الشرفات يكتب: الولاية العامة بين صلف الساسة وحكم الدستور

يخطئ من يظن أن الولاية العامة في الدستور الاْردني بمفهومها السياسي وضوابطها الوطنية التي قصدها المشرع انها للحكومة، ويخطئ أكثر من يحاول تفسير النصوص الدستورية على هواه ويأخذه الصلف والتوظيف الخاطئ للنصوص الى مداه، ويذهب فيه الاستهداف الى مساحات لا تليق بأرثنا الوطني من خلال ركوب موجة الشعبوية الزائفة، ودس السم في الدسم عند تفسير النصوص بعيداً عن مضامينها الحقيقية والتي تختص المحكمة الدستورية دون غيرها في تفسير الولاية وحدودها وضوابطها ضمن معايير الوحدة الموضوعية للدستور بمجمله وقواعد التفسير الدستوري المعمول بها في الدول الحية. بعيداً عن الفهم القانوني الواضح لصلاحيات جلالة الملك المقررة في الدستور والمتواترة والمضبوطة بتدرج متقن لرسم حدود الدور الدستوري للحكومة، اقول بعيداً عن هذا الفهم ينهض الدور الأصيل لاختصاصات الملك في توجيه مجلس الوزراء وإعطائه مساحة تنفيذيه لأدارة الشأن العام دون أن يُنتقص من صلاحيات جلالة الملك شيئاً، والحقيقة أن مفهوم الولاية العامة ينبع من منطلقات سياسية حول ادوار الحكم في الدولة وما تحويه من صلاحيات واضحة لجلالة الملك تخلو من أية مزاحمة او مقارنة لأية جهة تنفيذية مخولة في الإطار التنفيذي، وهذا يتوفر بوضوح في الواقع الدستوري الأردني الذي حدد بدقة الحدود الفاصلة لعلاقة مجلس الوزراء بجلالة الملك، وهي علاقة عامودية وليست افقية ولا تخضع لعوامل القسمة التي يحاول البعض تسويقها لتشويه الفهم العام بأحكام الدستور وحقوق جلالته المقررة حيال ذلك. الولاية العامة في الدستور الأردني حددتها بوضوح المادة (26) من الدستور التي نصت على أنه تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه، ومفهوم الإناطة هنا يعني الصلاحية والحق لصاحب الشأن وهو جلالة الملك في هذه الحالة، والاختصاص الإداري لمجلس الوزراء الذي لا يمكن ان يرتقي الى مزاحمة صلاحيات الملك او الانتقاص منها، ما دام ان الوزير يملك حق الاستقالة كحق موازي لحق المساءلة السياسية والقانونية. والولاية العامة تعني دون مواربة أو تحليل أن جلالة الملك يتولى السلطة التنفيذية من خلال الوزراء دون ان يعني ذلك نقل تلك الولاية إلى مجلس الوزراء أو التنازل عنها وإنما إنابته في إدارة تلك الشؤون وفق ضوابط النيابة، والمتمثلة في عدم جواز تجاوز حدود تلك النيابة أو القفز عليها أو الاستئثار بها أو مصادرتها أو التعامل معها تعامل الأصيل؛ لأن مجلس الوزراء ببساطة لا يملك تلك الولاية وإنما يمارس إدارتها وفق توقيت دقيق ينتهي في استقالة الحكومة أو إقالتها في أي وقت أو إذا عهد ببعضها لشخص أو جهة أخرى.  وإذا كان الدستور قد نزّه المقام السامي عن أية مسؤولية أو مساءلة، وأخضع الحكومة إلى مساءلة مجلس النواب، فهذا لا يعني أبداً أن الحكومة تمتلك الولاية العامة وإنما تأتي كمسؤولة عن مبدأ قبول تلك الممارسة للشأن التنفيذي، والدليل القاطع على هذا التفسير أن إعطاءها الثقة من مجلس النواب لا يحصّنها من قدرة الملك على إقالتها في أي وقت يشاء إذا رأى أن مصلحة الوطن تقتضي ذلك؛ بل أن الملك هو الذي يعيّن رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم دون الحاجة إلى موافقة أي جهة أو سلطة. إن نص المادة (45) من الدستور والتي تعطي مجلس الوزراء إدارة الشؤون الداخلية والخارجية باستثناء ما قد يعهد به إلى هيئة أو شخص آخر وفقأ للدستور أو القوانين لا يؤشر البتة أن مجلس الوزراء يمتلك الولاية العامة وإنما الإدارة فقط دون الولاية، والسند في ذلك المواد (30-39) من الدستور والتي أعطت جلالة الملك صلاحيات واضحة في الفصل الرابع والذي جاء بعنوان السلطة التنفيذية في القسم المتعلق بالملك وحقوقه. أصوات النشاز التي نسمعها هنا وهناك حول محاولة تشويه مفهوم الولاية العامة الواردة في المادة (45) من الدستور واختلاق مفاهيم بديلة وخاطئة هي خذلان للوطن ومحاولة لأختطاف نية المشرّع القاطعة في هذا الصدد، وهي مزاعم مفرغة من محتواها ويعوزها المنطق السليم والدليل الناجز ؛ كما أن التباكي على الولاية العام من قوى وأشخاص مأزومين بطريقة يُقصد منها إثارة الرأي العام، وتقويض سلطة الدولة وسيادتها، وإثارة الفتنة دون وجود مؤشرات حقيقية على وجود المخاطر هي أساليب مدانة لا يقصد منها سوى ابتزاز الدولة ومؤسساتها، واستغلال الظروف الاقتصادية لضرب السلم الأهلي واستدعاء تأثير الأجنبي بقصد أو بدون قصد. خطابات ما بعد التقاعد لن تثير حفيظة الأردنيين ولن تجعل لإولئك الناقمين مساحات في الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد ومؤسساته. والمخاوف التي أثيرت حول التعديلات الدستورية رغم احترامنا للرأي الآخر بخصوصها لا تستند إلى أساس واقعي، ومجلس الأمن الوطني الذي سينشأ بموجب تلك التعديلات سيكون إحدى القلاع الحصينة في الدفاع عن مرتكزات الأمن الوطني وتوظيف المعايير الأمنية في خدمة الشأن السياسي الوطني والعلاقات الخارجية والعكس صحيح. وحدة الأردنيين والتفافهم حول قيادة جلالة الملك هي الملاذ الآمن، والعلاج الأوحد لمواجهة المؤآمرات الإقليمية والدولية، ومؤسسة العرش هي وحدها التي بقيت ماثلة كصمّام أمان للوطن في كل الأزمات الداخلية والخارجية. وحمى الله وطننا الحبيب وقائدنا المفدى وشعبنا الأصيل من كل سوء.