الميراث الخطير لحكومة أقالها الشعب

 وليد حسني

لا أظن ان تكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة خلفا لحكومة هاني الملقي سيغير من معادلة الإحتجاج في الشارع كثيرا، فسيبقى الرجل وحكومته تحت انظار الناس حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود في حكومة تم تشكيلها على انقاض حكومة تم تكسيرها وترحيلها شعبيا وبضغط شعبي غير مسبوق.

التكليف الملكي للرئيس الرزاز  بالأمس لن يضيف جديدا للمحتجين إلا بالقدر الذي يشعرهم فيه بأنهم حققوا بعضا من مطالبهم وليست كلها، مما سيمنحهم المزيد من القوة الداخلية الدافقة للإستمرار في التوافد على الدوار الرابع أو "الدوار الرابح" أو "الدوار الرائع" كما سماه محتجون تفاؤلا منهم بربح جولة ينتظرونها.

سحب مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل لم يتم، وهو مطلب اساسي للمحتجين، اما قضية تغيير النهج فتلك قصة أخرى تشبه كثيرا تلك الخطبة العصماء التي يلقيها استاذ علم الأحياء على الطلبة شارحا لهم عن مميزات وتفاصيل الأميبا وخصائصها.

ولن تقوم الحكومة الجديدة ايضا بسحب مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل لعدة محاذير سياسية، وستترك هي الأخرى لمجلس الأمة بغرفتيه النواب والأعيان استخدام سلطته الدستورية في رد القانون للحكومة.

ووفقا لمصادر تحدثت اليها فان ارادة ملكية وشيكة بدعوة مجلس الأمة للإجتماع في دورة استثنائية قصيرة تستمر يوما واحدا على الاقل ينعقد مجلس النواب في الفترة الصباحية ويقر رد القانون بدون اي نقاش، يتلوه مجلس الأعيان ظهر اليوم نفسه ويقرر المصادقة على قرار مجلس النواب برد القانون ليعود للحكومة لتجري حوله مشاورات وحوارات عديدة، فيما تصدر الإرادة الملكية بفض الدورة الاستثنائية. مساء اليوم نفسه.

والدستور يمنح الحكومة الجديدة مدة ثلاثين يوما للتقدم لمجلس النواب بالبيان الوزاري في حال كان المجلس منعقدا، واذا كان في فترة اجازة فان على الحكومة المبادرةبطلب الثقة من خلال دورة استثنائية تدعو اليها بالتوافق مع مجلس النواب.

ولعل ابرز مهمات الرزاز الضاغطة عليه لا تتعلق في إدارة أزمة معدل قانون ضريبة الدخل، او في معالجة تداعيات السياسات الاقتصادية لحكومة كان هو فيها، بل في مدى نجاحه بالمقاربة بين حجم الأعداء والناقدين الذين تشكلوا ضده ابان عمله على تطوير الثانوية العامة،وبين محبيه ومريديه ومؤيديه ممن يثقون به.

مشكلة الرئيس المكلف عمر الرزاز أنه سيدخل اختبارا في غاية الخطورة والأهمية فشل فيه كل من سبقه من الرؤساء الذين يتم اختيارهم على اسس وقواعد توجب فقدانهم الإمتداد الشعبي والجماهيري، مما يفقد كل الرؤساء خاصية التأثير الشعبي ، وهو ما سيقع فيه الرئيس الرزاز حين يجد نفسه عاريا تماما أمام الجمهور.

وسيجد الرئيس المكلف نفسه أمام اختبار ربما أشد خطرا يتعلق بمدى قدرته على مخالفة اصحاب الرأي الضاغط في الدولة، ومدى جرأته على رفض بعض ما يطلبونه او يشيرون عليه به.

وأمامه معضلة احتواء الشارع مجددا بعد ان لم يعد بمقدور الناس الصمت، وعليه التعامل بمنتهى الجدية مع هذا الملف الخطير جدا وادارته إدارة عقلانية في منتهى المسؤولية والحذر، لأن أية إصابات خطرة في صفوف المحتجين او قوات الأمن ستفضي الى مأساة.

وعلى الرئيس الجديد مصارحة النقابات والمواطنين بالدرجة الأولى بما آلت اليه الأمور داخل الدولة، وعليه ان يقول للناس ان المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستينا لاجارد لم تحترم رغبةالاردن  فيما يتعلق بقانون ضريبة الدخل، بل وتجاوزت حدودها مهددة بانه إذا لم ينفذ الأردن المطالب المحددة من صندوق النقد الدولي فان الصندوق لن يعطي الاردن أية شهادة براءة وحسن سلوك لتسهل حصوله على قروض دولية وهو ذات الكلام الذي سمعه رئيس الوزراء السابق هاني الملقي من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مطلع شهر ايار الماضي، وذات الكلام الذي سمعه الوزيران زياد فريز وعمر ملحس اثناء زيارتهما الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، وهي الأسباب التي تقف وراء تعنت الحكومة وعدم سحبها مشروع القانون من اجل المحافظة على فرص الأردن في الحصول على قروض جديدة.

امام الرئيس الرزاز عشرات الملفات.. وعليه فتح مغاليقها صفحة صفحة،وكأنه يصحح صفحة اختبار في امتحان الثانوية العامة..//