ما جرى ويجري في المنطقة ودور إيران فيه / سوريا

 

 

مروان العمد

سأتحدث اليوم عن العلاقات الإيرانية السورية وكيف أدت الى انتشار النفوذ الإيراني فيها من غير دخول في تفاصيل هذا التدخل على الارض والذي جرى بعد عام ٢٠١١ ولكن سوف اتحدث عن هذه العلاقة من ناحية تاريخية وخلفياتها واهدافها ثم نتائجها واعتبارا من منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن.

وقد يعتقد البعض ان أسباب العلاقة بينهما هي أسباب عقائدية أيديلوجية ولكن ذلك كان يخالف الواقع وخاصة في بداياته. ففي عقود الخمسينات والستينات والسبعينيات من القرن الماضي تصادمت فكرة القومية العربية التي انتشرت في دول المشرق العربي ومنها سورية مع فكرة القومية الفارسية الإمبراطورية التي اتخذها الشاه محمد رضا بهلوي عنواناً لسياسته الخارجية. كما تصادمت هذه العلاقة حول الموقف من الدولة الصهيونية. ففي حين اتخذت دول المشرق العربي موقفاً معادياً منها نجد ان الدولة الفارسية الإيرانية كانت تقف الى جوارها وكانت تعتبر أكبر داعم إقليمي لها. الا انه وبعد وفاة جمال عبد الناصر وظهور الفراغ الايديولوجي والكاريزمي برز الصراع ما بين جناحي هذا الحزب في كل من سورية والعراق بهدف القيام بهذا الدور وزعامته العالم العربي. فلم يتردد النظام السوري والذي ينتمي لمحور الممانعة من ان يمد يده لنظام شاه ايران ويقيم علاقات اقتصادية وسياسية معه وذلك في عام ١٩٧٤ والتي توجت هذه العلاقة بقيام الرئيس حافظ الأسد بزيارته لطهران عام ١٩٧٥ حيث قام خلال هذه الزيارة بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية معها وذلك بهدف محاصرة العراق وخنقه لاجتماعهما على العداء له .

وعندما قامت الثورة الإسلامية في ايران وبالرغم من الاختلاف الايديولوجي ما بين النظام السوري والذي يقوم على الإيمان بالقومية العربية التي ينادي بها حزب البعث العربي الاشتراكي فأنه لم يجد ما يمنع من دعم وتأييد هذه الثورة والتي تقوم على سياسة تحقيق الوحدة الإسلامية ( قبل انكشاف وجهها المذهبي ) وكما لم يجد النظام الجديد في ايران غضاضه في ذلك لوجود غايات خاصه لكل منهما من وراء هذه العلاقة .

فالنظام الجديد في ايران كان يعتبر تحالفه مع سورية على رأس أولوياته لتنفيذ مشروع ايران الإقليمي . فعن طريقه يمكن لطهران ربط سلسله جغرافية ممتدة تبدأ من غرب إيران مروراً بالعراق وصولاً الى سورية ومنها الى لبنان والحدود الفلسطينية اللبنانية. وسورية كانت تهدف من ذلك محاصره العراق وتحجيمه وبنفس الوقت كانت بحاجه الى نظام تتحالف معه يقوي موقفها في محور الممانعة وخاصه بعد ان ذهبت مصر إلى كامب ديفيد، ولغايه دعم التواجد السوري في لبنان. ولهذا ومنذ بداية الحرب العراقية الإيرانية وقفت سورية الى جوار إيران وساندته وحتى عملت على تزويد قواته بتكنلوجيا الصواريخ وتدريب قواته عليها وتزويده بمنظومة من صواريخ سكود، لما كان يعاني منه الجيش الإيراني من ضعف في تلك الأثناء. كما قامت سورية بإغلاق خط أنبوب نفط كركوك بانياس خلال الحرب لحرمان العراق من عائداته ومقابل ذلك قدمت طهران كميات هائلة من براميل النفط المجاني والمنخفض السعر لسورية .

كما ان النظام الإيراني استطاع ومن خلال سورية ان يصل الى لبنان حيث استطاع تشكيل حزب الله في مواجهه حركه أمل الحليف الاقوى لسورية في لبنان والتي يقودها نبيه بري والتي تعتبر علمانية أكثر منها دينيه. الا ان ذلك لم يؤثر على علاقة الحليفين الجديدين حتى وعندما حصلت اشتباكات مسلحة بين حزب لله وحركه أمل. وقد كان النظام في ايران يوصل السلاح الى حزب الله عن طريق سورية.

وعندما قام العراق بغزو الكويت وقيام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتحشيد قواته في حفر الباطن ، فقد سارع النظام السوري بالمشاركة في هذا التحالف والحشد وبموافقة ضمنية إيرانية بالرغم من تناقض ذلك مع المواقف السورية المعلنة اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك المواقف الإيرانية التي كانت تعتبر امريكا الشيطان الاكبر بالرغم من تزويد هذا الشيطان لها بالسلاح اثناء الحرب العراقية الإيرانية .

هذا وقد تعمق تحالف المصالح السوري الإيراني عام ٢٠٠٠ على عهد بشار الأسد وساهمت الأحداث اللاحقة مثل الحرب الأمريكية على العراق وثوره الأرز في لبنان وحرب لبنان عام ٢٠٠٦ في تقريب البلدين الى بعضهما وأصبحت سورية تعتمد بشكل كامل على الدعم الإيراني السياسي والعسكري لها .

وبعد الاحتلال الامريكي للعراق فقد قامت ايران بإدخال عناصر التنظيمات العراقية الشيعية المسلحة المتواجدة على أراضيها بهدف السيطرة على العراق كما قامت بإدخال عناصر التنظيمات السنية الإرهابية اليه مثل عناصر القاعدة الذين كانوا قد هربوا الى ايران اثر الاجتياح الامريكي لأفغانستان وبقيادة ابو مصعب الزرقاوي لخلق ظروف مناسبة لإضعاف العراق وتشويه مواقف السنة واستخدام ارهابهم في تحشيد شيعة العراق وايران والعالم الى جوارها .

بالإضافة لإدخال عناصر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وتنظيمات إيرانية أخرى الى العراق . فيما قامت سورية بتسهيل دخول عناصر التنظيمات السنية المعتدلة والمتواجدة على أراضيها الى العراق وكذلك أنصار الرئيس صدام حسين بحجه محاربه أمريكا ظاهرياً. في الواقع لتقويه وتوحيد الحشد الشيعي فيها لمواجهه هذا الخطر. الى ان انتهى العراق الى ما انتهى اليه تحت السيطرة الإيرانية .

في 16 يونيو 2006وقع وزراء دفاع كل من سورية وإيران اتفاقاً للتعاون العسكري ضد ما أسموه التهديدات المشتركة التي تشكلها دوله الصهاينة والولايات المتحدة الأمريكية عليهما. وقالت إيران انها تعتبر سورية جزاً من أمنها الوطني وان القدرات الدفاعية الإيرانية في خدمه سورية. كما قامت إيران بتنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية والصناعية في سورية. ويعود ذلك الى ان إيران لا ترى في نظام الأسد نظاماً تابعاً فقط بقدر ما ترى به كنزاً استراتيجياً يحافظ على وجودها ويضمن التواجد الإيراني في لبنان وفِي فلسطين .

ولذا ما ان انطلقت شراره الإحداث الداخلية في سورية عام ٢٠١١ حتى أعلن النظام الإيراني وقوفه التام الى جوار النظام في سورية. وعندما تم عسكره الاحتجاجات الشعبية في سورية بفعل تدخل دول اقليميه وكبرى فيها وتشكيل تنظيمات مسلحه تابعه لهذه للقوى فيها تأتمر بأمرها وتحصل على السلاح والتمويل من خلالها ، حتى قامت ايران بنفس هذا الدور وقامت بأرسال عدد من حرسها الثوري الى سورية ليقدموا النصح والعون لقوات النظام وللعمل على تدريبها وبنفس الوقت سهلت ايران دخول التنظيمات الإرهابية المتطرفة في العراق الى سورية لكي تُمارس إرهابها بها باسم السنة ولتظهر ان تدخلها الى جانب النظام هو بهدف محاربة هذا الارهاب والذي هو أيضاً كان حجة الكثيرين من المتدخلين في الشأن السوري ليبرروا تدخلهم بمحاربتهم الإرهاب فيما كانوا هم حماته لغاية تحقيق اهدافهم من تواجده .

مع الوقت زاد حجم التدخل العسكري الإيراني في سورية بالإضافة لتدخل حزب الله المدعوم ايرانياً في القتال بسورية وتم استقدام متطوعين من الشيعة من مختلف أنحاء العالم للقتال الى جوار هذا النظام والذي أخذ في هذا الوقت

يكشف عن الوجه الآخر له الا وهو الوجه المذهبي .

 

هذا وقد أعلنت ايران اكثر من مره وعلى لسان اكثر من مسؤول ان قواتها سوف تبقى داخل سورية مهما كان الحل الذي سوف يتم الوصول اليه من خلال دورها السياسي في هذا المجال بالاشتراك مع روسيا وإيران . وكذلك أعلن حزب الله عن بقاء قواته في سورية مهما كان الحل، كون النظام السوري أصبح هو رئة النظام الإيراني وقلب حزب الله وأن سقوط هذا النظام سوف يعني تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل كبير ناهيك عن إيقاف وصول الدعم الى حزب الله والذي هو شريان حياته.

وكما قال عبد الحليم خدام بعد انشقاقه انه كان هنالك تحالف استراتيجي ما بين النظام السور ي والايراني كانت بدايته الوقف في وجه صدام حسين . ويبدوا ان هذا التحالف قد توسع ليصبح تحالف حياه ومصير بينهما.

وهكذا فقد تحقق المخطط الاستراتيجي الإيراني بوصل ايران مع العراق وسورية ولبنان مما حقق ما حذّر منه جلاله الملك الحسين الراحل عندما قال انه اذا لم تتدارك دول المنطقة امرها فإنه سوف يأتي يوم تُدار شؤونها من مدينه قم . كما تحقق ما سبق وان حذّر منه جلاله الملك عبد الله الثاني ابن الحسين من اقامة الهلال الشيعي والذي أصبح أمراً قائماً. ولكن السؤال الآن هل ستتوقف إيران عند هذا الهلال الإيراني الشيعي أم سوف تمتد لتشكل بدراً ايرانياً شيعياً. وهذا سوف يكون موضوع مقالات أخرى قادمه بأذن لله.//