نـحو فهم آلية عمل منظومة الإقتصاد الأردني
د.أنور الخُفّش
الضروة تقتضي التعمُّق في النظرة التاريخية في تحليل الإقتصاد الأردني وبشكل خاص على مستوى السياسات الإقتصادية ضمن المؤثرات المحلية والإقليمية والدولية التي أثرث بشكل واضح على أداء وممارسة السياسة الإقتصادية والمالية وعلى آليات عملها المتاحة في ظل ضيق الأفق والرؤية للنظرة الإستراتيجية لمبادرات الحكومات في السنوات السابقة ، في الثأثير المباشر فى مكوِّن الإقتصاد الكلي الأردني ما بعد القياس والإعتبار لبُعد الإستقرار الإجتماعي ، أدت لوجود عدة إختلالات هيكلية مسَّت بُنية الإقتصاد الأردني من حيث إدارة الموارد وبرامج التمويل وأدوات العمل المتاحة إقتصادياً لرسم السياسة المالية والنقدية. من هنا بدأت تظهر ملامح الأزمة الضاغطة بشكل واضح فى عام 1989 ، كان القرار الحكومي بطلب الإستعانة من المؤسسات المالية الدولية والتي إقترحت برنامج الإصلاح الإقتصادي ضمن توجُّهات إصلاحية غير منسجمة الى حد ما مع تاريخ وحقيقة الواقع المعرفي لصانع السياسة الإقتصادية والمالية للحكومات الأردنية. كانت مبادرة إرتجالية أو سباق مع الزمن إستجابة للوفاء بالإلتزامات المالية الضاغطة في حينه ، ولم نلحظ كمراقبين وخبراء إقتصاديين جهداً كافٍ من حيث الإستعداد الى هذه المحطة بما تمثله من قيود وإلتزامات عابرة للحكومات ، قبل اللجوء الى المؤسسات المالية الدولية ، وذلك بتقديم التشخيص والرؤية لأسئلة تقدَّم لصاحب القرار حول لماذا يحتاج الأردن طلب المساندة الفنية والمالية من المؤسسات الدولية؟ وماهي الإجراءات والإلتزامات التي يحتاجها والمطلوبة إستجابة لتنفيذ هذه البرامج؟ وهل هو الحل الأفضل لمواجهة التحديات المالية ، وقياس مرونته ، وهل هذه البرامج ستخفِّض من الدَّين العام أم الإتجاه العام المستقبلي للدَّين سيكون مرتفعاً ، وماهي الضوابط المتاحة لصنَّاع السياسات المحليَّه ، وهل سيتحمَّل المجتمع والموازنة العامة للأعباء المترتبَّة على هذه البرامج وهل تم قياسها؟
التجربة تقول إن لم نكن مستعدين الى مرحلة جديدة من حيث الدور الجديد (أن الدور الحكومي رسم السياسات الإقتصادية وليس صناعتها بأدوات محلية ، لأنه أصبح معنا شريك في صناعة تلك السياسات) ، رغم محاولة مصمّمي السياسات إيجاد صيغة تحفظ ضبط إيقاع برنامج التحوُّل بشكل متوازن لمثلث أبعاده السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، إلا أن واقع الحال أخذ مسارات متسارعة الأبعاد لم نكن مستعدين لها خاصة في بُعدها الإجتماعي ولم يتم أي توطئة إعلامية مدروسة لتهيئة المجتمع لدفع الفواتير الإجتماعية وكذلك تعزيز جدوى النمط الإستهلاكي للأسر الأردنية ، وذلك من حيث ترتيب أولويات البرامج ذات الأهيمة الإقتصادية نتيجة الى ذلك كانت المؤشرات الإقتصادية الخطيرة فى تغير معادلات العلاقة النسبية فى مكوّنات المؤشرات الإقتصادية والمالية فأصبح راسم السياسة الإقتصادية يعتمد فى توجهاته التنموية على آليات العمل المنسجمة مع برامج الإصلاح الإقتصادي المعدَّة من طرف المؤسسات المالية الدولية والتي تخضع لشروط وترتيبات مقيّدة خاصة شكل التمويل والإنفاق العام وإتساع فجوة الموارد والمصادر التمويلية والإستخدام الأمثل لها ، مما وضع الإقتصاد في مأزق.
بكل أسف الفريق الإقتصادي الحكومي كان من الأفضل إنتهاج سياسة تطبيق برامج قصيرة الأجل للتخفيف من نتائج البرنامج الإصلاحي وشروطه وبالتالي زاد حجم التمويل من خلال منح القروض فأصبح المؤشر العام للمديونية كبير وتدرّج الى مستوى التأثير النسبي على الموازنة العامة للدولة من خلال مؤشر تكلفة الإقتراض ، رغم عدم موائمة المكونات الإقتصادية خاصة مؤشر الإستثمار العام مع تكلفة هذا الإقتراض المتراكم والذي إستمر مؤشر نُموّه الى يومنا هذا .
المأزق الإستراتيجي واضح المعالم في حالة الإستعصاء في إدارة الدَّين العام ، فأصبح السؤال هل نستطيع الإستمرار بهذا النهح ؟ هل يستطيع راسم السياسة أن يستخدم عدَّة أدوات مالية ونقدية وإقتصادية لمعالجة الأثر السلبي ، من خلال إستخدامه المحفزّات الإستثمارية لزيادة معدل النمو فى الدخل للدولة والأفراد وبالتالي زيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ بمعدلات تبدأ من 5% لتستقر لعدة سنوات 7% ، تبقى المعضلة الكبرى ، في المؤشر الأهم هو العلاقة النسبية بين الناتج المحلي الإجمالي والمديونية ونسبة المديونية بالموازنة العامة للدولة بالإضافة الى زيادة مؤشر التجارة الخارجية ، من خلال إجراءات عملية تُنشِّط المحفِّزات التوسعية فى المجال الإقتصادي والإجتماعي قصيرة الأجل والمتوسطة الأجل فى السياسات الإقتصادية بهدف الوصول الى تقليل نسبي للفجوة التمويلية فى الموارد بكل أنواعها .
إنعاش المحفزَّات الإقتصادية قصيرة الأجل فى السياسة الإقتصادية الأردنية الأخيرة منها التوسع فى الوعاء الضريبي التصاعدي على الدخول ، لا شك أنها قد تقلل من فجوة الموارد ، إلا أنها تتسبب بالتراجع في مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لأنها توسُّع أفقي ، لتخفيف الأثر ليصاحبه توسُّع عامودي في النشاط الإنتاجي لقطاعات مهملة السياحة والزراعة والصناعة الإحلالية للواردات ، هذا كان التوجه الأمثل ضمن المعطيات المتوفرة كخطة إستجابة لمواجهة الفجوة التمويلية التي ظهرت بعد عام 1999 ، من حيث هيكل التمويل وإدارته الذي إنعكس سلباً في الأداء والنتائج مما أثر على القطاعات الإنتاجية التى تراجعت نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة بين عام 1999 -2005 إلى أكثر من 28 % فاتحة المجال للقطاعات الخدمية وخاصة قطاع الإنشاءات وغيرها.
إن إستمرار نفس السياسات يزيد من رُقعة التشوّهات البنيوية في الإقتصاد. أليس من المفيد أن ندرس أثر نتائج السياسة الإقتصادية التي تم إقرارها ؟ تحت عنوان محاولات قامت بها العديد من الحكومات فى محاصرة الإنعكاسات الإقتصادية والمالية على بنية المجتمع من خلال عدة برامج قصيرة الأجل لم ترتقي لمستوى التخفيف من حدة الأزمة وخاصة بعد ظهور الأزمة المالية الطارئة خلال وما بعد جائحة كورونا ، والتي مسَّت بُنية الإقتصاد العالمي فى نتائجها وبالتالي إنعكست على الدول الأكثر إعتماداً على التمويل الخارجي والمساعدات الخارجية وبرامج التنمية الدولية ، بما فيها الأردن الأمر الذي إستدعى البنك الدولي في طرح برامج ومبادرات إقتصادية نحو خطط للتعافي الإقتصادي والمالي العادِل والمُنصف ، كان الهدف منها البعد الإجتماعي مثل التوسُّع الأفقي والعمودي في برامج الرعاية الإجتماعية ودعم عُمَّال المياومة والأسر المنتجة وتطوير الأداء فى خفض وترشيد الإنفاق العام .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com