أول رئيسة وزراء عربية...مبروك ولكن!
بقلم : د. رلى الحروب
كان بودي أن أبارك لأول رئيسة وزراء في الوطن العربي السيدة نجلاء بودن، فوجودها في هذا المنصب تتويج لنضالات المرأة التونسية والعربية منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكن الظروف التي عينت فيها السيدة نجلاء لا تبشر بخير، بل هي تنذر بالقضاء على أمل الديمقراطية الوحيد في الوطن العربي: تونس، فتعيينها من قبل الرئيس الذي اختزل الدولة بشخصه لا يمكن اعتباره تمكينا للمرأة بقدر ما هو تمكين للرئيس وتبييض لصورته وترميم لرصيده الذي تآكل لدى الكثير من المحايدين الذين كانوا يتطلعون الى تونس باعتبارها صحوة الياسمين العربية.
لا يمكن لنا إلا أن نتخوف من أن تكون السيدة نجلاء حجر شطرنج على رقعة رئيس انفرد بكل السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية بعدما حل البرلمان وأقال الحكومة وعين نفسه نائبا عاما، وعطل احكام الدستور واعلن الطوارئ وفرض أحكاما انتقالية بسبب ما اعتبره ظرفا استثنائيا مع انه ظرف يمكن ان تشهده اي ديمقراطية حديثة، وكان الأصل ان يتم تجاوزه كأي ديمقراطية عبر الحوار والمساءلة وتفعيل المشاركة الشعبية المسؤولة، أما أن يتم الانقضاض على الديمقراطية بهذا الشكل، ليحل الرئيس سعيد محل كل السلطات، ويعين من يريد رئيسا للحكومة بمعزل عن الشرعية الشعبية القادمة من صناديق الاقتراع لبرلمان يفترض به ان يكون صاحب الكلمة الفصل في شخص رئيس الحكومة وفي تشكيل الحكومة كلها، فهو أمر لا يبشر بالخير، حتى وإن كان هذا الرئيس امرأة طال انتظارها في هذا المنصب على امتداد الرقعة العربية.
لو كانت السيدة نجلاء قادمة من رحم البرلمان أو من رحم حزب يحظى بشرعية في الشارع أو كانت ذات تاريخ نضالي لكنا صفقنا طويلا لمثل هذا الخيار، أما أن تأتي ضمن لعبة العودة الى الهيمنة والاستبداد والحاكم الأحد الفرد الصمد والقضاء على آخر أنفاس ثورة الياسمين، فإن هذا يجعلنا نتحفظ وننتظر، وإن كنا نتمنى داخليا أن تكون السيدة نجلاء أكبر من رقعة الرئيس ومن وقفوا خلفه وكانوا السبب في حصده 72% من أصوات الناخبين على الرغم من تواضع رصيده السياسي قبل تلك الانتخابات التي جاءت به رئيسا. أتمنى أن تفاجئنا السيدة نجلاء وتفاجئ الرئيس بمغادرة مربع الهيمنة والانقلاب على الشرعية بأن تسعى الى استئناف عمل البرلمان وتفعيل الدستور والغاء الاحكام الانتقالية، حتى لو كان ثمن ذلك عدم حصولها على الثقة البرلمانية، فإنقاذ مستقبل تونس وديمقراطيتها أهم من أي أشخاص وأي اعتبارات.
لا يمكن التصفيق أبدا لمسار ينسف ثورة الياسمين ويجرف تونس في تيار الثورات المضادة، واللعب على مشاعر شعب فقير يعاني من البطالة وانعدام الفرص في ظل أزمة صحية طاحنة أضرت بالعالم أجمع وليس تونس وحدها حتى وإن كانت الخسائر الإنسانية فيه أعلى من غيرها لا يمكن تفسيره إلا بأنه مؤامرة استثمرها أعداء الديمقراطية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. صحيح ان القوى السياسية فشلت في تحقيق النهضة التي يحلم بها التونسيون، ولكن هذا متوقع في ظل مسار جديد غادرت فيه تونس مربع بن علي إلى خانات جديدة ما زال اللاعبون فيها غير واثقين من أدوات اللعبة وقواعدها، وبدلا من إعطاء الجميع فرصة للتعلم والتطوير والتحسين، تم استثمار نفس الشارع القصير للإطاحة بكل العملية الديمقراطية واستبدال جميع مخرجاتها بأخرى يضعها الحاكم بأمر الله قيس بن سعيد الذي يستعد لإطلاق صواريخ دستورية تنسف ما تبقى من أحزاب وقوى سياسية.
نتمنى من السيدة نجلاء ان يكون اول قرار لها سحب الشرطة و العسكر من أمام مبنى البرلمان والسماح لاعضائه باستئناف نشاطهم في خدمة شعبهم، فالجميع يخطئون، أما إلغاء إرادة المجموع لصالح إرادة الفرد بدعوى مكافحة الفساد، فهو الفساد بعينه.
منذ زمن بعيد وأنا أتوقع أن تطل علينا أول رئيسة حكومة عربية من تونس أو المغرب لأن فيهما حركة نسوية قوية وأحزابا نشطة تشكل حكومات، وهذا ما كان، وفازت تونس بقصب السبق، ولكن، كنت أتمنى أن لا تأتي هذه الرئيسة الاستثنائية في هذه الظروف الغارقة في علامات الاستفهام ومن خلال بوابة التعيين، وكأننا نقول مجددا إن الحاكم الأوحد هو وحده من يملك أن يمنحها هذه المكرمة. كنت أتمنى أن يرشح البرلمان التونسي او المغربي رئيسة وزراء، وهناك الكثيرات ممن ضحين في سبيل أوطانهن، ويتمتعن بخبرات سياسية واقتصادية وجديرات بحمل أعباء المسؤولية.
مبارك للسيدة#نجلاء_بودن، وننتظر مخرجات رئاستها للحكومة كي نتمكن من تعميم المباركة لتونس الخضراء وللمرأة العربية.