فوضى الأسواق ودور الدولة الأبوي 

بلال العبويني

لا يمكن لأحد أن يجزم أن انفتاح السوق في الأردن كان في صالح المواطنين، فهو إن كان كذلك من ناحية فإنه غير ذلك من نواح عدة وتحديدا ما يتصل بالمواطنين الذين يقعون في الغالب ضحايا لبعض التجار وتحديدا في السلع غير المكشوف سعرها أو تلكالتييعجز الكثيرون عن تحديد مدى جودتها.

كثير من السلع، غير الاستهلاكية بشكل مستمر، كنظارات العيون والسجاد والكهربائيات وغيرها، ثمة مجال كبير ليقع فيها المواطن ضحية لجشع تاجر، سواء من حيث السعر أو من حيث الجودة، ذلك أنه يصعب على المواطن أن يتحقق من مدى السعر والجودة أو حتى من مقارنتها مع غيرها بسبب كثرة الأنواع وتفاوتها وتعدد مصادر انتاجها.

السلع الغذائية، ورغم حالة التنافس فيها، إلا أن الفوضى تشملها في كثير من الأحيان، وغالبا ما تتركز تلك الفوضى في ظروف محددة ومواسم معينة، كرمضان مثلا، ما ينعكس سلبا على المواطن وبشكل مباشر كونه المتضرر الأول والأخير من كل ما له علاقة بالشأن الاقتصادي المحلي.

نحن على أبواب رمضان، ويعلم الجميع أن حال المواطن الاقتصادي لا يسر عدوا أو صديقا، ذلك أن الالتزامات باتت تحاصر الغالبية من كل حد وصوب حتى بات المرء عاجزا عن توفير ما اعتاد عليه من غذاء، ما اضطر الكثيرين إلى تغيير نمط استهلاكهم كالتقليل من شراء الفاكهة مثلا لصالح أغذية أو التزامات أخرى.

رمضان، وبكل واقعية، بات يشكل قلقا حقيقيا للناس، مثلما باتت الأعياد وبدء دوام المدارس والجامعات تشكل قلقا أيضا، ذلك أنها تفرض على الأسر التزامات استثنائية وكبيرة وهم في الأصل غير قادرين على تأمين اليومية منها.

في العام 1998، تم إلغاء قانون التموين، الذي كان من مهامه تحديد وزير التموين قائمة الأسعار ضمن ضوابط وشروط محددة، بعد ذلك التاريخ دخلنا عهد السوق المفتوح "فوضى السوق" الذي ترك الحرية للتاجر في تحديد أسعار سلعه انطلاقا من مبدأ التنافسية.

هذه التنافسية، في كثير من الأحيان تفقد قيمتها بانقلاب بعض تجار سلع معينة أو منتجيها عليها باتفاقهم على سعر محدد لها، ما يجعل المستهلك ضحية لمزاج التاجر أو المنتج دون أدنى تدخل من الحكومة ممثلة بوزارة التجارة والصناعة إلا في حالات نادرة ومحدودة جدا.

اليوم، وزير التجارة والصناعة يعرب القضاه، يعلن أن وزارته لن تتدخل بالأسعار خلال شهر رمضان الذي بات على الأبواب، وفي ذلك رسالة غير مطمئنة للناس وإن كانت مطمئنة بالنسبة للتجار الذين قد يتحفز البعض منهم لفرض الرقم الذي يريده لسلعته.

واقع الناس الاقتصادي سيىء للغاية، ورمضان بات مقلقا لهم، كما أشرنا، وبالتالي هم يحتاجون من الوزير تصريحا مطمئنا حيال نار الأسعار التي يكتوون بها يوميا، وتحديدا أن وصف التموين قد عاد ليترافق مع التجارة والصناعة في الوزارة التي يحمل حقيبتها.

الدور الأبوي للدولة، يجب أن لا ينتهي مطلقا، وفي الحالة الراهنة لأوضاع الناس الاقتصادية، فإن الحاجة إلى هذا الدور باتت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، بالتالي فإن من واجب الحكومة أن تمارس دورها في حماية المستهلك بتحديد سقوف سعرية للسلع جميعها سواء كانت من الأكثر إستهلاكا أو غير ذلك، لأن "اقتصاد السوق المفتوح" يكون وبالا على المستهلك إذا ما اتفق تجار ومنتجون على سعر محدد لسلعة ما، وتدخل وزارة التجارة والصناعة في حال الارتفاع الفاحش غالبا ما يكون متأخرا جدا.//