مقاطعات وانقسامات في أوّل اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني منذ 22 عاماً
تاريخ المجلس من اعلان استقلال دولة فلسطين الى قبول الانخراط في عملية السلام ج 1
عواصم - كالات – جهينة نيوز - مامون العمري
بدأت امس الاثنين المجلس الوطني الفلسطيني، أعلى هيئة تشريعية فلسطينية ونادراً ما ينعقد، اجتماعاً للمرة الأولى منذ 22 عاما لكن مقاطعات وخلافات تشير إلى أنّه سيواجه صعوبات في تحقيق هدفه المعلن الخاص بالوحدة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يستغل الرئيس محمود عباس الاجتماعات التي ستنعقد على مدى أربعة أيام لتجديد شرعيته ولتعيين مخلصين له في مواقع كبيرة ليبدأ في تشكيل إرثه السياسي.
ووصف عباس اجتماعات المجلس، الذي يعتبر البرلمان الفعلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأنه فرصة لتأسيس جبهة موحدة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة بعد أن اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الانباط تجد في انعقاد هذا الاجتماع اهمية بالغة من ناحية التوقيت ، والملفات التي ادرجت على اجندة الاجتماع ، ونقدم هذا الملف على ثلاث اجزاء متتالية .
نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية قال" إن انعقاد المجلس "رسالة قوية لكل العالم بأن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني".
لكن موقع انعقاد اجتماعات المجلس وتوقيته والحاضرين فيه واجهت انتقادات من داخل وخارج منظمة التحرير الفلسطينية.
وتقاطع الجماعات ذات التوجه الإسلامي المجلس وتشكك في قول منظمة التحرير إنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
ومن بين الجماعات المقاطعة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي. وكانت حماس فازت على حركة فتح التي يتزعمها عباس ويدعمها الغرب في انتخابات برلمانية جرت في 2006 وبين الحركتين خلاف مرير وتنافس منذ ذلك الحين.
ويقول المنتقدون لموقع عقد الاجتماعات إن عباس يستبعد بوجوده في الضفة الغربية المحتلة فلسطينيين سيواجهون خطر اعتقال السلطات الإسرائيلية لهم أو رفض دخولهم إذا حاولوا الحضور.
وقالت ثلاثة من فصائل منظمة التحرير إنها ستقاطع اجتماعات المجلس المؤلف من 700 عضو ومن بينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وطالبت الجبهة بتأجيل الاجتماعات لإتاحة مزيد من الوقت لجهود المصالحة بين فتح وحماس وتخطي الانقسامات بما يضمن مشاركة أوسع فيها.
وقال مهدي أبو الهادي وهو محلل من القدس إن عباس يبدو عازما على الدفع بأجندته الخاصة واستبدال الخصوم بموالين له في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير والتي يختار المجلس الوطني أعضاءها.
وقال: "عندما ينظر الناس إلى تلك الأسماء يفهمون إنها منصة لرجل واحد. إنها أجندة عباس".
وقال إنّ الرئيس الفلسطيني يعود فيما يبدو للمؤسسات الأصلية للدفاع عن نفسه في مواجهة الانتقادات مشيراً إلى أنّ ولايته الرئاسية انتهت بالفعل في 2010. وتابع: "يحتاج إلى إعادة بث الشرعية والاعتراف بسلطته".
"لا مبالاة جماعية"
في حدث تمهيدي لانعقاد اجتماعات المجلس في فندق فاخر يوم الأحد قال محمد صبيح أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني إن الاجتماعات ستكون استراتيجية. ويصف المجلس الوطني التنفيذي نفسه على موقعه على الإنترنت بأنه "السلطة العليا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده".
لكن قياداته ذات الأعمار المتقدمة، إذ يبلغ عباس 83 عاماً في حين يبلغ رئيس المجلس سليم الزعنون 85 عاما، دفعت شبابا فلسطينيين للتساؤل عن مدى ارتباطها بالواقع خاصة من يتذكرون بالكاد آخر اجتماع للمجلس في دورته العادية في 1996.
وقالت ديانا بطو وهي مستشارة قانونية سابقة لمفاوضي السلام الفلسطينيين وهي كندية المولد وتقيم في حيفا "المجلس الوطني الفلسطيني لن يقدم لي أو لجيلي شيئا.. لن يقدم شيئا لمن هم في الشتات أو غزة. إنه لا يمثل شيئا لجيل بأكمله ينظر لتلك الاجتماعات بلا مبالاة جماعية". وأضافت: "ربما يعتقد عباس إن ذلك سيمنحه "شرعية" لكن السؤال.. شرعية ممن"؟
وفي رام الله اعترف أحمد الطيبي، وهو نائب عربي في الكنيست الإسرائيلي، بأن منظمة التحرير بحاجة إلى التحسن لكنه قال إنها تبقى "الجهة الأساسية لحل قضايا الفلسطينيين".
لكن خارج رام الله هناك تشكك على نطاق واسع في الأمر. وفي غزة تداول الكثيرون رسالة نصية على هواتفهم المحمولة تسخر من أعمار أعضاء المجلس وتقول إن على المتقدمين له أن يكونوا في التسعين فيما فوق. كما شاعت تعليقات ساخرة أيضا في الضفة الغربية المحتلة وقال فراس دودين في الخليل "نحتاج إلى دماء جديدة في المشهد السياسي الفلسطيني".
تكَّون "المجلس الوطني الفلسطيني" عام 1948 برئاسة مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا آنذاك الحاج أمين الحسيني وبعضوية أفراد مختارين من المجالس القروية والبلدية ومن رؤساء قبائل وعشائر ووجهاء وأعيان ومديري جميعات أهلية كانت كلها موجودة في فلسطين آنذاك.
كان عدد أعضاء ذلك المجلس 97 عضوا من أصل 151 وجهت لهم الدعوة، فحضر العدد المذكور واعتذر الباقون.
واجهت هذا المجلس منذ الأيام الأولى لتأسيسه مشكلات وصعوبات حالت دون قيامه بمهماته على الوجه الأمثل. كان أهم هذه المشكلات الطعن في شرعيته والقول إنه لا يمثل عموم الشعب الفلسطيني، وإنه لم يأت بانتخابات نزيهة وإنما جرى باختيارات تغلب فيها الهوى.
أمين الحسيني
قرارات الدورة الأولى
كانت أهم دورات المجلس الوطني إبان الفترة المذكورة (1948–1964) هي الدورة الأولى التي رأسها الحاج أمين الحسيني، حيث قررت:
1. إعلان استقلال الدولة الفلسطينية بحدودها التاريخية كاملة، وعدم الاعتراف بقرار التقسيم.
2. إقرار القدس عاصمة للدولة المعلنة، واتخاذ علم الثورة العربية الكبرى عام 1916 علما لفلسطين.
3. تشكيل "حكومة عموم فلسطين" برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي لتمثيل فلسطين في جامعة الدول العربية والمحافل الدولية.
لكن هذه القرارت ظلت دون أثر فعال على أرض الواقع ، وتوارى المجلس الوطني في غياهب النسيان، وجرت في نهر السياسة الفلسطينية خصوصا والعربية عموما مياه كثيرة، تغيرت خلالها عوامل واستجدت ظروف ساعدت على بروز مجلس وطني فلسطيني جديد عام 1964، لا يزال هو نفسه قائما حتى الآن رغم ما تعرض له من زيادة ونقصان في عدد أعضائه أكثر من مرة على مدار كل هذه السنوات.
عام 1964 هو العام الذي عاد فيه المجلس الوطني الفلسطيني ليتصدر المشهد السياسي مرة أخرى، لكن هذه المرة بشكل مختلف وبثوب جديد.
في العام المذكور وتنفيذا لتوصيات مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة يوم 13 كانون الثاني والقاضية "بتكليف أحمد الشقيري (مندوب فلسطين في الجامعة العربية خلفا لممثل حكومة عموم فلسطين أحمد حلمي عبد الباقي) بمواصلة اتصالاته مع الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية، بغية الوصول إلى "إقامة القواعد السليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره".
نشط أحمد الشقيري في عقد سلسلة من اللقاءات مع الفلسطينيين في أماكن وجودهم، ووجه للعديد منهم دعوات لحضور مؤتمر وطني في القدس، للنظر في تأسيس كيان منظم وجامع للفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة، بهدف السعي المثمر لتحرير فلسطين.
اجتمع 422 فلسطينيا (رغم أن الدعوة وجهت فقط إلى 397) في مؤتمر جامع بالقدس أطلق عليه "المجلس الوطني الفلسطيني". وخرج المؤتمرون بقرارات مهمة كان من أبرزها:
• قيام منظمة التحرير الفقلسطينية بهدف "قيادة الشعب الفلسطيني لخوض معركة التحرير".
• وضع النظام الأساسي للمنظمة.
• اختيار أعضاء لجنتها التنفيذية (برئاسة أحمد الشقيري).
• إصدار الميثاق القومي الفلسطيني.
• إصدار قانون انتخاب أعضاء المجلس الوطني.
• تشكيل قوات التحرير الشعبية.
• إنشاء الصندوق القومي.
مر على المجلس الوطني الفلسطيني منذ نشأته حتى الآن 44 عاما، عقد خلالها 21 دورة فقط رغم أن نظامه الأساسي ولائحته الداخلية تنص على أن ينعقد مرة كل عام، ويمكن أن يعقد في العام الواحد أكثر من دورة لظروف استثنائية.
أي أنه وبنظرة عامة ومنذ نشأته حتى الآن قد عمل بأقل من نصف طاقته، وقد أصابه شلل تام منذ 11 عاما لم يعقد خلالها أي دورة رغم ما مر على القضية الفلسطينية من تطورات مهمة كانت تستدعي انعقاده.
وفي العموم سارت أهم الدورات وأبرز القرارات على النحو التالي:
كانت الدورتان الثانية والثالثة عامي 1965 و1966 استعراضا لما تم إنجازه وفقا للقرارات والتوصيات الصادرة عن الدورة الأولى، وتأكيدا للخط الفكري والنهج السياسي للمنظمة.
"المجلس الوطني الفلسطيني جزء من مكونات منظمة التحرير يصادق على خطها السياسي وقراراتها المهمة فيكسبها نوعا من الشرعية"
عقدت الدورة الثانية في القاهرة بنفس العدد الذي حضر الدورة الأولى (422) بينما فوجئ الحضور في الدورة الثالثة التي عقدت في غزة بزيادة العدد إلى 466 عضوا.
في العام التالي (1965) انعقدت الدورة الثانية للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة، وقدم خلالها أحمد الشقيري تقريرا عما تم إنجازه منذ الدورة السابقة قبل عام وما قامت به اللجنة التنفيذية برئاسته، واستعرض ما تم بخصوص إنشاء القوات العسكرية والصندوق القومي ودوائر المنظمة المختلفة واستقرار الأمور الإدارية في مقرها العام بالقدس.
في عام 1968 عقد المجلس الوطني دورته الرابعة في القاهرة (دورة ما بعد هزيمة يونيو/حزيران) برئاسة عبد المحسن القطان. كانت حركة فتح قد بسطت سيطرتها على منظمة التحرير عن طريق زيادة أعداد "الفتحاويين" فيها، واستطاعوا بأصواتهم إنجاح الناطق الرسمي باسم حركتهم ياسر عرفات الذي رشح نفسه رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة.
دورات 1969 و1970 و1971.. رفض مبادرة روجرز
خالد الفاهوم
كان الشغل الشاغل لهذه الدورات الثلاث التي عقدت ثانيتهما (1970) بصورة استثنائية في عمان، بلورة موقف سياسي إزاء مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز التي قبلها الرئيس جمال عبد الناصر كسبا للوقت لحين اكتمال بناء حائط الصواريخ على طول قناة السويس.
وقد أصدر المجلس الوطني قراراته برفض المبادرة معللا ذلك بعدم تعرضها لحق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية بحدود 1948، ولأنها -على حد وصف المجلس- تقود إلى الاعتراف بدولة إسرائيل.
دورتا 1972 و1973.. السلطة طريق إلى الدولة
في هاتين الدورتين تبنى المجلس الوطني بعض القرارات التي تؤشر على بداية تغير في فكر منظمة التحرير فيما يتعلق بحلم الدولة. فقد نشأت المنظمة على أساس العمل على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة على كل حدود فلسطين وعدم الاعتراف بقرار التقسيم وبالتالي عدم الاعتراف بالعدو الإسرائيلي.
لكن في دورة 1972 الاستثنائية التي عقدت في عمان تبنى المجلس فكرة الدعوة إلى "الدولة الديمقراطية العلمانية"، وفي عام 1973 في دورة القاهرة اتخذ قرارا يدعو إلى:
• "إقامة السلطة الوطنية المستقلة والمقاتلة للشعب الفلسطيني على كل جزء يتحرر من الأرض الفلسطينية".
• يجب ألا يكون ثمن هذا الكيان الفلسطيني (السلطة) الاعتراف بإسرائيل أو عقد الصلح أو التنازل عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير.
وتنبع أهمية هذه الدورة (1973) وتلك القرارت من كونها وضعت للمقاومة مشروعا سياسيا يتضمن مراحل متدرجة للهدف النهائي وهو تحرير فلسطين.
دورة 1974.. شرعية المنظمة كممثل وحيد للفلسطينيين
في هذه الدورة رحب المجلس الوطني بنتائج القمة العربية المنعقدة في الرباط عام 1974 والتي حسمت بصورة نهائية النزاع بين الملك الأردني الحسين بن طلال ومنظمة التحرير، حيث صدر قرار بالإجماع جاء فيه "أن قادة الدول العربية يؤكدون حق الشعب الفسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على كل أرض يتم تحريرها". وكان هذا القرار تدعيما للمنظمة ولمجلسها الوطني وقد ساعد الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوة ياسر عرفات إلى إلقاء خطابه الشهير من على منبرها في أكتوبر/ شرين الأول من العام نفسه.
دورة 1977.. وتغيير آخر في لغة الخطاب
لم يعقد المجلس الوطني دورات في أعوام 1975 و1976، وبدأ عام 1977 بعقد دورة في القاهرة في الفترة من 12 إلى 22 آذار أطلق عليها دورة الشهيد كمال جنبلاط. وقد لوحظ على بيان المجلس استخدامه لعبارات تعزيز التضامن العربي بديلا عما كان مستخدما من قبل من عبارات الوحدة العربية والاتحاد العربي وما إلى ذلك.
دورتا 1979 و1981.. وتكرار الهجوم على كامب ديفد
يلاحظ أن الفترات الزمنية لانعقاد دورات المجلس الوطني بدأت تتباعد، فبدلا من الانعقاد مرة كل عام وأحيانا في العام الواحد مرتين أصبح انعقادها مرة كل عامين أمرا طبيعيا.
"الفصائل غير المنضوية تحت لواء منظمة التحرير مثل الجهاد وحماس، تطالب بإعادة النظر في تشكيل المجلس الوطني ليكون ممثلا لمختلف الأطياف السياسية ولا يغلب عليه لون فصيل سياسي بعينه"
في دورة 1979 التي عقدت بدمشق وأطلق عليها دورة هواري بومدين أدان المجلس معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وكذلك فعل في دورة 1981 التي عقدت كذلك بدمشق، حيث اعتبر المجلس أن أي تحرك أو تضامن عربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ينبغي أن يبنى على الأسس التالية:
• الحقوق الوطنية الفلسطينية.
• الحق في العودة.
• الحق في تقرير المصير.
• السيادة في دولة مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
• التأكيد على أهمية الحوار الأردني الفلسطيني.
كما يلاحظ على أعمال هاتين الدورتين بداية تقارب المجلس ومنظمة التحرير مع السياسة السعودية التي بدأت هي الأخرى في البروز مع الطفرة النفطية ودخول المال السعودي على خط السياسات العربية بقوة.
وقد رحب ياسر عرفات آنذاك بالمبادئ الثمانية لمشروع فهد كأساس لتسوية إسرائيلية عربية بعد انسحاب إسرائيل من أراضي عام 1967 مقابل "الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش في سلام"، في إشارة إلى حق إسرائيل في الوجود والعيش في سلام مع جيرانها العرب. ووصف عرفات هذه المبادرة بأنها "جيدة وبرنامج مهم للغاية من أجل إقامة سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط".
دورة 1983.. وخط سياسي أحدث انشقاقات
تميزت دورة المجلس الوطني هذه المنعقدة بالجزائر عام 1983 بنشاط ملحوظ وبقرارات مهمة أعادت إلى واجهة العمل السياسي منظمة التحرير الفلسطينية كمتحدث وحيد باسم الشعب الفلسطيني تبدي رأيها وتبادر بتقديم رؤاها وتصوراتها بدلا من الأنظمة العربية التي حاولت القيام بهذا الدور سواء النظام المصري عام 1979 أو السعودي عام 1981.
وتميزت كذلك بشيء مهم أصبح فيما بعد علامة بارزة في النظام السياسي الفلسطيني إذ ظهر في هذه الدورة تغول اللجنة المركزية لمنظمة التحرير على صلاحيات المجلس الوطني وقدرتها على توجيه النقاش باتجاه قرارات بعينها تريدها اللجنة ورئيسها ياسر عرفات، الأمر الذي أحدث انشقاقات فيما بعد.
كان هم المجلس في الدورة المذكورة وضع برنامج سياسي يحظى بتوافق الفصائل الفلسطينية حفاظا على الوحدة الوطنية واستقلال القرار والكفاح المسلح. وانطلاقا من هذا قرر المجلس قبول مشروع فاس باعتباره "عتبة دنيا لمبادرة سياسية تجمع بين مقترحات الدول العربية وبالأخص ما جرى التفاوض عليه بين ياسر عرفات والملك حسين بخصوص الكونفدرالية الأردينة الفلسطينية، والاقتراحات المقدمة في مشروع وزير الخارجية السوفياتية ليونيد بريجينيف".
وكان أهم ما في قرارات المجلس الخاصة بقبول مشروع فاس انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وحق اللاجئين في العودة أو التعويض والسلام بين الدول العربية وإسرائيل.
دورة 1985.. ونبذ إرهاب المنظمة
عقدت هذه الدورة في عمان وكان أهم قراراتها الترحيب باتفاق عمان بين المنظمة والأردن والذي نصت أهم بنوده على قبول مبدأ الأرض مقابل السلام وموافقة المنظمة على عقد مؤتمر دولي للسلام تحضره كل الأطراف بما فيها إسرائيل، غير أن هذه الدورة شهدت وربما للمرة الأولى تكرار عبارة "نبذ الإرهاب" وقد نصت الاتفاقية على نبذ الإرهاب من قبل المنظمة. وعبارة الإرهاب هذه ستستعمل كثيرا فيما بعد وستختلط بسببها أوراق كثيرة وعناوين لم تكن تسبب خلطا من قبل كالمقاومة والكفاح المسلح وعلاقة ذلك بما يسمى الإرهاب.
دورة 1988.. وإعلان الدولة الفلسطينية
جاءت هذه الدورة وسط أحداث متسارعة وساخنة. الانتفاضة الأولى قامت قبل عام ولا تزال على أشدها، وإسرائيل في نيسان اغتالت خليل الوزير أبو جهاد أحد أبرز قادة المنظمة، والملك حسين قرر في يوليو/تموز قطع جميع الروابط القانونية والإدارية بين بلده والضفة الغربية، وياسر عرفات دعا إسرائيل من على منبر البرلمان الأوروبي إلى عقد سلام الشجعان.
دورة 1991.. والموقف من مؤتمر مدريد
جاءت هذه الدورة في ظروف بالغة الحساسية عربيا وفلسطينيا، فالعالم العربي خرج للتو من حرب الخليج الثانية التي غزا فيها العراق الكويت ودُمر جانب كبير من قوته العسكرية على أيدي قوات التحالف الدولية التي كانت تقودها الولايات المتحدة، مما أخرجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.
أرادت المنظمة المشاركة في مؤتمر مدريد لكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ولكون أحد أهم بنود المؤتمر هو بحث السلام في الشرق الأوسط وفي القلب منه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن إسرائيل رفضت مشاركة وفد المنظمة منفردا واشترطت عليه الاندماج مع الوفد الأردني وأن توافق مسبقا على أعضائه، وأبت أن يكون هؤلاء الأعضاء من منظمة التحرير أو من المقيمين في القدس الشرقية أو مفوضين من فلسطينيي الشتات، كما رفضت مسبقا الدولة الفلسطينية.
هنا عقد المجلس الوطني دورته في الجزائر برئاسة عبد الحميد السائح في الفترة من 23 إلى 28 أيلول 1991 وخرجوا بإعلان سياسي يؤكد المبادئ التالية:
1. ضرورة انعقاد مؤتمر مدريد على أساس القرارين 242 و338 تحت شعار "الأرض مقابل السلام".
2. الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وبحقه في تقرير مصيره وفي الاستقلال والسيادة.
3. حق اللاجئين في العودة.
4. تعهد الإسرائيليين بالانسحاب من القدس الشرقية.
5. الوقف الفوري لإقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
6. تفكيك المستوطنات المقامة بصورة غير قانونية في الأراضي المحتلة.
7. تسمية الممثلين الفلسطينيين في مؤتمر السلام من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بدون تدخل خارجي.
8. ضمان الروابط بين مختلف مراحل السلام، والسيادة الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية على الأرض والماء، والاستقلال في إدارة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
دورة 1996.. الدورة الأخيرة وإلغاء بنود من الميثاق الوطني
سليم الزعنون (الفرنسية-أرشيف)
جاءت هذه الدورة المهمة والأخيرة من دورات المجلس الوطني في ظروف سياسية وإنسانية عربية بالغة الدقة، فقد عمت الآفاق أصوات أزيز الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف لبنان فيما سمي عملية "عناقيد الغضب"، وخلفت مأساة مروعة ضمن ما خلفته تمثلت في مجزرة قانا التي قتل فيها 102 لبناني مدني كانوا يحتمون بمقر الأمم المتحدة، فضلا عن تهجير آلاف اللبنانيين من الجنوب. ولم يكن الشارع العربي مهيأ لأي مبادرة سياسية أو تسوية سلمية أو مصدقا لأي حديث إسرائيلي عن السلام في ذلك الوقت.
اجتمع برئاسة سليم الزعنون في غزة أكثر من 700 عضو من أعضاء المجلس الوطني (لا يوجد رقم فلسطيني رسمي لعدد من حضروا، البعض يقول 787 والبعض 737 والبعض يؤكد أنهم 717، لكن الإجماع أنهم تجاوزوا 700 عضو) وقرروا بأغلبية ساحقة تعديل الميثاق بحذف المواد التالية:
• (المادة 2): تشكل فلسطين في حدودها خلال الانتداب البريطاني وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.
• (المادة 9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحرير فلسطين... ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح وتحضير ثورة شعبية مسلحة لتحرير بلده والعودة إليه.
• (المادة 16): تحرير فلسطين هو من وجهة النظر العربية واجب وطني... يهدف إلى إلقاء الصهيونية من فلسطين.
• (المادة 19): تقسيم فلسطين في عام 1947 وإقامة دولة إسرائيل هما غير قانونيين كلياً أيا كان الوقت الذي انقضى، لأنهما مناقضان لإرادة الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في وطنه.
• (المادة 20): ... كما أن اليهود لا يشكلون أمة واحدة لها هويتها الخاصة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.
• (المادة 22): الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحريري وأي حركة تقدمية في العالم، إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، وعدائية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في نهجها.
وافق المجلس الوطني على إلغاء هذه المواد من الميثاق في ظل غياب مكونين مهمين من مكونات منظمة التحرير هما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة جورج حبش.