" المعزِّب ربَّاح "...!

رمضان الرواشدة
الكتب التي تناولت الموروث الشعبي الاردني في المناسبات والغذاء والأكل وربطها بتراث وهوية الاردنيين قليلة جدا سواء من الباحثين الأردنيين او الرحالة والمستشرقين الغربيين الذين زاروا الاردن . وقد تناول عدد من الرحالة ممن زاروا الاردن في القرنين التاسع عشر وبدايات القرن العشرين  مثل سيلاه ميريل و هـ.ب. ترسترام ووليم سيبروك تقاليد الحياة البدوية والفلاحية عند قبائل وعشائر الاردن ولم يربطوا نمط الانتاج الاردني والغذاء في دراساتهم . 
في المقابل ركزّ باحثون اردنيون على طبق " المنسف"  بإعتباره يُعبّر  عن الطبيعة الإجتماعية الأردنية وربطوه بقصة " نسف"  الملك المؤابي"  ميشع"  عهوده مع اليهود،  حيث طلب من شعبه طبخ اللحم باللبن ليتأكد من ولائهم له،  لأن العقيدة اليهودية ترفض " طبخ الجدي بلبن امه ". ولم يتم التعمق كثيرا في طبيعة التكوين السياسي -الاجتماعي للأردنيين  في القرون الماضية وارتباط  الانتاج والمناسبات والغذاء به  .
في كتاب ( المعزِّب ربّاح) : مداخل الى تراث الانتاج الفلاحي- البدوي وتقاليد الغذاء في الاردن .. للكاتبين الشهيد ناهض ثلجي حتر والصديق احمد ابو خليل تحليل اكثر عمقا من حيث ربط طبيعة التجمعات الفلاحية والبدوية ومكونات المدن من شيشان وشركس واصول فلسطينية بالطابع الاجتماعي والتطور الاقتصادي في سياق يُعبّر عن هوية المجتمع الاردني .
 لقد سَخّر الباحثان حتر وابو خليل خلفياتهما السياسية والفكرية في تحليل نشأة وتطور " نمط الانتاج  الأردني " والغذاء وطبيعة المناسبات الاردنية( الطهور والأعراس والأتراح وطقوس الحصيدة والزرع )  وقدما كتبا مهما جدا . فالمرحوم حتر ، الذي تعرّفتُ عليه منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي ، ينطلق من تحليله السوسيولوجي للتكوين السياسي- الإجتماعي والثقافي للمجتمعات البدوية والفلاحية وهو صاحب نظرية " المُتحدات الإجتماعية " المندمجة بين البدو والفلاحين في القرن التاسع عشر . والصديق ابوخليل رفيق " التجربة اليرموكية"  ينطلق من خلفيته كباحث انثروبولوجي في تحليله لطبيعة " المرويّات الشفوّية"  الأردنية ، وخاصة ان ابو خليل سبق ان كتب عن " الفقر في الاردن " كقراءة انثروبولوجية كما ان دراسته المنشورة عن " حي الطفايلة"  في عمان والتي سَبَر فيها اغوار التكوين والنشأة والتطور والأزمة من اهم الدراسات الاجتماعية للمكونات الاردنية .
   في كتاب " المعزِّب ربّاح"  تتعرف على طبيعة المناسبات الاردنية من الجنوب الى الشمال وارتباطها الاجتماعي والثقافي مع نمط الإنتاج  ووتقاليد الغذاء الاردني مرورا بالطقوس " البعلية الفلاحية " من خلال ارتباط الاكل والغذاء في الاردن بمواسم الانتاج وطبيعة المنطقة والترحال الشتوي والصيفي .. وانعكاسها على اكلات اردنية مشهورة  " على سبيل المثال"  : المدقوقة والرَشُوف والمِشوَّطة والمجلَّلة والإكباب والتشعاتشيل والزرب وقلاية البندورة والمفركة والحويرنه والخبيزة والصاجية ومنسف العيش( الجريشة ) والفتيت . وحلويات مثل : اخميعة والحثيمة والعصيدة والهيطلية وغيرها .اما القهوة، التي يُعِدُها الرجال  فهي الحاضر الدائم عند البدو والفلاحين فهي اعلانٌ عن " افقِ ضيافة مفتوح"  .ويقول الشاعر 
والشمس غابت يا ابن شعلان 
واريد ادوّر معازيبي
والدلّة تسكب على الفنجان
يبهارها جوزة الطيبي.
كتاب " المعزِّب ربّاح"  قراءة حداثية حديثة، ذات طابع انثرو-سوسيولجي  للتكوين الاجتماعي الثقافي للطبيعة والأرض والإنسان الأردني وهو من اهم الكتب التي تناولت التراث الاردني وربطته بهوية الأردنيين بكل تعبيراتهم ومكوناتهم الاجتماعية والثقافية  .
" المعزِّب ربَّاح " اصطلاح لغوي ذو خصوصية اردنية تعني ان " المعزِّب" لا يأكل مع ضيوفة وانما يقتصر دوره على " فتّ اللحم " لهم  و" التشريب " عليهم .