الدواء المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج الزهايمر سيساعد على تحفيز الابتكار للتوصل إلى وسائل علاجية شخصية
سبتمبر هو شهر التوعية بمرض الزهايمر، ويشرح الدكتور عمر الأجنف، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، لماذا يجب أن يقترن أول علاج معتمد لمرض الزهايمر منذ 20 عام تقريبًا مع التشخيص المدعوم بالمؤشرات الحيوية ووسائل العلاج الشخصية.
والزهايمر هو مرض عصبي تنكسي يُشخص سريريًا باعتباره شكلاً من أشكال الخرف. وغالبًا ما تُشخص الإصابة بمرض الزهايمر لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق، وهو بداية شكل تنكسي تدريجي لفقدان الذاكرة يؤثر على المرضى وعائلاتهم جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
وعادةً ما يُقدَّم العلاج للمصابين بمرض الزهايمر في شكل أدوية معينة. ويمكن أن يخفف هذا العلاج من فقدان الذاكرة لفترة وجيزة، لكن هذه الأدوية يصاحبها العديد من الآثار الجانبية عمومًا. ويوصي الأطباء بالاستخدام المؤقت لهذه الأدوية لأن آثارها الجانبية تفوق أي تأثير إيجابي قصير المدى.
ولكن هذا العام شهد انفراجةً عندما منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية موافقةً سريعةً على أول دواء جديد لعلاج مرض الزهايمر منذ ما يقرب من 20 عامًا، وهو خبر جيد ومبشر للأشخاص المتعايشين مع المرض وأسرهم. ومثل أي دواء معتمد آخر، توصلت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن فوائد هذا الدواء تفوق مخاطره المحتملة.
ويُعدُ دواء أدوكانوماب، الذي تصنعه شركة بيوجن وشركة إيساي للأدوية، العلاج الأول لوقف تقدّم المرض وإبطاء تأثيره. ويأتي اعتماد الدواء في وقت يشهد معدل وفيات مرتفع للغاية لدى الأشخاص المصابين بالخرف على مستوى العالم بسبب الوباء، وفقًا للبيانات الصادرة عن المنظمة العالمية لمرض الزهايمر.
وعند اعتمادها للدواء، قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إن هناك أدلة "جوهرية" على أن دواء أدوكانوماب، الذي يحمل تجاريًا اسم "أدوهلم"، يقلل من لويحات أميلويد بيتا. وفي دماغ مريض الزهايمر، تتراكم مجموعات غير طبيعية من بروتين يسمى بيتا أميلويد داخل وحول الخلايا العصبية، مما يعطل وظيفتها، ويؤدي في النهاية إلى موت خلايا الدماغ. وعبر إزالة الأميلويد الموجود في الدماغ، يبطئ دواء أدوكانوماب من تقدم المرض، وهو ما يجعله مُجديًا للعديد من المرضى الذين يعانون من الأعراض المبكرة لمرض الزهايمر.
ولم يتوفر دواء أدوكانوماب في جميع أنحاء العالم بعد، لذا لا يزال العلاج التقليدي للزهايمر يُستخدم في بعض الدول، ولكن اعتماد هذا الدواء يمثل تقدمًا ملحوظًا بالفعل. وأنا أشعر بتفاؤل كبير لأنه بات لدينا الآن دواءً معتمدًا من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية يمكن أن يكون فعالاً في المراحل المبكرة من الإصابة بمرض الزهايمر. ويُمَثِل هذا المرض التنكسي المدمر الذي يحدث في الدماغ، وهو أكثر أنواع الخرف شيوعًا، مشكلة رئيسية في جميع أنحاء العالم.
وقد دار بعض الجدل حول قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باعتماد هذا الدواء، وإن حدث هذا من جانب الرأي العام، لكن هذا القرار كان مدعومًا بأدلة علمية مستمدة من تجربتين سريريتين واسعتي النطاق في المرحلة الثالثة ضمت آلاف المرضى. وعلى الرغم من أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اعتمدت الدواء، وهو ما يعكس ثقتهم في سلامته وإمكانية الاعتماد عليه، إلا أنهم سيستمرون في مراقبة استخدامه عن كثب.
ويتطلب مسار الموافقة المُعَجَل الآن من شركة بيوجن إجراء تجربة عشوائية أخرى مضبوطة للتأكد من أن الدواء، الذي يؤخذ في الوريد مرة واحدة شهريًا، فعال سريريًا في إبطاء التراجع الإدراكي.
وبصفتي عالمًا وباحثًا، أعتقد أن هذا الإنجاز البحثي المتعلق بالمرحلة المبكرة جدًا من مرض الزهايمر يمنحنا فرصة أفضل لعلاج المرض. كما أرى أنه من الضروري الآن أن نستمر في إجراء البحوث بغية التوصل إلى أدوية لعلاج جميع مراحل الخرف وجميع أنواعه.
ويتميز الزهايمر بأنه مرض غير متجانس، أي أنه متنوع في الخصائص أو المحتوى، لا سيَّما في المرحلة المتقدمة من الإصابة به. ونادرًا ما يكون للزهايمر سبب واحد وقد تتداخل أعراضه مع أمراض أخرى مرتبطة بالخرف. ويمكن أن يؤدي التشخيص الخاطئ إلى تأخير العلاج أو حتى تلقي علاج غير صحيح.
وتؤكد هذه المخاطر على الحاجة إلى وجود مؤشرات تشخيصية جيدة جدًا للتعرف على الأشخاص المصابين بالمرض في مرحلة مبكرة قبل أن تظهر عليهم أي أعراض سريرية.
وفي الواقع، حدث تقدم كبير خلال فترة الـ 15- 18 شهرًا الأخيرة في تطوير مؤشر حيوي لفحص الدم للتعرف على المرضى المصابين بالزهايمر في المراحل المبكرة. ويقيس الفحص المؤشرات الحيوية التي تعكس في كثير من الأحيان وجود لويحات الأميلويد في الدماغ بالإضافة إلى وجود متغير جيني يزيد من خطر الإصابة بالمرض.
ويمكن أن يؤدي الفحص المسبق للمرضى الذين يخضعون لفحص الدم بدلاً من تصوير الدماغ أو السائل النخاعي إلى خفض التكلفة الباهظة لتجارب الأدوية السريرية. وتتمثل المزايا الأخرى لهذا الفحص في القدرة على إجراء فحص دقيق للمرضى الذين قد يكونون مؤهلين للحصول على أدوية تجريبية.
وتعتبر هذه التطورات مهمة جدًا لمجتمع البحث العلمي مع مواصلتنا لجهودنا البحثية الرامية إلى إيجاد علاج للمراحل المتقدمة من مرض الزهايمر وأنواع أخرى من الخرف الشائع مثل الخرف المصحوب بأجسام ليوي، وداء باركنسون المصحوب بالخرف، وغيرها من الأنواع.
وفي معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لمؤسسة قطر وجامعة حمد بن خليفة، يجري مركز بحوث الاضطرابات العصبية أبحاثًا حول الخلفية الجينية والجينومية التي تعزز من حدوث عدد من الاضطرابات العصبية بما في ذلك مرض الزهايمر.
وتمتلك بحوثنا التي نجريها في المركز القدرة على التأثير بشكل كبير على مظهر الاضطرابات العصبية في قطر والمنطقة، من خلال البحث عن علاجات جديدة وتسريع وتيرة التطور العلاجي بشكل كبير باستخدام تقنيات مثل النمذجة التجريبية للأمراض، وبيولوجيا الخلايا الجذعية، وتحليلات المؤشرات الحيوية المستجدة.
وتُعدُ المؤشرات الحيوية الجديدة ضرورية لتحديد نوع المرض الذي يتطور لدى المرضى وتطوير وسائل علاجية فعالة مصممة بشكل فردي. وفيما يتعلق باكتشاف المؤشرات الحيوية، فإن المجال يتقدم بطريقة واعدة ويحقق فريق مركز بحوث الاضطرابات العصبية تقدمًا هائلاً في هذا المجال المهم.
ومن المؤكد أن اعتماد إدارة الغذاء والدواء لدواء أدوكانوماب، الذي طورته شركة بيوجين، سوف يشجع شركات الأدوية ووكالات التمويل على مواصلة وحتى زيادة الاستثمارات المخصصة لاكتشاف الأدوية للأمراض التنكسية العصبية. ونأمل أن يؤدي ذلك إلى حدوث إنجازات أخرى لتطوير علاج أكثر تخصيصًا لمرض الزهايمر والأمراض العصبية التنكسية الأخرى.
* يشغل الدكتور عمر الأجنف منصب المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
[انتهى]