دُعاة وشيوخ تحت المجهر

 بلال العبويني

على الرغم من أن شهر رمضان يدخل يومه الأول غدا، وهو شهر تزداد فيه متابعة شيوخ الدعوة والمفتين على مختلف المنابر، إلا أن المناسبة الدينية الجليلة ليست هي من وضعت الدعاة تحت المجهر خلال اليومين الماضيين.

رجال الدعوة، وتحديدا المشاهير منهم الذين اعتادوا الظهور على الفضائيات كانوا تحت نيران النقد لعدم الاستماع إلى آرائهموفتاويهمحيال الذكرى السبعين على نكبة فلسطين، وحيال تهويد ما تبقى من القدس؛ قبلة المسلمين الأولى بعد إعلانها عاصمة لعصابة الاحتلال الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، في اعتداء صارخ على المشاعر والثوابت الدينية والوطنية والسياسية العربية والإسلامية.

الدعاة ورجال الدين، هم كغالبية العرب مغلوبون على أمرهم وحالهم ليس أفضل من حال البقية سواء أكانوا من عامة الناس أو من نخبهم، وهذا معلوم ولا أحد ينكره.

 بيد أن الذي استحضر ذكرهم المصائب التي تتوالى على الأمة وتحديدا ما لهاارتباط ديني عند الإشارة إلى مسرى النبي ومعراجه وقبلة المسلمين الأولى، وعند مقارنة صمتهم في هذه الأثناء بطلاقة لسانهم عندما أعلنوا الجهاد على دولة عربية رغم أنها لم تمنع في يوم الصلاة أو رفع الآذان أو إنشاء المساجد أو تدريس العلوم المتصلة بالدين الإسلامي في الجامعات والمعاهد.

المقارنة هنا، حق للمنتقدين وليست في صالح المدافعين، وتحديدا عند استحضار أسماء الذين أعلنوا الجهاد في غير وجهته الحقة وساهموا في تأليب نفوس الكثير من الناشئة الذين أوجدوا لأنفسهم مبررات بفتاوى تبيح ذلك، لينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه من تطرف وإرهاب شوّه مفهوم الجهاد وميّع قيمته وضيع معه البوصلة في تحديدمن هو العدو الذي ينطبق عليه مفهوم الجهاد العظيم في الإسلام.

المقارنة حق، لأن الدعاة لم يجتمعوا في يوم قبل اجتماعهم عام 2013 في القاهرة ليعلنوا الجهاد في سوريا بدلا من إعلانها في فلسطين ونصرة للمسجد الأقصى.

إن أخطر ما في تلك الفتوى أن الكثير من العامة ومحدثي التدين ضاعت بوصلتهم في تحديد العدو الحقيقي، وفي تعدد الأعداء وتوسع قائمتهم ليصل إلى حد المخالفين في الرأي، كما شاهدنا في سوريا مثلا بممارسة جماعات متطرفة "الجهاد" على جماعات متطرفة أخرى.

إن أخطر ما في تلك الفتوى، ما تبعها من مقارنات مقصودة وفي غير محلها بين جزاري الاحتلال ومجرمي الحرب الصهاينة وبين أشخاص من بني جلدتنا، حتى بات أتباع هؤلاء لا ينظرون إلى الاحتلال على أنه عدو عندما بدأوا يصنفون من هم على دينهم من المخالفين لهم بأنهم أشد خطرا وعداوة لهم من الاحتلال الإسرائيلي، وعندما بدأوا يروّجون لفكرة العدو الخفي والعدو الظاهر.

فيما سبق، لا نعمم بطبيعة الحال، فربما كان هناك من الدعاة ورجال الدين من دعا إلى الجهاد في فلسطين ونصرة للمسجد الأقصى، لكن الكلام يخص كل اولئك الذين اجتمعوا في الشهر السادس من عام 2013 بالقاهرة ليحولوا بوصلة الجهاد من وجهته إلى الاتجاه الخاطئ تماما، وهو الاتجاه الذي أفضى إلى مقتل علماء ورجال دينأيضا كان لهم حضورهم في العالم الإسلامي وفي ميادين العلم تحت مبررات تلك الفتاوى التي أجازت قتل المخالفين.

نعم، رجال الدين كعامة الناس مغلوبون على أمرهم، لكن من أجرى المقارنة هنا استحضرها من واقع ما تمر به قبلة المسلمين الأولى، ومن واقع ما آلت إليه الأحوال بعد تلك الفتوى التي خلطت المفاهيم وأعطبت البوصلة.//