الفضاء الالكتروني ليس مُلكا لمن أراد اختراق خصوصية الآخرين
فوجئت احداهن بزج اسمها الصريح زورا وبهتانا في شبهة رشوة ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي المعروفة بنزاهتها ونظافة يدها واستقامة مسيرتها الوظيفية، الامر الذي شكّل لها ولعائلتها صدمة نفسية، لم يكن من السهل الخروج منها.
لكن سرعان ما انكشف أن الامر كيدي، ومحاولة بائسة للمس بسمعتها وكرامتها؛ وهي إذ تسرد قصتها بألم، تُلخّص ما حدث معها، لوكالة الانباء الاردنية (بترا) بالعامية :" إمشي عدل يحتار عدوك فيك".
وفي قصة أخرى، كانت فتاة عشرينية ملتزمة بارتداء الحجاب، ذهبت لحفلة اقتصرت على الإناث فقط لوداع صديقتها، ولم تدر ان صورها من دون حجاب ستنشر دون اذنها عبر "الانستغرام" رغم انها طلبت من رفيقاتها عدم النشر، احتراما لالتزامها بالحجاب، فطلبت على الفور حذف الصورة، ولكن لم تمر الحكاية مرور الكرام، بل تسببت لها ولعائلتها بأذى نفسي ومعنوي.
أخبار وصور و"فيديوهات" كاذبة وملفقة ومضللة تشكل تعديا على خصوصيات الناس واختراقها، أصبحت سلوكيات فرضها فضاء التواصل (المتفلت) في نظر بعضهم، ظنا منهم انه ملكهم الخاص ومن حقهم نشر ما يروق لهم عن الآخرين، إذ لم يقتصر ذلك الاختراق على المشاهير والشخصيات العامة والمسؤولين، بل تعداه لضرب علاقات الافراد بعضهم ببعض ومحاولة إفساد الروابط الاسرية والزوجية وعلاقات الصداقة والزمالة والاخوة، فضلا عن اغتيال الشخصية وضرب السمعة الشخصية والمهنية والمكانة الاجتماعية للطرف المستهدف.
فمسلسل التعدي على خصوصية الافراد واقتحام حياتهم الخاصة، ونشر معلومات مضللة ومزيفة بقصد الاساءة او التشهير، وفقا لمتخصصين ومعنيين، لم يعد مسليا كما هي نظرة من يقف وراءه، بل هو عبارة عن جريمة الكترونية موصوفة يعاقب عليها القانون، وتتسبب بالاذى النفسي والمعنوي للاطراف المُعتدى عليهم، وقد تكون سببا بالانتقام أو الثار أو الانتحار، فضلا عن المس بحياة الناس وهدوئها وتوازنها، ما يستدعي من الناشطين ومستخدمي وسائل التواصل، التريث والتفكير مليا قبل نشر أي محتوى، حماية لنفسه وللمجتمع في الوقت عينه.
وزير الإعلام الأسبق، وعضو مجلس الأعيان محمد المومني كان انتقد سابقا عبر مقابلة متلفزة، "الهجوم الشخصي الذي يتعرض له بعض الوزراء"، مشيرا الى أنه "لا يجوز انتقاد الوزراء عبر التدخل في شؤون عائلاتهم وخصوصياتهم بهذا الشكل المعيب والقاسي".
وقال، "لك أن تتحدث عن أداء الحكومة والوزراء العملي والسياسي، وليس بهذه الطريقة البعيدة عن أخلاق الاردنيين".
ولم تثن عقوبات المادة 11 من قانون الجرائم الالكترونية رقم 27 لعام 2015، كل من تسول له نفسه العبث بحياة الناس وخصوصياتهم وأمنهم الاجتماعي، والتي تنص على: "يعاقب كل من قام بإرسال او اعادة ارسال او نشر بيانات او معلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية او الموقع الالكتروني او اي نظام معلومات تنطوي على ذم او قدح او تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مئة دينار ولا تزيد على الفي دينار".
من جهته يحذر عميد كلية الإعلام بجامعة اليرموك خلف الطاهات من انتهاك المساحات الحرة التي تتيحها المنصات الافتراضية، مشيرا الى ان تلك المنصات خلطت الاوراق في مجتمعنا، واوهمت بعضهم - وهو مخطئ- ان شتم المسؤول والتعرض لخصوصيته امر مستباح على اطلاقه لا تقيده قيود ولا تحيطه حدود، فانزلق لتسجيل الشعبويات، دون ادراك لحجم الاساءة بحق ابناء الوطن، ومن هم في مواقع المسؤولية وصنع القرار.
ويلفت الطاهات الى ان اختراق الشؤون العائلية والعلاقات الشخصية، يحتاج الى وقفة قانونية، واخرى تربوية تعيد الامور الى نصابها الصحيح، مشيرا الى ان "من غير اللائق ان نترك متابعة ونقد وتقييم الاداء العام للمسؤولين، وندخل في سجالات لا تتناسب وقيم مجتمعنا ومنظومتنا الاخلاقية والتربوية"وأشار الى ان الاثارة والاستعراض والتعدي على اي انسان ليس شجاعة تستحق التقدير او الاشادة او التصفيق لها، كما يفعل بعضهم على منصات التواصل، بل ان ذلك يستدعي مراجعة وتقييما. ويحرص الدستور الأردني على حماية الحرية الشخصية في المادة 7 منه، وفقا للخبير في قوانين الاعلام الزميل يحيى شقير، اذ ان التعدي على هذه الحقوق جريمة يعاقب عليها القانون، كما ان المادة 18 المتعلقة بحماية مراسلات الشخص واتصالاته، وقانون المطبوعات والنشر في المادة 4 حضتا على احترام خصوصية الأشخاص، مشيرا الى ان هناك قوانين أخرى تحمي حق الخصوصية كقانون حماية حق المؤلف والحصول على المعلومات في المادة 13، والمتعلقة بعدم الكشف عن سجلات الشخص التعليمية والطبية، واخرى تعاقب التعدي على الخصوصية كالذم والقدح في قانون العقوبات، عدا عن قانون الجرائم الالكترونية المتعلق بالنشر أو بإعادة النشر.
ويشبه المستشار والمدرب في استراتيجيات التواصل الاجتماعي خالد الاحمد حرية التعبير بقيادة السيارة في الشارع العام، فهي بالضرورة ملك لصاحبها، ولكن الشارع ليس ليس ملكا له، وبالتالي على السائق التقيد بقوانين السير واخلاقيات التعامل مع الطريق، من اجل قيادة آمنة، وحماية نفسه والآخرين.
ويقول، اذا اراد الشخص النشر، فليكن ضمن المسؤولية المجتمعية والكلمة الموزونة، اذ ان الناشطين والمتابعين، لا بحيطون بنوايا من كتب المنشور، بل يتعاملون مع كلمة خرجت للعلن، واساءت لأشخاص، خاصة ان من الصعوبة بعد ذلك ضبط ما نشر، حتى لو تم شطب المنشور الذي اساء للآخرين، موضحا أنه ربما يكون احدهم شاركه او قام بتصويره، فتصبح عملية السيطرة على النشر صعبة جدا، وتكون بمثابة الوثائق التي تدين من كتبها، اذا اراد المتضرر، التقدم بشكوى.
ويشدد الاحمد على "ضرورة التريث قبل نشر اي من المعلومات التي قد تشكل اساءة وتعديا على خصوصيات الناس، والتفكير، بماذا يفيد ما سأقوم بنشره، واذا كانت نية الناشر الايذاء ونشر معلومات حتى لو كانت هذه المعلومات صحيحة، فلا يقع ذلك ضمن حرية التعبير، بقدر ما هو تعمد لفعل يسيء للآخرين، ويعاقب عليه القانون".
ويعرج على ما اسماه شروط الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتلخص بعدة اسئلة من المفترض ان يسألها لنفسه مسبقا من يريد النشر، منها: هل ما سأنشره قد يجرح بعضهم، ويسبب لهم الاذى النفسي والمعنوي؟ وهل هذا هو مفيد ام مضيعة لوقتي ووقت الناس؟ هل يعود بالسلب علي شخصيا فأقع في دائرة الملاحقة القانونية خاصة في مسألة التعدي على حقوق وخصوصيات الناس؟ مشيرا الى ان التهور في النشر يتسبب بعواقب من المفترض ان الانسان في غنى عنها، وعن مفاعيلها.
ولا يعتقد استشاري الطب النفسي زهير الدباغ ان التعدي والتشهير ظواهر تجتاح مجتمعنا بشكل لافت، بقدر إدراجه لما تقدم في خانة السلوك الفردي الناجم عن تفكير قاصر يقصد به التعويض عن نقص ما، او ضعف ما في شخصية المرء، ولا يكون القصد منه استرجاع حقوق مسلوبة مثلا، وإلا فالقانون هو الملجأ والفيصل، ولكنه يبتغي تجاوز القانون والاساءة والاعتداء اللفظي والمعنوي، دون ان يرف للمعتدى جفن.
وأوضح الدباغ أن المعتدي على خصوصيات الناس يظن ان من حقه ان يقول ما يشاء دون اي ضوابط، مستشهدا في هذا السياق بالآية القرآنية الكريمة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".
وأشار الى النتائج التي قد تلحق بالطرف المعتدى عليه، حيث لا يتأثر هو وحده بتداعيات الاخبار الكاذبة والملفقة واختراق الخصوصية، بل يتعداه لأسرته ودائرة علاقاته المختلفة، ولذلك، كما يفسر، نجد ان المعتدى عليه يدخل في اعراض الصدمة النفسية، المتمثلة في الغضب والتوتر والخوف والقلق والاكتئاب، والتي من المحتمل ان تؤدي لتبعات نفسية وسلوكية تشكل خطورة على استقراره وتوازنه، لافتا الى قصص مماثلة انتهت بشكل مأساوي حتى على الصعيد العالمي ووصلت لحد الانتقام او الانتحار او الثأر.
فالمسألة كما يراها الدباغ، ليست بسهولة اطلاق الاخبار الكاذبة عن حياة وخصوصيات الافراد على موقع ما، فهي جريمة موصوفة لها ارتداداتها المختلفة، ولهذا لا بد من تعزيز التوعية بخطورة هذه السلوكيات التى من شأنها الإتيان على بعض من صلابة النسيج المجتمعي والعلائقي بين الناس.
الى ذلك، كان مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) سجل 43 إشاعة خلال شهر تشرين الأول الماضي، انتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا الى أن "القاعدة الأساسية في التعامل مع المحتوى الذي ينتجه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي هي عدم إعادة النشر إلا في حال التحقق من مصدر موثوق".
وقال، إن الاعتماد على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار دون الأخذ بالاعتبار دقة هذه المعلومات من عدمها يتسبب بنشر الكثير من الأخبار غير الصحيحة والبعيدة عن الدقة، وبالتالي ترويج الإشاعات وانتشار المعلومات المضللة والخاطئة".
--(بترا)