هل القمة الأمريكة العربية فُرصة لتعزيز الأمن الوطني لمجموعة التوازن العربية ؟
د. أنور الخفّش
مِن المُقرر أن يَزور رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الشرق الأوسط في 13-16 يوليو 2022. سَيَزور السُلطة الفلسطينية و إسرائيل ، أهميه الزيارة يتم تَتويجها بالذهاب إلى جدّة المملكة العربية السعودية ، لعقد إجتماعات مع القيادة السعودية ، وسَيحضر قمة (مجموعة التوازن العربية ) قادة دول مجلس التعاون الخليجي ، مصر والأردن والعراق. يُدرك العقل السياسي العربي أهمية آثار التنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة ، إنه أمر حتمي لأَجَل ليس بعيد إذا أتقن العرب لُعبة السياسة بعيداً عن دَور سياسات العلاقات العامة ، ومع الإدارة الأمريكيه بالذات ، هذا لايعني الإضرار بالمصالح السياسية والإستراتيجية وعلى حساب المنظومة العربية في الوقت نفسه إنها فرصة لبيان أمور ومواقف من الأفضل توضيحها ، كما يجب على إسرائيل أن تَسعى جاهدة لتجديد إلتزاماتها نحو السلام في جوانبه السياسية والإقتصادية والأمنية ، إذا تَم تجاوزها الأثر هو مزيد من الإختلالات الهيكلية المتصاعدة. إضافة إلى ذلك ، على أمريكا ضَمان إستمرار صيانة وإستقرار الأمن في المنطقة والمحافظة على حُدود وإطار الجغرافيا السياسية أيضاً ، والتأكيد بالتنسيق مع الدول العربية على قيمة الوجود الأمريكي المؤقت في العراق وسوريا ومراعاة عدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول العربية ، وِفق خُطوط من التفاهمات بدلاً من ( الخُطوط الحُمر الإسرائيلية ) بِدَعم أمريكي ، المَطلوب من القادة العرب رَفع الصوت عالياً ، وتذكير الإدارة الأمريكية بأن قيمة الموقف العربي في الوقت الراهن والمُستقبل المَنظور لا يَقِل أهمية عن موقف الصين المُنحاز بجانب أمريكا و الغَرب إبان الحرب الباردة ، بدون الصين لما تَمَكنّت أمريكا من تفكيك الإتحاد السوفييتي .
الرسالة الإستراتيجية إعاده رَسم وتَصميم خُطوط وإطار مستوى المسؤولية في إدارة الأزمات بين مجموعة التوازن العربية وأمريكا من جانب ، كَطرَف بعيداً عن مؤثّرات مُثلث النفوذ في الإقليم (إسرائيل ، إيران ، تركيا ) ، وُضوح الطَرح ، أنه لا يُمكن لدول المنطقة والعالم أن تتحمل تكلفة إستمرار الجُغرافيا القلقة في مِنطقة الشرق الأوسط وإستمرار الصِراع من جميع جوانبه وأطرافه في ظل المَخاوِف من توسّع جغرافيا الإحتلال الإسرائيلي ، والتّمدُد العسكري خطوة حصان بات أعرج دون الحماية الأمريكية مما يُبرِز دور القوى العسكرية العابرة للدول ، بيان حقيقة أن الحروب وإستمرار الإحتلال ليست الحل الأسهل والمقبول من جميع شعوب المنطقة ، ولا بديل عن شُيوع الفوضى ، جرّاء إستمرار الإحتلال الإسرائيلي ، وإستمرار طُموح الرئيس اردوغان نحو عسكرة الدور التركي من تحت عباءة تَمدُد نُفوذِه من بوابة القوة الناعمة ، ولا يقل خطورة بقاء جُموح حالة النُفوذ الإيراني ، ومُستقبل البرنامج النُووي الإيراني وموقِف الغرب و أمريكا غير واضح المعالم خاصة بعد الحرب القائمة مع روسيا التي عطَّلت المفاوضات ، حالة الجمود تُشَكّل مصدر قلق وجودي وإستراتيجي لدى قادة (مجموعة التوازُن العربية) ، الموقف والرأي العربي مُغيَّب في المفاوضات وحِسابات ومَصالح جيرانِها العرب هي الأولى إتباعها ، ليُطرح بكل وُضوح مَطلَب أن يَكون الأردن مُمثّل للمجموعة العربية للمشاركة في المُفاوضات وإعادة تفعيلها على رغم وجود الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا و حِلف الناتو، والعمل على وضع ضوابط سلمية وقانونية تحت الفصل السابع لعدم تنشيط برنامج إيران النووي.
إن مُقتضى ظرف الجغرافيا القلقة ، وصيانة السِّلم العالمي , ومصلحة شُعوب المِنطقة تَستدعي أن يتقدّم الرئيس بايدن بإطلاق ( مبادرة بايدن للسلام ) ، تَعتمد رؤية جديدة لتبديد مخاوف الأطراف ، ما بعد حلّ الدولتين الخيار المناسب والمُمكن العودة إلى تطوير مبادرة الرئيس ريغان كمشروع جديد يُقدَّم الى الكونجرس كمَشروع سياسي أمريكي ، على أن تُقدِّم الإدارة الأمريكية الضمانات المكتوبة لحُسن تنفيذُه وِفق برنامج زَمني من جميع الأطراف . والضَغط على إسرائيل فوراً بِوقف الإستيطان والإعتقالات ووقف ضَمّ الأراضي في الضِفة ضمن حدود ما قبل الإحتلال عام 67 ، وتَبريد الساحات في الضفة الغربية وغزة لِتَهيئة الظُروف نَحو إنفراج سياسي قادِم يَشعر به الأفراد ، بدلأ من الأبواب المغلقة في وجه الحلول السلمية وبعث روح الأمل بأن الغدّ أفضل لشعوب المنطقة .
نُدرك جميعاً ، كما قادة المنطقة أن ظُروف ومُتغيّرات دولية جديدة في أوجه الصِراع وأن النفط أصبح سلعة تجارية والحُبوب والمياه أهم الموارد للحياة والتّوجه العالمي نَحو إقتصاديات المحافظة على المُناخ و تكلُفتها الضخمة التي لا يمكن لأمريكا وأوروبا والغرب تَحمُّلها لوحدِهم ، وأن العمل الجماعي على مستوى دول العالم هو الحل الوحيد بدلاً من الحروب ، مما يتطلّب تَغّير في النظام العالمي نحو الديموقراطيات الوطنية وصيانة وإحترام حُقوق الأفراد الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بدلأ من العولمة ، كما لا يمكن لأي مُراقب سياسي في أمريكا أن يتجاهل الخُطوات الجريئة التي أقدم عليها الأمير محمد بن سلمان في السعودية ، نحو الإنفتاح والتحديث وتطوير الحالة السياسية والإجتماعية وبِناء الأُطُر والهياكل الإقتصادية ما بعد النفط ، القادة العرب أمام الرئيس بايدن ، لِيقولها الملك عبدالله الثاني بِصراحة وبوُضوح المطلوب تثبيت نَهج الإدارة الأمريكية المُتغيّر تِجاه السعودية في السنوات الأخيرة ، كما أن ترسيخ التحالف الإستراتيجي مع الأردن هو (المفتاح الذهبي ) للأمن والإستقرار الإقليمي والسِّلم العالمي . إن تقديم أي مُساندة إقتصادية ومالية للأردن متوسطة الأجل لمُدة خمس سنوات ، تستهدف دَعم الموازنة العامة للدولة وإعادة هيكلة الدّين العام وإطلاق برنامج تَحوُّل إقتصادي إجتماعي تحت عُنوان الإعتماد على الذات يستهدف إصلاحات إقتصادية حقيقية ومُعالجة جذرية هيكلية للإقتصاد الأردني ، ضِمن رؤية واضحة المَعالِم لتغيير السياسات المالية والإقتصادية والإستثمارية بإتجاه الإعتماد على الذات. لا نَغفِل أهمية الدّعم الغربي والعربي بتوجيه جُزء من إستثماراتهم والأهم الجهد السياسي لوَضع الأردن على خارطة الإستثمارات الدولية وتسييسها ، على صورة مبادرة مجلس تنسيق أمريكي للإستثمار في الأردن بالتشارك مع السعودية والإمارات والكويت والعراق وقطر.
إن تعزيز مكانة أمريكا في الشرق الأوسط وصِيانة مَصالِحها في المشرق ، جعل من الإتفاقية الإستراتيجية الأمريكية الأردنية ، لِما بعد ظرف الضرورة ، مما يقتضي تعزيز وترسيخ النظرة الأمريكية بإتجاه الإستثمار طويل الأمد في مستقبل الأردن السياسي وإستقراره وكذلك ، السعودية والعراق وسوريا ومصر ، والسعي الحقيقي نَحو تَمكين ورفع قُدرات الأردن في لَعِب دور سياسي وأمني في إدارة الأزمات والمُتناقِضات الإقليمية ، من خلال متابعتي كمراقب سياسي ، إن الأردن بقياده الملك عبدالله الثاني تَعتبِره مراكز التفكير الأمريكية والغربية هو بِمثابة شريان السِّلم ومركز الأمان ، وخطوط واصلة للتقاطعات Junction Connector ، نحو دائرة الطمأنية في وسط الملعب السياسي الغير مُستقر في الإقليم .
في الخِتام والمُختصر ، من خلال القراءة السياسية لبعض مُستَخلصات وِحدة التقييم الأمني في وِزارة الخارجية الأمريكية ، إدارة الرئيس بايدن تَرغب في توسيع الناتو بإتجاه آسيا وليس الشرق الأوسط ، أمريكا تَعتبر جُغرافيا الخليج العربي والهلال الخصيب ليست جغرافيا مُحايدة ، في المِنطقة الخِيار الأمريكي الوحيد (على طاولة القرار) سياسي وليس عسكري ، صانِع السياسات الأمريكي يَضَع نُصب عَقلِه ، أن الأمم الناهِضة تُقاس بفعاليتها في الداخل اولأ ، ولا يُمكن التفكير بإستبدال أي نِظام ناجِح وطنياً ، والله من وراء القصد.