أينَ جسدُكِ سيدتي.. ملاحظات لإمرأة كاتبة

 

وليد حسني

 

ليس مهما تماما ما تتوقين لفعله أو كتابته، ثمة خطوط حمراء أعرفها تماما لا تسمح لك بالتخلص من جسدك على صفحات كتابك، وثمة تابوهات تعتقدين أن مجرد ملامستها قد تضر بصفتك كأنثى..

 

هل هذا اعتراف متاخر عن استمرار المرأة حبيسة جسدها، وشعورها بأنها لا تملك الحرية الكافية لتقول عن جسدها ما تشعر به، وما تراه وهي تنثر قصة او تنظم شعرا، أو حتى وهي في أدق أسرارها الأليفة لا تجرؤ حتى على البوح بما ترى أنه من الواجب السماح لقلمها ولعقلها بنقل جسدها الى قارئِها.

 

في الأدب الذي تنتجه المرأة في الأردن ثمة تابوهات لا يمكن لها تجاوزها، أدري أن الحكاية تبدأ من النظام الإجتماعي البغيض الذي لا يسمح للمرأة بأكثر من الإغراق في أناها، وفي رمزيتها وكناياتها، هنا الجرأة تصبح مُحرَّمة تماما، ولكنني لا أفهم كيف يمكنني القبول بنص نثري او شعري تقوله المرأة عن  غشيانها دون أن تجرؤ على البوح بلواعج ماكينة جسدها، كيف تراه يعمل، وما الذي يجود لها به من لذائذ تبقيها حبيسة نصها الأدبي وكأنها تسجن كل لواعجها بين الحروف ، وفي تضاعيف الخوف من المارَّة بالقرب من شُباكها.

 

لا يهُمُّك الذي تفتقدينه في نصك سيدتي، وانت تعرفين جيدا أنني لا أحب بالمطلق التجنيس الجندري في الأدب، بالقدر الذي أحب النص مفتوحا بكامل خلجاته وتنوع مُنتجيه، فأنت بالنتيجة كاتبة بعقل وبعواطف ولا بد لك من تغيير المتاح والمعاش، أنت ونصك سيدتي مجرد صرخة صادحة في برية شاسعة ترى كل قواعد المجتمع مجرد قيود تُبقي العقل والعواطف سجينة الموروث والمقدس، والممنوع، والمرهوب.

 

هنا تبدو الجسدانية الضائعة في النص الأنثوي مجرد نوع من الكذب  أو التكاذب المُفتعل على حساب النص المُنفعل، وفي النص الجسداني لا أرى جسدا بقدر ما أرى امرأة بكامل لحمها وفكرها تثوي في عباءة السائد والرائج، وتحتكم بالمطلق لمنطوق الذكورة المهيمنة وقد فرضت كامل سلطتها على انثى تكتب لتنعتق، لكنها تكتشف أنها لا تزال حبيسة شوارب الزوج والأب والأخ، والجار... والمجتمع ذي الشوارب الباذخة في حالة إدعاءٍ لفحولة كاذبة.

 

انعتقي سيدتي من كل هذا الذي يفرض قسوته عليك، دعي جسدك يتحدث، يصرخ، يتلوى، ينهض، يشرئب، يرقص، يعرى، يحتجب، يكتمل وينقص، قولي له هذا بياضُك فتجَمَّل وتجلى، وبغير ذلك سيبقى نصَّك منقوصًا، ومُهادنا، وبشعا ، وسيئا، وقليل الإقناع.

 

الجسدانية في النص الأنثوي تحتاج لجرأة الثائرة، لفضيلة الصراخ في وجه من امتهن نصف الكون الأنثوي، قولي لي باعتباري قارئا مبتدئا أنك في نصك ثائرة بلا قيود لأتبعك، وبغير ذلك سيبقى النص مجردَ فَجيعةٍ من الكلمات، ولربما يكون مجرد مرثاة لإمرأة لا تحسن التمرد والقول والبوح.

 

أنا لا أدعوك هنا للإباحية المطلقة، بالقدر الذي أرغب فيه بالتحديق في نصٍ مُكتملٍ لأنثى تتفرس في جسدها، تقول للقارىء هذا انا بشجاعتي المحضة، هذا هو النص الجريء الذي لا يخاف مقص الرقيب أو شوارب الذكر الذي يعوي باسم الحشمة تارة، وباسم الفضائل العارية تارة ثانية، وهو سيكون أول من يخترق كل تابوهاته ليحشر كل سلطته في جسد أنثى تمنحه القليل من القيمة ذات رغبة شاردة في نصٍ يتوه بحثا عن قارىء.

 

الجسد في النص الأنثوي سيخدم الفكرة تماما إن كان في مكانه وفي وقته، هنا بالذات يَقوَى النص على حمل الجسد الى القارىء دون عناء، واتركي للقارىء حرية التفرُّس فيما بين يديه، وبالنتيجة حين تصبح الجرأة دِيناً وعقيدة فإن النص سيتطوع ليكون حاملا أمينا للرسالة..

 

هل أدعوك سيدتي لقراءة كامل موروثنا العربي لتعرفي أين يقف الأدب الذي تُنتجه المرأة عندنا، أم أنك تدركين كل هذه الإيروسية العربية التي سبقت الإسلام وتنامت في عهده واتسعت في أبهى عصور الدولة الإسلامية، وفي عصر الإنحطاط الذي لا زلنا نعيش في أذياله أصبح مجرد الحديث عن هذا الأدب جريمة يعاقب القانون عليها..

 

اتركي نصك ينعتق حاملا جسدك داخل النص بهيا وحرا، ولا تنظري كثيرا لكل هذه الذكورية والفحولة الكاذبة، قولي للقارىء وبكل صدق أنك لست سيئة حين تتركين جسدك يتحدث ويتجلى في نص هو جزء من روح جسدانيتك المُبدعة..

 

هذه هي بعض خوالجي لإمرأة كاتبة لا أزال أتوه بحثا عن جسدها في نصٍ بدا كاذبا وخائفا ومرتعدا//..