دعوة المصري.. بناء الدولة بديلا عن السلطة
دعوة المصري.. بناء الدولة بديلا عن السلطة
وليد حسني
دعا رئيس الوزراء الأسبق الأستاذ طاهر المصري للتوجه لبناء الدولة بديلا عن بناء السلطة في مقابلته المتلفزة مع الزميل عمر كلاب قبيل أيام مضت على فضائية الأردن اليوم وأعادت جريدة الأنباط نشر مضامينها في عددها الصادر امس.
ودعوة الرئيس المصري لا تبدو جديدة في إطار مقولاته السياسية وعقيدته الفكرية الراسخة والثابتة فقد كرر هذا المطلب وهذه الدعوة اكثر من مرة سواء في مقالاته او في محاضراته، ومن هنا فان عقيدته السياسية هنا وفي هذا المقام تستشعر الخطر الذي نعيشه هذا الأوان بعد ان تحولنا في الأردن من بناء الدولة وتشييد أركانها وتقوية أسِّها إلى بناء السلطة وتقويتها وتعزيز هيمنتها على حساب الدولة.
وكأن الرئيس المصري يستشعر هنا خطرا يراه شنيعا حين يؤشر بأصابعه العشرة إلى حالة الإختلال السياسي الكامن في إضعاف الدولة لصالح تقوية السلطة" نحن نبني سلطة وليس دولة"، ويرى أن هذا الإختلال سيضر لاحقا بالدولة وبالسلطة معا، وسيدفع المواطن ثمن هذا الإختلال كما ستدفعه الدولة والسلطة معا.
الرئيس المصري في مقولاته التحذيرية حول هذه الصيغة من الحكم يؤشر إلى أن الدولة التي تمثل الأرض والشعب والدستور هي الثابت الوحيد الذي يجب تقويته والعناية به واحترامه وصونه وبما يكفل تقوية هذه الأصلاب الثلاثة الرئيسية لبنية الدولة، مقابل قوة السلطة المتحركة وغير الثابتة والتي تمثل الحكومات ومجموع القوانين، بمعنى إدارة شؤون الدولة من خلال السلطة التنفيذية.
ومن الواضح ان الرئيس المصري يؤشر في مقولاته التحذيرية إلى حجم المخاطر التي قد تنشأ عن تفويض السلطة صلاحيات أوسع مما تسمح به بنية الدولة القوية الراسخة، وبمعنى آخر ان تفوض الدولة بعض صلاحياتها للسلطة مختارة أو مجبرة، وهنا تصبح الأخيرة بكل أدواتها أقوى من الدولة وثوابتها المتمثلة بالجغرافيا والشعب والدستور.
وفي ذات المعادلة تبدو رؤية الرئيس المصري في مكانها تماما ــ وهو ما أشار إليه في اكثر من مقالة ومحاضرة ــ فهو يرى ان السلطة تجاوزت على الدستور الذي لم يعد يحظى كثيرا باهتمام بعض رجالات السلطة نفسها، وتعرض المواطن للعديد من إجراءات السلطة التي تعتدي على حقوقه بحياة كريمة وعيش آمن من خلال وجبات رفع الأسعار ومسلسل الغلاء المتواصل، وفيما يتعلق بالجغرافيا فان الحديث يبدو عبثيا تماما عندما يتعلق بالكشف عن الإعتداءات على أراضي الدولة والمال العام من قبل بعض المتنفذين من رجالات السلطة نفسها في أجواء لا تبدو سياسة المحاسبة الحالية تجدي معها نفعا، ولا تقنع احدا من المواطنين.
وبحسب رؤية الرئيس المصري، فإن السلطة بدأت تمتلك قوة اكبر واكثر تأثيرا من سلطة الدولة نتيجة سلسلة سياسات توالت خلف بعضها البعض وكانها أرادت إضعاف الدولة لصالح تقوية السلطة، ومن هنا بدأت تظهر في الأفق الأردني المحلي حالات عديدة للإعتداء على الدولة والتقليل من هيبتها، فيما تضخمت قوة السلطة، وأصبح المواطن يخشى السلطة ولا يخشى الدولة.
هذه ــ ربما ــ بعض المعطيات التي يراها الرئيس المصري ويقصدها في مقولته الشهيرة التحذيرية، وهذه هي بعض ملامح معطيات المعادلة المختلة بين ضعف الدولة وجبروت السلطة.
وما يراه الرئيس المصري في مقومات استعادة الدولة لسلطتها لا تبدو هي الأخرى بعيدة تماما عن مضمون العجينة السياسية الوطنية هنا في الأردن، فالمصري يدعو وربما بإصرار وبقوة إلى أن يعاد تشييد هرم القوة المحلية من خلال المزاوجة بين قوة الدولة والسلطة معا لا أن يتغول طرف على آخر، وهذا يعني وبالضرورة أن تكون اولويات التنمية والخطط الإقتصادية للسلطة والتشريعات التي تمررها للسلطة التشريعية مبنية على أساس العيش الكريم للمواطن، واحترام الدستور بكل ما فيه من ضمانات حقوقية لكل مواطن ومواطنة، وعدم العبث بممتلكات الدولة وجغرافيا الوطن، وبحرية الرأي والتعبير والإعلام، وتقوية الأحزاب، وتعزيز الديمقراطية وتاصيلها فكرا وسلوكا وصولا الى الدولة المدنية المنشودة.
حين يقول شخص بحجم الطاهر المصري إننا نبني سلطة ولا نبني دولة، فهذا يعني أن ثمة إختلالات تبعث على القلق، وتثير التساؤلات عن المستقبل، وعن مدى صلابة الدولة في مواجهة قوة السلطة في ظل إقليم يتحارب فيه كل شيء، وطبول الحرب لا تكاد تصمت في جنباته، والصراخ يملأ المكان ضجيجا ورعبا وقتلا..
مقولة الرئيس المصري هي تحذير من أجل المبادرة لإعادة التوازن لمصادر القوة والتأثير للدولة وكامل مكوناتها، وللسلطة ولكامل ادواتها، وبغير ذلك فإن ثمة فالقا سياسيا خطيرا سنجد انفسنا وقد وقعنا فيه دون نذير...//