا العبئ الضريبي . هل قانون ضريبة المبيعات المعمول به تحقِّق هذه الأهداف الإجتماعية الدستورية الملزمة للحكومات و(للمُشرِّع) مجلس الأمة ؟ وهل تحقق العدالة في توزيع الجهد الضريبي ؟ وهل تحقّق العدالة الإجتماعية ، أترك الإجابة لضمير المُشرِّع وراسم السياسات المالية الحكومي.
من هنا المطلوب إعادة تعيير المفاهيم وتغيير النهج ، في الأساس من غايات وفلسفة المنظومة الضريبية ، التي تستهدف أولاً : العدالة الإجتماعية ، من خلال توفير موارد مالية لتمويل التنمية وإعادة توزيع الثروة. ثانياً : توفير النجاعة الإقتصادية ، من خلال سياسات مالية تدعم الإستثمار وتُعزز النشاط التجاري وصولاً للتثبيت والإستقرار الإقتصادي والإجتماعي.
صانِع السياسات المالية الحكومي ، من الواجب عليه أن يوصل رسالة واضحة للناس ، أن هدف المنظومة الضريبية كوسيلة لتحقيق التنمية والحماية الإجتماعية وليس زيادة إيرادات الدولة بل يتعدَّى هدف تحقيق النمو والتحفيز الإستثماري ، بل يتعدَّاه كون الهدف في الجوهر تحقيق التنمية ، مع ضرورة ربطها بالأجندة الدولية التنموية 2030 (أهداف التنمية في الألفية الثالثة) التي تستهدف تحقيق الأمن والسِلم والإستقرار للدول من خلال جهود ملموسة لتحقيق التنمية .
إن الحكومة مطالبة بالإلتزام بالسعي الجادّ والحقيقي في تنفيذ رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ، بتبنِّي إصلاحات إقتصادية بعيداً عن نهج الريعية والجباية من خلال (خطة منهجية تنموية مستدامة وتصوُّر مستقبلي لعشر سنوات قادمة نحو التمكين والإستقرار الإقتصادي والإجتماعي الحقيقي على أرض الواقع ) . هل نستسلم ونقول مرحباً بالتفكك العظيم، كما قال جورج باركر، وبالطبع لا تحتاج الحكومة ، إلى شخص يخبرها بأن الأوضاع المعيشيّة للأسر والأفراد تتداعى، فنحن نشعر كل يوم بهذا ونسمع فقط أخبار تفشِّي بعض الجرائم والفقر والتهميش والأزمات في تعثُّر سداد الديون هنا وهناك. وإنفلات وأُفول مفهوم التراحم والقيم الإنسانية. هذه حقيقة تفشِّي ظواهر إجتماعية دخيلة على مجتمعنا ، مما تتطلب الدراسة من علماء الإجتماع ومن صانع السياسات الإستدراك في معالجة الأسباب .
إن إرتفاع الأسعار وزيادة الضغوط المالية على الناس بات واقع صعب وخطير في ظل البيروقراطية والترهُّل الإداري وسوء الإدارة (الفساد) ، كونه يُعتبر تهديد سياسي وأمني ومجتمعي ، والأكثر عرضة سلباً هو جميع مفاصل الإقتصاد الوطني . بل من واجب الحكومة تقديم الحلول والبرامج الإقتصادية والإجتماعية من خلال تبنِّي معايير مؤسسيّة وطنية وقائية من سوء توزيع الأعباء الضريبية لحماية الأسر المتوسطة والفقيرة ، نعم الحقيقة الثابتة نحتاج لنهج جديد لحماية القيم الأساسية للدولة والمجتمع أيضاً .
إن معيار آليه التوازن بين الكلفة السياسية والإجتماعية من خلال إتّباع خَيار المفاضلة الدقيقة أمام صانع السياسات المالية بإعتباره خارطة طريق ، بالضروة أن نغلب مصلحة الإستقرار الإجتماعي كأحد أهم القيم الأساسية للدولة (حاضنة الدولة) ، وإعتباره أحد أهم التحديَّات الأساسية لذا نحتاج إلى نهج جديد وإعادة النظر بالتفكير والتعليل والإنطلاق نحو سياسات مالية وإقتصادية عادلة مرتكزها وأساسها التكافُل الإجتماعي وتعزي قاعدة الإقتصاد التعاوُني وخاصة بالقطاع الزراعي والصناعات الغذائية لإحلال الواردات وصولاً لصناعة وخدمات قابلة للتصدير .
بالنسبة لدخل الأفراد النقدي ، المصلحة تقتضي إعادة الإعفاءات مقابل الإستشفاء والتعليم في حدود الأربعة آلاف دينار ، على أن يكون حدّ الراتب الشهري الخاضع للضريبه يبدأ من1001 دينار أردني ، ليتوائم من الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة للأسرة الأردنية ، حيث يقدَّر حد الكَفاف شهرياً ، إذ يتراوح بين 960 الى 1100 دينار حسب المناطق وعدد أفراد الأسرة المبتدئة ، بينما يقدَّر حد الفقر بمبلغ 833 دينار أردني حسب بعض الدراسات المنشورة. هذه إعتبارات تحدِّد قدرة المكلَّف على دفع الضريبة .
لقد قُدِّرت الطاقة الضريبية في الأردن 16,8% من الناتج المحلي ، يجب العمل على تخفيضها وبالحد الأدنى مراعاة عدم تجاوزها هذه الحدود وهو مؤشر لسوء توزيع الثروة والإرهاق الضريبي (مؤشرات القياس لدى المؤسسات الدولية). واقع الحال كمُستند حقائق كون نسبة مساهمة ضريبة المبيعات تتراوح ما بين 68% الى 70% خلال السنوات السابقة ، حيث تعتبر من أخطر التشوُّهات الضريبية مما تستدعي المعالجة الفورية ، وذلك بإعادة توزيع الجهد الضريبي بتخفيض مساهمة ضريبة المبيعات المباشرة لتُصبح نسبتها 40% وضريبة الدخل لتصبح مساهمتها 60% ، من خلال تبنِّي فرض الضريبة التصاعدية على صافي الدخل حسب الشرائح المصنّفة ، كمقترح تبدأ من 20% الشريحة الأولى ، والثانية 25% بالتدرُّج لتصل الى 55% حسب القطاعات (البنوك وشركات التأمين ، وشركات التأجير التمويلي).
أما قطاع الصناعة والتجارة لا تتعدَّى بالشريحة الثانية ، وقطاع الزراعة تبدأ الشريحة الأولى من 10% والشريحة القصوى 20%. طبعاً أتفهَّم الأصوات العالية المعترضة كما متوقَّع ، نعم آن الأوان أن يتم إعادة توزيع الأعباء الضريبية بعدالة وأكثر إنصافاً . على راسم السياسات المالية واجب مستحَقّ بتوجيه الإقتصاد الوطني والسياسات المالية وذلك بتخفيض ضريبة المبيعات بشكل عام .
تعزيز منظومة الإمتثال الضريبي وحسن كفاءة الإدارة الضريبية مَدخل حقيقي للإصلاح في المالية العامة ، من خلال معيار ونهج إداري وقانوني لمحاربة التهرُّب الضريبي ، وأن لا يكون متروك للإجتهادات الشخصية دون سياسات منظمة ومنتظمة وخطة واضحة ، حيث تشير التقديرات بأن حجم التهرُّب الضريبي الى مايقارب 6 مليار دينار خلال أربعة أعوام سابقة ، بمعدَّل 1,4 مليار دينار سنوياً ما نسبته 4,9%من إجمالي الناتج المحلي ، ما يقارب ضعف معدل النمو السنوي الحالي ، هل عقليّة وفِكر صانع السياسات يأخذ هذه المقاربات والتعامل معها، كونها حقائق إقتصادية ومالية تستدعي الإستدراك بكل جديّة وجدارة الإستحقاق .
أختم بتساؤل وإعتراف ، هل هناك من مؤسسة وبالذات ديوان المحاسبة يقوم بالتفتيش على ملفات التسويات الضريبية ، وهل يوجد فريق متخصِّص في ديوان المحاسبة لمراجعة وتدقيق هذه التسويات الضريبية؟ تساؤل ليس نِتاج الصدفة ، له أسبابه الموجبة. بالتفهُّم والتبصُّر والإستدراك تدوم النعم . والله من وراء القصد .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com