دَرْسٌ بَلَيِغٌ فِي الوَطَنِيَّةِ: "الِدرَاسَة هِيَ أيضًا مَعْرَكَة!"

 الأكاديمي مروان سوداح
هذا العُنوان الكوري الذي يُشدّد على أهمية نَيْل العُلوم، واعتبار تحصيلها الناجح معركة يجب الانتصار في خِضمِها على العدو الرئيسي، ألا وهو الجَهل، لفت انتباهي الشديد خلال استماعي لآخر الأنباء والتطورات في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، التي كانت وستبقى الحليفة العقائدية الثابتة للقضايا العربية العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين السليبة.
تعرّضت الدولة الاشتراكية الكورية لهجوم شرس ووحشي وشامل منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، في عام 1945، ومرورًا بحرب التحرير الوطنية العُظمى (25 حزيران 1950 – 27 تموز 1953)، وهي ما زالت تتعرض لهذا الهجوم حتى هذه اللحظة، يرافق ذلك عملية عَزل منظمّة بدقّة في المجالات العسكرية، والمدنية، والثقافية، والإعلامية، والإقتصادية، والتجارية وغيرها، تتزعمها قوى كُبرى، كالولايات المتحدة، وتسير إلى جانبها جُملة من دول الغرب والشرق، وحتى بعض الدول "الثالثية". الهجوم الاستعماري السياسي والتشويه الإعلامي وغيره من أشكال الهجمات الحاقدة، ترتدي لَبُوس الشمولية في محاولةٍ منهم لإفناء كوريا، إلا أنهم لم ولن يستطيعوا ذلك، فكوريا جبارة بقيادتها الحكيمة وشعبها الصَلد الملتف من حولها، وقوتها العسكرية المتطورة جدًا والضاربة.
فَقَدَتْ كوريا ملايين كثيرة من الكوريين بين شهداء وجرحى ومشوهين، إذ سَوَّت القوات الغاشمة الغازية لكوريا كل المنشآت بالأرض، فاضطر الشعب الكوري للاختباء في الجبال و"تحت وجه البسيطة"، ومن هناك انطلقوا في عملية التحرير الواسعة الشاملة للانتقام من المُعتدين. ردًا على تلكم الوحشية الإمبريالية، سارعت الأعداد الضخمة من الشبيبة والطلبة للتطوّع في مختلف صنوف القوات المسلحة الكورية، للقتال على الجبهات لدحر العدو من أرض الوطن وإذلاله، انتقاماً لذويهم وأهلهم وشعبهم، بالرغم من أنهم لم يتمّوا سوى نصف دراستهم في الجامعات والمَعَاهد العَالية.
لهذا، جرى في كانون الأول عام 40 زوتشيه (1951م)، البحث في هذه المسألة ودراسة أوضاع الجنود من الطلبة الشباب الذين التحقوا بالجيش الشعبي الكوري في منتصف دراستهم الجامعية والمَعْهَدِّيَة، ونزولًا عند الرأي السديد للرئيس كيم إيل سونغ؛ القائد الأعلى للجيش الشعبي الكوري؛ الذي لاحق شخصيًا وعن كثب، الحقائق على الأرض المتصلة بقضايا هؤلاء المواطنين - الجنود الصِّغار بأعمارهم، إذ اكتشف أن إحدى الوحدات العسكرية لم تنفذ أوامره بتسريحهم، إلا أنه تم في كانون الثاني من العام التالي 41 زوتشيه (شباط 1952م)، تفعيل التوجيهات الرئاسية بسحب الطلبة من الجبهات، وإعادة ابتعاثهم إلى الجامعات والمعاهد العَالية، التي سبق وانضموا إليها لتحقيق طموحاتهم العلمية خدمةُ لوطنهم الزوتشي ولتحريره.
تلخص الهدف من أمر الرئيس بإعادة هؤلاء الطلبة إلى مقاعدهم الدراسية لتوظيفهم فورًا في خدمة قضية التحرير والتقدم العلمي والتكنولوجي الرفيع بأسرع ما يمكن، إذ أكد في توجيهاته أنه "سيكون لدينا الشباب الأفضل، ولكننا قررَنا مواصلة تعليم أصحاب المواهب من أجل مستقبل البلاد". واستطرد قائلًا، بأن كوريا ترد على الحرب التوسعية الإمبريالية والرجعية بالحرب الوطنية التحريرية وتحقيق النصر، إذ نُربي كوادر الوطنيين ليصبحوا أكفّاء، وبخاصة الكَثْرَةُ الكَاثِرَةُ من المواطنين الشباب أصحاب المواهب التقنية، من أجل مستقبل الوطن المُنتصر، لتكون إجادة الدراسة مُهمّة قتالية بالنسبة للطلاب".
في وقت لاحق لتلك الأحداث، التقى الرئيس كيم إيل سونغ بالطلاب في (جامعة كيم إيل سونغ)، الذين عادوا إلى الجامعة بعد انسحابهم من جبهات النِزال، حيث أكد لهم بفكره الثاقب، أن سحق الأعداء بأعداد كبيرة على الجبهة كان مهمة رئيسية لهم، ولكن مهمتهم الرئيسية الحالية إنما تتلخص في إجادة الدراسة. لذا، ينبغي لهم أن ينهمكوا في العملية الدراسية تمامًا بتلك الروح التي كانوا يقاتلون بها العدو في الجبهة منتصرين عليه، رافعين عاليًا الشعار العظيم الخالد: "الدراسة هي أيضًا معركة".
•الكاتب يحمل أرفع الأوسمة الكورية، ومُتخصص في الشؤون الكورية.