المنشورات على وسائل التواصل.. بين التفاعل والتهميش..

كتب محمود الدباس.


هل تقاس قوة وعمق المنشور بكثرة التعليقات؟!.. وهل اصحاب المراكز او الشهادات المتفاعلين هم الحكم والفيصل في ذلك؟!.. 

هذا السؤال تم توجيهه لي يوم امس في احد لقاءات العيد.. من باب انني من بين الناشطين على مجموعات التواصل الاجتماعية.. والمتفاوتة من حيث طبيعة المشارب والاذواق والافكار وحتى الاعمار.. وحيث انني اقوم بنشر العديد من المنشورات.. ابتداءً من النكتة البسيطة.. الى المقاطع المتنوعة.. وصولا الى مقالاتي الشخصية والجُمل والخواطر "الملغومة" والمكتنزة بما وراءها من معاني.. 

فاجبتهم.. بداية هناك مشكلة في تكوين وتأسيس مجموعات التواصل الاجتماعية.. حيث ان العديد منها لا تتكون ولا تتاسس على اساسات ومفاهيم وقواسم واضحة ومشتركة بين الاعضاء.. فالتفاوت الفكري والعمري مثلا تجده واضحا جليا في الكثير من المجموعات.. وهو احد اسباب خروجي انا شخصيا من الكثير منها..
وكوني مشترك في 18 مجموعة منتقاة بعناية على الواتس-اب محلية وعربية ودولية.. ولي حساب على الفيسبوك انشأته منذ عشرة ايام فقط..
ومن خلال مشاهداتي لما انشره انا شخصيا.. اجد منشوري الذي اوزعه على هذه المجموعات.. يلقى رواجا وتفاعلا في مجموعة.. ويلقى كسادا في مجموعة اخرى.. وما بين الرواج والكساد هناك الكثير من المستويات المتفاوته..
وحين ادرس واحلل الوضع بشكل سريع.. الاحظ ان هناك مجموعة متقاربة الفكر.. متجانسة الاهواء والطباع وحتى الاعمار.. تتفاعل بشكل كبير مع منشور معين..
كما اجد ان هناك ممن هم صامتون.. ويفهمون محتوى ومغزى المنشور ويحبونه.. فيقومون بنقله ونشره على مجموعات اخرى.. وهنا دعوني اسجل كم هي سعادتي حين يخبرني صديق او قريب انه شاهد منشوري على مواقع انا لست فيها.. والاجمل انه قام بنشره فلان الذي هو من الصامتين بنظري ونظر الكثيرين..
وتجد ان مجموعات باكملها لم تتفاعل معه تعليقا او حتى نقلا.. 

من هنا اقول بان عقول الناس ليست متشابهة.. وليست على نفس المستوى من الادراك والتحليل والفهم والرغبات.. 
فتجد اناسا يجلبهم المنشور الخفيف ويتفاعلون معه.. لانهم بسيطو النظرة.. وسطحيو الفكر في مواضيع كثيرة..
فلا يغرنك حملة الشهادات او اصحاب المراكز والمناصب.. فهناك الكثير منهم.. تجده الخبير والمبدع والمحلل في مجاله ومركزه وتخصصه.. ولكنه لا يحمل فكرا ولا دراية عميقة في غير ذلك.. فتجده يَنجَّر وينحاز الى الهزيل والسطحي من القول.. ولا يتفاعل مع منشور عميق سياسي او اقتصادي اوفكري او حتى ادبي.. من غير تخصصه او موقعه الذي يشغله..

وهؤلاء.. انا شخصيا اعذرهم.. لأن هذه امكانات عقلية شبه جينية.. وليست مكتسبة او ليس من السهل التطبع والتمرس عليها.. فتنكشف ضحالة فكرهم وسطحيتهم عندما يحاولون المشاركة في العميق من النقاشات.. فما يلبثوا ان يلتزموا الصمت.. ولتعويض ذلك سرعان ما تجدهم يدخلون بكل قوة في اي موضوع بسيط او حتى ساذج او نكتة او حزيرة ليثبتوا وجودهم.. 

وهنا وجب علي العودة الى السؤال الاساس.. الا وهو كثرة المشاركات او نوعية المشاركين.. هل هي الفيصل؟!..
فمن الملاحظ للجميع ان منشورا بسيطا لا فكر ولا عمق فيه.. اذا وقع في مجموعة.. غالبية المتفاعلين فيها هم من محبي هذا النوع من المنشورات.. فتجد الموقع يضج بالتعليقات والردود والضحكات.. وان كان من العميق فكرا ودلالة وصعب الفهم عليهم.. فلن يُلقي احد له بالا..
والعكس صحيح تماما.. اذا وقع المنشوران ذاتهما في مجموعة اخرى تمتاز بالعمق والفكر.. 

لذلك لا تحكم على قوة ورصانة وعمق منشور من كثرة التعليقات او حتى من الاشخاص المتفاعلين عليه.. وانما انظر الى محتوى التعليقات وجودتها ومضمونها..
فقد يكون تعليقا واحدا تحليليا من شخص مشهود له.. يضع بصمة وخاتما على جودة محتوى المنشور.. وفي المقابل تجد عشرات التعليقات السطحية على منشور سطحي تعطيك الانطباع عن المنشور الاساس والاشخاص المهتمين فيه..
ابو الليث..