المنطقة العربية من التبريد الى إعادة التأهيل
لقد كانت منطقة الشرق الاوسط والجزء العربي بالذات بؤرة ملتهبة بالصراعات والحروب الأهلية خلال العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين، فقد بدأت بالغزو الأميركي للعراق مروراً بفترة الربيع العربي، وداعش ومشروعها التدميري، وصولاً للاحتراب الأهلي في دول عديدة، في تلك المراحل لم تشهد المنطقة أي مستوى من الهدوء أو أي بارقة أمل في نهاية سلمية لحروبها المضنية، ففي سوريا ولبنان والعراق واليمن ولا ننسى ليبيا لم تشرق شمس يوم جديد إلا على مزيد من القتلى والفوضى وتراجع متسارع في الشكل العام لمشروع الدولة هناك.
طبعاً وتدخلات خارجية وإقليمية من كل حدب وصوب ملأت الفراغ الجيوسياسي الحاصل، أما الدول التي لم تنخرط في تلك المعمعة الإقليمية فقد أصابتها التأثيرات الجانبية لتلك الصراعات، فأفواج اللاجئين التي أنهكت البنى التحتية، وتزايد المديونية والفقر وارتفاع مستويات البطالة مما زاد الاعتماد على الدائنين الدوليين وزاد بالتالي منسوب الارتهان للخارج.
لكن فجأة تغير مزاج الإقليم يبدو على وقع تغير مهم في مزاج القوة الأعظم الولايات المتحدة والتي لم تعد مهتمة كثيراً بصراعات المنطقة، فهذا التغير ربما أطلق قوى المنطقة لتتحرر من هيمنة مصالح تلك القوة لذلك بدأت تتلمس مصالحها في عتمة دروب الصراعات الدموية، إذ انطلق قطار التغيير من بغداد، والتي أطلقت العنان لإعادة تبريد الصراعات، فعُقدت قمة أولى ثلاثية تضمه مع مصر والأردن، تُبعت بقمة لدول الجوار، بالإضافة لحوار سعودي ايراني بواسطة العراق.
لكن التغير الأبرز كان التوجه العربي المتسارع نحو دمشق، فوجدنا وفود المنطقة تتقاطر اليها سراً وعلناً لتصفية الخلافات العالقة، وسقطت في غمرة هذا التزاحم العربي فكرة إسقاط النظام هناك أو تغييره، المحير في الأمر ان ظلالاً من الشك تحوم حول أن مصلحة تلك الدول هي دافعها الوحيد لهذا التقارب، فهذا التسارع يحمل في طياته غموضاً كبيراً لا بد من سبر غوره.
لأجل ذلك لابد من العودة للولايات المتحدة فمع رحلة تقليل تواجدها في المنطقة لابد أنها غيرت وجهات نظرها بالنسبة لبعض الصراعات ومنها سوريا، والواضح انها اكتشفت ان وجود الأسد هو أفضل سيناريو لمصالحها فغيابه سوف يترك سوريا بحالة من الفوضى تمتد لسنوات، فكيف ذلك؟
لا بد للإجابة من جرد حساب لمصالح الولايات المتحدة، فمثلاً داعش التي يُعتبر عداؤها للأسد وعداؤه معها متبادلاً وهو وجودي بالتالي لن تحتاج أميركا لتحفيزه على محاربتها، اما الصراع التركي مع الأكراد فسينتهي بمجرد امتداد قوات الدولة السورية لتلك المنطقة وتمركزه هناك وبالتالي لن يكون مستغرباً أن تدعم الولايات المتحدة هذا التوجه.
أما النفوذ الروسي والإيراني فيبدو أن الضغوط التي قادتها بعض الدول العربية بالذات الأردن ومصر قد نجحت، وفحواها أن فتح قنوات اتصال مع الأسد سوف يوسع خياراته وبالتالي مع الوقت سيقلل اعتماده على هاتين الدولتين مما يسهل بالتالي تضاؤل نفوذهما مع الوقت، أما بالنسبة لأمن إسرائيل فيبدو انها تتفق مع الرؤية الاميركية الجديدة وتسعى إلى تنفيذها.
بناءً على ما سبق فإن المنطقة مرشحة لتطورات قد تبدو غير متوقعة لكنها جزء رئيسي من خطة لتبريد الصراعات إيذاناً ببدء عملية طويلة لإعادة تأهيلها لكن ذلك مشروط بتراجع نفوذ ايران وروسيا فيها ولأجل ذلك تُرسم الخطط وتدار.