الرئيس شي والصين والتسوية "الملائمة" في أوكرانيا


الأكاديمي مروان سوداح

 في موقف وسائل الإعلام الصينية، طالعت ما توقَّعتُ وجوده من نقدٍ كاسح وحاد للولايات المتحدة، ولاحظت أن جريدة "الشعب" الصينية، وهي الأولى في الصين والأكثر أهمية، تشن حرب توبيخ حامي الوطيس على "الولايات"، وتقول إن واشنطن "معتادة على جني أرباح ضخمة، ونهب ثروات من الحروب، مُعتمِدةً على القوة العسكرية لِمَا يُسمَّى "الهيمنة على العالم". وتضيف: حالياً، تواصل الولايات المتحدة التي تمتعت بفوائد الحرب "إطعام" آلة الحرب الهائجة هذه.
 شخصياً، أرى أن هنالك تفاهمات صينية روسية أعمق من عميقة، ودوراً مهماً لبكين في مسيرة التعاون والتحالف مع موسكو، لكن الخطاب القيادي الصيني لا بد وأن يتّسم بالدبلوماسية في أعلى صورها، للحفاظ على الوضع الراهن في العلاقات الصينية الغربية، منعاً لانجرفها إلى القعر، ذلك أن الصين تُدرك أبعاد الحرب في أوكرانيا، وعداء واشنطن المزمن للصين، ورغبة "العم سام" في تقطيع أوصال الاقتصاد الصيني وتجارة الصين مع كل دول الدنيا، لتحل البضائع الأمريكية محل الصينية، ولإعادة نمط الحياة الأمريكية إلى مختلف العواصم، مروراً بالحُلم الأمريكي لوقف "مصنع البشرية" الناشط – الصين، عن الإنتاج الأضخم الذي ألحق بالصادرات الأمريكية على مدار العقود الماضية خسائر غير قليلة في خضم المسابقة السلعيَّة بين الدولتين.    
 في جانب آخر، قرأت باهتمام كبير مقترحات الرئيس شي جين بينغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية، المتمحورة حول الحلول المُقترحة لحل الأزمة الأوكرانية.
 أحسَستُ في هذه المقترحات مَعَانياً عميقة وفي ثناياها تدين أوكرانيا وداعميها، إذ يركّز الرئيس شي بشكل أساسي على أن بكين تقف في صف السلام، وهذا جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة الصين، ذلك أن الصين "تبْني إستنتاجاتها في شكل مستقل بناءً على أوضاع كل قضية، وتدافع الصين عن القانون الدولي والمعايير المعترف بها كليةً والتي تحكم العلاقات الجمعية ولزوم التمسك بها. كما تلتزم الصين بميثاق الأمم المتحدة، وتُعزِّز رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمُستدَام"، فَ "هذه هي المبادئ الرئيسية التي تدعم نهج الصين في الأزمة الأوكرانية".
 بالتالي، نفهم من موقف الرئيس شي المُبيَّن أعلاه، أن الصين داعمة لروسيا التي تدافع عن نفسها ومصالحها في وجه تهديدات كل أعضاء "الناتو" لها جيوسياسياً، ونووياً وجرثومياً، إذ إن أمريكا ما توقفت عن محاربة الصين في كل النطاقات، رغبةً بمحاصرتها "نهائياً"، وهي ممارسة أمريكية خطرة على أمريكا نفسها، إذ لم تنقطع عنها واشنطن التي تُعرب علانية وبلا خجل عن ذلك، لكونها تريد احتكار البسيطة الأرضية اقتصادياً وعسكرياً، وتحويلها إلى مزرعة موز لاحتكاراتها المالية.   
 سارعت بكين لتقديم مبادرة من (6) نقاط بشأن الوضع الإنساني في أوكرانيا، وأبدت استعدادها لتوفير المزيد من المساعدة الإنسانية لها ولغيرها من البلدان، ويرى الرئيس شي أن "جميع الأطراف تحتاج إلى دعم روسيا وأوكرانيا بشكل مشترك لخلق حوار وتفاوض من شأنه أن يَخرج بنتائج ويدفع نحو السلام".
 وفي الجانب الآخر، يجب على الولايات المتحدة وحلف الناتو أن يشرعا في الحوار مع روسيا لمعالجة جوهر الأزمة الأوكرانية، وتخفيف الشواغل الأمنية لروسيا وأوكرانيا على السواء.
 الموقف الصيني يرى كما لمستُ من التصريحات الصينية، أن الأوضاع المحيطية الشاسعة معقدة للغاية، لا سيّما بوجود مشكلة أخرى سبقت الحرب في أوكرانيا، إذ ما زالت البشرية في مختلف أقطارها تواجه كوفيد/19، وفي هذا الوضع المعقد، من الضروري تعظيم العمل الجماعي في مواجهة الجائحة التي لم يتم للآن القضاء عليها نهائياً، ولأجل حماية الاقتصاد وحياة الشعوب، وتوفير الأسباب لها لمعيشة كريمة. ولهذا، تصبح الأوضاع صعبة بالفعل بالنسبة لجميع دول المَسكونة. 
 تناشد الصين قادة البلدان الكبرى، مؤكدة الحاجة الجماعية إلى إعمال التفكير في كيفية معالجة القضايا الساخنة على مستوى الكرة الأرضية وبشكل صحيح. والأهم من ذلك هو وضع الاستقرار الشمولي، والعمل السلمي وحماية حياة المليارات من البشر، وأخذها في الاعتبار في كل قرار سياسي.
 وفي الموقف الصيني حِيال روسيا، ترى القيادة السياسية الصينية، أن العقوبات الشاملة والعشوائية – "التي نرى كيفية تطبيقها اليوم بشكل شبه يومي على هذه أو تلك من الدول" - لن تُسفر إلا إلى معاناة الشعوب، وفي حالة استمرار تصعيدها فإنها يمكن أن تفضي إلى أزمات خطيرة على مستوى المعمورة، في الاقتصاد، والتجارة والتمويل، والطاقة، والغذاء، وسلاسل الصناعة، والإمداد، ما يؤدي إلى شل اقتصاد كوكبنا المتعثر بالفعل، والتسبب في خسائر لا رجعة فيها، فكلما كان الوضع أكثر تعقيداً، زادت الحاجة إلى التحلِّي بالهدوء والعقلانية، ومهما كانت الظروف، فهناك دائماً حاجة إلى الشجاعة السياسية لخلق مساحة للسلام وإفساح المجال للتسوية السياسية، وهو ما تدعو الصين إليه كل يوم بغية الاحتكام إلى آليات تساهم في نشر السلام الكوني والاستقرار الشامل.
 الموقف الصيني عقلاني، ويزن الأمور بميزان ذهبٍ دقيق، بعيداً عن المنافع الحربية التي ترى الصين فيها فوائد وقتية. الموقف الصيني كما أرى، لا يتوافق مع مطالب هذه أو تلك من الدول الغربية التي تعمل على صب الزيت على نار الحرب، من خلال إمدادات السلاح  الغربي المتطور (للجانب الأوكراني)، وكذلك العناصر الإرهابية التي يجري شحنها كالأغنام والماعز من دول عدة صوب ساحة القتال في أوكرانيا، فغالباً ما يتم إبادتهم على يد القوات الروسية. 
 في مفاتيح حل الأزمة الأوكرانية، ترى السياسة الناعمة للصين الأولوية المُلحَّة في مواصلة الحوار والتفاوض، وتجنّب الخسائر في صفوف المدنيين، ومنع وقوع أزمة إنسانية، ووقف المواجهات في أقرب وقت ممكن، وعلى مَن يعتنق عقلية الحرب الباردة الامتناع عن المواجهة بين التكتلات، لصالح خلق تدريجي لبُنية أمنية، متوازنة، وفعّالة ومُستدامة للمنطقة والفضاء الأُممي برمته، ولهذا تبذل الصين قصارى جهدها من أجل السلام سوياً مع روسيا، وستواصل بكين الاضطلاع بدور بَنَّاء.
*رئيس "الاتحاد الدولي" وحامل الجنسية الروسية.