مهند العزة يكتب : النسخة الأردنية من الطريقة المرتضوية
منذ أن هوى نجم الإعلام الاحترافي في مصر مع رحيل جهابذته أو منعهم من مزاولته بقرار سياسي أو تلون بعضهم وركوبهم الموجة السائدة أو اعتزال آخرين آثروا الكرامة والسلامة لمّا وجدوا المجال برمته قد تحول إلى سوق يباع فيه الهوا على الكيف والهوى، أصبح الإعلام مهنة السوقة من المتسلقين والعنصريين والمطبلين المزمرين وبات مرتعاً لكل متطفل من لاعبي كرة القدم السابقين من العاطلين عن العمل المسكونين بهاجس انحسار الأضواء عنهم، وكذلك الممثلين ممن دخلوا في معركة خاسرة مع الزمن ليتجاوزهم ويظلوا على عهدهم باقين متجمدين متمترسين في قوالب درامية وقفشات وإفيهات وحركات مستهلكة، هذا فضلاً عن بعض القضاة السابقين والأكاديميين ممن وجدوا في الإعلام «سبوبة» يتعيشون منها ويمارسون من خلالها التطبيل لمعلميهم والبلطجة على خصومهم.
مرتضى منصور شخصية مصرية جدلية يمكن تلخيص سيرته الذاتية والمهنية بأنه: قاضي سابق معزول أو مستقيل «خلاف بين أهل العلم وضاريبي الودع»، ومحامي شركة الريان التي كانت من أوائل شركات توظيف الأموال التي تم تصفيتها نهاية ثمانينيات القرن الماضي وسجن مالكيها ومعهم مرتضى،ورئيس نادي الزمالك لفترات عديدة،وعضو مجلس شعب في عهد الرئيس السابق مبارك ثم عضو مجلس نواب في عهد الرئيس السيسي، والأهم وبيت القصيد: صاحب الرقم القياسي في عدد قضايا السب والقذف والتشهير المرفوعة ضده من إعلاميين ورياضيين وفنانين وقضاة وأكاديميين.
هذه السيرة الحافلة بانتهاك خصوصيات وحرمات الناس وحيواتها، جعلت مرتضى منصور يحتل مساحةً كبيرةً من الجدل والنقاش في الوسط السياسي والرياضي والإعلامي المصري، خصوصاً بعد أن بدأ يظهر بكثافة على شاشات التلفاز ومحطات الإذاعة منذ مطلع هذه الألفية، حيث اشتهر بالسب والقذف والخوض في أعراض خصومه ونيل من سمعتهم وسمعة عائلاتهم، الأمر الذي دفع المجلس الأعلى للإعلام في مصر سنة 2018 برئاسة الصحفي والكاتب الراحل مكرم محمد أحمد إلى إصدار قرار بمنعه من الظهور على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والمواقع الألكترونية لمدة شهرين، مع وجود سابقة في هذا الصدد عام 2013 تمثلت في إصدار وزيرة الإعلام السابقة درية شرف الدين قراراً مماثلاً يمنعه من الظهور على القنوات والمحطات التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، ناهيك عن قضائه سنةً في الحبس عام 2007 إثر تعديه بالسب والقذف على رئيس مجلس الدولة المستشار سيد نوفل.. وللمزيد من فيديوهات +18 في هذا المقام، فما عليك إلا أن تكتب في خانة البحث على يوتيوب «مرتضى منصور يسب.. مرتضى منصور يشتم.. مرتضى منصور يتلفظ بألفاظ نابية..».
أكثر ما اشتهر به مرتضى في ممارسته رذيلة تشويه سمعة الخصوم، أنه كان يدعي امتلاكه لمقاطع مرئية أو صوتية أو صور فوتوغرافية تحتوي على مشاهد من علاقات خاصة لهم أو اتفاقات أو مستندات تدينهم، تماماً على نسق مسلسلات وأفلام السبعينيات والثمانينيات الهابطة التي كانت عبارة «أنا معايا كل المستندات اللي توديك في داهية» تشكل علامتها التجارية المسجلة ، مع تحديث بسيط من مرتضى يتمثل في احتفاظه بهذه المقاطع والصور المزعومة على قرص مدمج أو كما يقول هو بصوته المتحجرش: «ال سي دي معايا وحطلّعه في الوقت المناسب».
يبدو أن بعض المشتغلين والمهتمين بالشأن العام عندنا من الشعبويين محدودي الثقافة والرؤية، وجدوا في المدرسة المرتضوية ضالتهم، فتراهم بين حين وآخر يهددون ويتوعدون بنشر «قوائم أسماء» مسؤولين حاليين أو سابقين أو سياسيين أو كتاب وكاتبات.. بدعوى أنهم ارتكبوا أفعالاً أو تلفظوا بأقوال «مشبوهة» سياسياً أو قانونيا، وذلك بغرض إرهاب خصومهم وكل من يخالفهم الرأي. أما إن سألت سامحك الله: ولماذا «قوائم» وليس «سي دي؟»، فالجواب هو أن أتباع الطريقة المرتضوية من جماعتنا يرتابون من التكنولوجيا خصوصاً الرقمية، لما تنطوي عليه من: «دسائس ومؤامرات غرضها النيل من ثوابت الأمة في الترابط والتواصل بين أبناء المجتمع الواحد. وضرورة احترام عاداتنا وتقاليدنا في تناقل المعلومة من خلال مضافات وصلونات النميمة، وورقياً من خلال انتهاك سرية المراسلات صادرها وواردها».
في كل مرة تثور فيها قضية رأي عام أو يتم مناقشة ملف ساخن في أروقة الحكومة أو تحت قبة البرلمان، أو عقب نشر مقال أو تغريدة لكاتب أو مفكر أو حتى ناشط يطرح وجهة نظر مختلفة ومخالفة لتوجه الأغلبية المنقادة.. يخرج المرتضويون من أعشاشهم فيضعون بيضهم على تويتر ليفقس شتائم وشائعات وتهديدات بنشر قوائم الأسماء المزعومة، لتستثار الجماهير المترقبة وتطالب بسرعة النشر لتبدأ السحل والنشر.. ليبقى الثابت في غمرة هذا الهراء؛ أن الجميع يريد أسماء ليقيم عليها حفلات التنمر والازدراء، دون أن يعبأ أحد بالسؤال عن مدى صحة المزاعم والقيل والقال مما ينسبه المرتضويون لخصومهم، فهذا آخر ما يشغل بال الغوغاء المتعطشين لروائح الفضائح والتنكيل بلا بيّنة أو دليل.
في السابق، ثمة من هدد بنشر أسماء أعضاء في مجلس الأعيان بدعوى أنهم يتقاضون رواتب ومزايا خارج نطاق المسموح به قانونا، وآخر بنشر أسماء من يخالفون أوامر الدفاع من المسؤولين، وثالث بنشر أسماء من يسرقون المياه والكهرباء، بينما هدد رابع -لم يجد أفراداً يتهمهم- بنشر أسماء مدارس كانت نسبة النجاح فيها صفر، في حين كانت آخر صيحات الوعيد؛ تهديد أحدهم بنشر أسماء أعضاء مجلس النواب الذين يهاتفهم الوزراء!
المرتضويون غافلون أو ربما لا يعبؤون بحقيقة أن مسلكهم هذا يمثل إدانة لهم بالدرجة الأولى، فمن كان في حوزته أسماء متورطة في أعمال تخالف القانون ثم يستخدمها «كارت إرهاب» ضد خصومه ليبتزهم سياسياً ومن يدري ربما ماليا، راضياً بالتستر عليهم لتحقيق مأرب شخصي أو جهوي أو فئوي؛ هو شر مكاناً وأوضع مقاماً وأفدح ذنبا.
حينما تصبح الشفافية والمصداقية والمكاشفة والمساءلة وغيرها من مفاهيم الحاكمية، مجرد كلمات زئبقية مخطوطة في استراتيجيات وتعليمات وتعميمات وقرارات همايونية، فمن الطبيعي أن تصبح مذهب في أغنية سأمتها الجماهير واختارت لها قفلة تعبر عن موقفها منها: «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب»، ليسود التعتيم فتذوب في ظلمته تلك المفاهيم، فتتراجع مساحة النور لينشط أتباع طريقة سيدي الشيخ مرتضى منصور.