ما كانت الفتنة: إلا ليتبين الذين آمنوا ويتبين المنافقون


بعد كتابة هذا المقال سيصفني البعض بالتطبيل وسيقّرعني آخرون بتهمة حب البلاد ..فقد أصبحنا نكيل التهم ونشتم كل من يكتب كلمة حق لبلدٍ أطعمنا من جوعٍ وآوانا من خوفٍ وسقانا بعد ظمأ ..شربةً لا ننهل بعدها ماءً أبدا...

ما أطلق عليه قضية الفتنة كانت إثماً ودهاءً وفوضىً بكل ما أوتي الحافرون لأمن هذا البلد من قوة.. بعيداً عن العواطف الجيّاشة التي تأخذكم على مواقع التواصل الاجتماعي من "شيلات.. وتركيب أغانٍ وطنية وإلصاقها بصورٍ " فالعقلانية والتفكير الهادئ المتزن سيجزم لكل متأمل بأن هذا البلد منذ مئة عام لم يسلم من الفتن ما ظهر منها وما بطن وكان دائماً ما يخرج من المؤامرات الانقلابية ومحاولات الاغتيال وألعاب القوة من دول مجاورة ..أكثر قوّة وأشد تماسكاً .. بالعودة إلى ما ورثه الملك عبدالله عن والده الحسين رحمه الله صاحب الشخصية الجذابة من التوازن الدقيق في التعامل مع الجوار ولمعان نجمه لدى العرب والغرب فسرعان ما صار محبوباً وأصبح يشار إليه كرمزٍ للقيادة الشابة الحديثة المجسدة لطموحات وآمال السلام والإسلام المعتدل في الشرق الأوسط .. ليبدأ حينها كيد وكمد إخوة يوسف

ولأننا لا نثق اليوم بأي حرفٍ يكتب بالداخل من أيّ غيور ٍ على هذا الوطن فقد جاءت الشهادة صريحة وبتفاصيل موجعة ومؤلمة لي ولكل من غاص داخلها وتمعّن في ربط الأحداث وتسلسلها المنطقي.. في مقال رأي للكاتب ديفيد اغناشيس (David Ignatius) المكتوب في صحيفة واشنطن بوست والتي يصف فيها كولسات ما حدث مؤخرا في الأردن وملف "الفتنة” وعلاقته ب "صفقة القرن” الفاشلة التي حلم فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل أن تكتمل .
إغناشيس الذي ذكر على لسان مراقبين دهشتهم من التقارير الأولية عن القضية التي اعتقدوا وقتها أن الأردن بالغ في ردة فعله تجاه الخلافات العائلية المرتبطة بالسياسة لكن بعد إعادة تجميع أطراف القصة بشكل مختلف ودقيق والنظر إلى الصورة بشموليةٍ أكثر من عدة مصادر أمريكية وبريطانية وإسرائيلية وأردنية ومن دول عربية .. يظهر جليّاً أن الضغط الذي وقع على الأردن وقيادته الملكية كان حقيقيا ومتزايدا منذ بدء إعداد (دونالد) ترامب لخطته للسلام المجتزأ و المنقوص .

الملك عبدالله تعرض لضغطٍ كبير إبان تسلّم ترمب السلطة لم يخضع له ولم يقدم تنازلات بشأن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين وتمسّ بشكل مباشر وصايته وأجداده الهواشم كحرّاسٍ للمقدسات التي تخص المسلمين جميعاً وأنهى أية شكوكٍ حول استسلامه لأيّ محاولات بالإكراه عندما اجتمع بأبناء شعبه ومصارحتهم بأن هناك ضغطاً خارجياً حقيقياً لكنه لن يرضخ له وبأن القدس "خطّ أحمر"
حملة ترامب منذ تسلمه كانت تدور في فلك تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل والتي أسفرت عن ما يسمى باتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب. ...لكن اللقمة الكبيرة التي طالما تمناها ترامب وصهره كوشنر أكثر من غيرها، كانت السعودية.... ولتعبيد طريقهم ورصّها بالورود بدل المصاعب كان لزاماً عليهم إزالة الأردن ومواقفه الملكية تجاه القدس والمقدّسات والحقوق الفلسطينية كعثرة في طريقهم فكان البديل هو : تقويض الأمن والنظام الأردني ... وتحييد دور الأردن لعقودٍ طويلة كأحد أهم و أقرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة.
تبدّلت الريح الآن وأصبحت نسيماً أرقّ بعد تسلم بايدن منصبه .. واقتلاع جذور نتنياهو التي كانت تعيث فساداً إلى جانب فساده شخصياً والذي شكا منه الداخل الإسرائيلي وعانى منه الفلسطينيون وأثر على مواقف إسرائيل بالخارج على لسان سياسيين ورجال مخابرات من داخل إسرائيل..
بينى غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي و الذي كان يشغل منصب وزير دفاع في الحكومة الإسرائيلية كان قلقاً بشأن تدهور علاقة نتنياهو بالملك عبدالله، لدرجة أنه قام بزيارة سرية إلى عمان لطمأنة الملك في أوائل عام 2021.
وذكر في لقاء له مع مؤيديه عبر تقنية الاتصال المرئي "زووم": "أعتقد أن الأردن حليف مهم لإسرائيل ... وللأسف نتنياهو شخص غير مرغوب به بالنسبة للأردن، ووجوده يضر بتطور العلاقات". في إشارة واضحة إلى قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من وجود محاولات لزعزعة استقرار الأردن.

أما ممثلو أجهزة المخابرات الإسرائيلية (الموساد والشاباك -الشين بيت وأمان ) فقد أرسلوا رسائلهم الخاصة إلى الملك للتنصل من أي مؤامرة تحاك ضده و وفقاً لمسؤول استخباراتي أمريكي سابق قرأ الرسائل، فقد كانت اللغة قريبة من ” هذا ليس نحن، إنه قادم من أمامنا” قاصدين فيه نتنياهو.

عودةً إلى تفاصيل كُشفت عن مؤامرة انقلابية مغلفةٍ بشكل فتنة :

استمد الكاتب أغناشيس وصفه هذا المرة للمؤامرة على القصر من مناقشات مع 10 مسؤولين حاليين أو سابقين لديهم معرفة مفصلة بالأحداث هناك طلبوا منه عدم الكشف عن هويتهم لوصفهم المعلومات الاستخباراتية بالحساسة حول واحدة من أضخم المؤامرات المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

قصة باسم عوض الله وزير التخطيط ورئيس الديوان السابق في الأردن.. بدأت به كبطلٍ من ورق والذي انضم إلى الوفد المرافق لأحد الدول المجاورة بدأ فيها بداية جديدة لتقديم المشورة بشأن خطط الخصخصة والتحديث وبولاءٍ جديد لبلدٍ غير بلده.. فولاء أمثاله ينحصر في من يضع في جيبه بضعة دولارات أكثر .

عوض الله حسب الكاتب اشتكى لضابط مخابرات أمريكي من حالة الإحباط التي يعيشها وليّ نعمته بسبب الخلاف حول الأقصى ... وزعم عوض الله بحسب الكاتب أن "الملك يستخدم المر لتخويفنا والحفاظ على دوره في الشرق الأوسط”.

جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه كان يحلم بطغيان الدعم السعودي والعربي لخطته على المعارضة الفلسطينية والأردنية، التي ظهرت جلّياً في مقال افتتاحي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2019 بقلم مالك دحلان المحامي السعودي في لندن والمقرب من أحد الأطراف المتهمة زاعماً فيها بأن "التكاليف قد تكون باهظة” إذا انهارت خطة كوشنر، وطرح دحلان صيغة تسوية تبدأ باتفاق على حكم القدس تقوم على فكرة ” التدويل التكاملي”.




بالعودة الى الملك عبد الله فسيكون هذا الصيف أول زعيم عربي يلتقي شخصيا مع الرئيس بايدن داخل البيت الأبيض ليوصل له وللعالم كله رسالة مفادها أنّ القدرة على النجاة في خضم الاضطرابات التي لا تنتهي في الشرق الأوسط لا تكون إلا بوقوف الشعب مع قائده ودعمه الدائم لمليكه بدءاً من العشائر التي حاول البعض زجّ اسمها كطرفٍ قد يخون بلده وهو ما ندينه ونرفضه مروراً بأبناء المدن والقرى ووصولاً الى أبناء المخيمات .. ليجد الآخرون ممن حاولوا نفث سمومهم وبثّ أحقادهم خارج المشهد كلّه منتظرين مكالمة هاتفية أو دعوة رئاسية من بايدن




دعاء العبادي
Dabadi@yahoo.com