بوتين في فخ الأسد

تحليل اخباري

  موسكو – د ب ا

بفضل الدعم الروسي استطاع الرئيس بشار الأسد توسيع مساحة الأراضي التي يسيطر عليها من 19 إلى 50 بالمئة من مساحة سوريا، وذلك خلال عام واحد فقط. إلا أن بوتين نفسه علق في الفخ السوري، كما يرى كونستانتين فون إيغرت.

النجاح  الذي حققه الكرملين والذي قد يكون مؤقتاً، كما هو الحال عادة في الشرق الأوسط، فاجأ الكثيرين، بمن فيهم كاتب هذه السطور. ويعزى هذا النجاح في المقام الأول إلى ضعف الولايات المتحدة التي انسحبت فعلياً من المنطقة خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. بوتين انتهازي وعرف كيف يملأ ذلك الفراغ السياسي.

وضع بوتين نهج التعاون الاستراتيجي مع إيران موضع التطبيق وقام بتطويره أيضاً. صاحب ذلك النهج هو يفغيني بريماكوف، مدير الاستخبارات الخارجية الروسية ووزير الخارجية ورئيس الوزراء في فترة حكم بوريس يلتسين. بحسب وجهة نظر بريماكوف، الذي توفي عام 2015، فإن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل تهديداً لروسيا. وتستند وجهة نظره هذه على أطروحة مفادها أنه إذا خاطرت حكومة الأصوليين ودخلت في نزاع مع موسكو، فإن طهران ستتحول إلى حفرة كبيرة بعد أن تفنيها القنابل الروسية. ومن ناحية أخرى فإن النظام المناهض لأمريكا بشكل كبير يتماشى مع مصالح الكرملين، مما يخلق عدد كبير من المشاكل للأمريكيين المكروهين.

بوتين وحلم الخميني

خلال ثلاث سنوات، ساعد الكرملين ملالي طهران على تحقيق حلم آية الله الخميني في إنشاء منطقة ممتدة من بغداد إلى بيروت تسيطر عليها طهران. نظام الأسد العلوي عنصر أساسي في دائرة النفوذ الإيراني. وبعد الاستيلاء الفعلي على السلطة في لبنان هذا الشهر من قبل انصار طهران - حزب الله - يمكن لإيران الحديث عن انتصار جيوسياسي كبير.

إذاً لماذا تحدث بوتين، عند استقباله الأسد في سوتشي في الـ21 من تشرين الثاني/نوفمبرعن نهاية قريبة لمرحلة التدخل العسكري في سوريا، مؤكداً على أن القوات الروسية التي ستبقى في سوريا هي فقط القوات الضرورية لمواصلة العمل في القاعدتين العسكريتين في طرطوس واللاذقية ولحماية هاتين القاعدتين؟ ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس الروسي عن تخفيض الوجود العسكري لبلاده في سوريا. غير ان تحقق ذلك الوعد على أرض الواقع تبقى مسألة لا يمكن التنبؤ بها اليوم؛ فالجيش السوري لا يتمتع بفعالية تُذكر بدون الدعم الجوي الروسي الضخم.

لكن يبدو لي شخصياً أن بوتين يريد بالفعل تقليص دور روسيا في المنطقة، وذلك للحيلولة دون التورط في أي صراع مقبل بين السعودية وإيران. قد تتحالف الرياض مع إسرائيل في ذلك الصراع؛ إذ أن العلاقات بين البلدين تزداد متانة. ويجري حديث عن احتمال إقامة علاقات رسمية بين البلدين، وخاصة تحت قيادة ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي اليوم، الأمير محمد بن سلمان. يتخذ محمد بن سلمان موقفاً معادياً لإيران. السعوديون والإسرائيليون لا يخفون اعتبارهم النظام الإيراني خطراً وجودياً عليهم.

لهذا لا تريد موسكو أن تكون طرفاً في هذا النزاع. كما لا يمكن السماح بإسقاط الأسد لأن بقائه في السلطة  يمثل رمز انتصار الكرملين ويحول بوتين إلى زعيم غير رسمي لتحالف الأنظمة المناهض للولايات المتحدة. لهذا السبب كان بوتين أول زعيم روسي في التاريخ  يستقبل ملكاً سعودياً في موسكو. ويسعى الكرملين إلى تحسين العلاقات مع السعوديين قبل "عودة" الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وقيامها الاسرائيليين والسعوديين بتحدي إيران.

الانتخابات الرئاسية الروسية 2018 وسوريا

هناك أيضاً أسباب سياسية داخلية لإعلان انتهاء التدخل العسكري في سوريا، حتى وإن كان ذلك لا يزال بعيداً. أولاً، الحاجة إلى الإعلان عن "النصر" قبل "الانتخابات الرئاسية" في روسيا عام 2018. ثانياً، الوضع المالي الحكومي المتأزم ولهذا سيكون من الأفضل توفير المال. ثالثاً، رغبة بوتين في التركيز على مجالات أخرى كأوكرانيا ومواجهة العقوبات الجديدة والحفاظ على قبضته المسيطرة على الحياة السياسية في روسيا.

بوتين يريد أن يغادر المسرح السوري وهو فائز. غير أن إمكانية التوصل إلى حل سياسي لا تلوح في الأفق ، كما أن اندلاع الحرب الأهلية ممكن في أي لحظة. يمكن للأكراد وبمساعدة الولايات المتحدة الإعلان عن دولة خاصة بهم. أو يمكن أن تؤدي تصرفات إيران العدوانية إلى أن تقوم إسرائيل برد فعل حازم عليها. بعد تحالف الكرملين مع النظام في طهران، سيتعين عليه ليس تقاسم الانتصارات معها فقط، وإنما تحمل وتقاسم المصاعب معها أيضاً. قمة سوتشي الأخيرة مع روحاني وأردوغان ليست نهاية السياسية الروسية في الشرق الأوسط، بل هي مجرد محطة ستتبعها محطات أخرى.

*كونستانتين فون إيغرت: معلق ومقدم برامج في المحطة التلفزيونية الروسية المستقلة Dozhd.