نادية حلمى تكتب:-القوانين الأساسية الجديدة فى هونغ كونغ حفاظاً على السيادة الوطنية والأمن القومى
نادية حلمى تكتب:-القوانين الأساسية الجديدة فى هونغ كونغ حفاظاً على السيادة الوطنية والأمن القومى
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
جاءت إستضافة الباحثة المصرية على تلفزيون دبى للحديث حول وجهات نظر الصين والحزب الشيوعى الحاكم فى الصين والمعارضين لها، حول (قانون الأمن القومى الجديد فى هونغ كونغ)، حيث أنه بعد إقرار هذا القانون الصينى الجديد، من باب الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، جاءت إحتجاجات عديدة من داخل هونغ كونغ نفسها، ودولياً.
فبعد إقرار أعلى هيئة تشريعية فى الصين بالإجماع، وهى المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى فى ٣٠ يونيو ٢٠٢٠ (قانوناً جديداً للأمن القومى فى هونغ كونغ)، ودخوله حيز التنفيذ فى الإقليم فى نفس اليوم الذى أقر فيه، وذلك قبل منتصف الليل بقليل.
وعملت حكومة بكين على تشديد الرقابة على (هونغ كونغ) كمنطقة إدارية ذاتية الحكم فى البلاد، بإقرارها قانون (الأمن القومى)، الذى أتت ظروفه بعد أن شهدت (هونغ كونغ) موجات متعددة من التظاهرات، وبعد أن أخذت الإحتجاجات حجماً ونطاقاً غير مسبوقين فى عام ٢٠١٩، وقبيل تفشى جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، بإستمرارها سبعة أشهر وتخللتها مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة وقوات مكافحة الشغب فى الإقليم.
وبهدف وأد والحد من نطاق هذا الحراك نهائياً أقرت حكومة بكين فى أواخر شهر يونيو ٢٠٢٠ (قانون الأمن القومى فى هونغ كونغ)، كخطوة إتهمها فيها الناشطين والمعارضين لبكين فى (هونغ كونغ) بأن بكين قد تجاوزت صلاحيات البرلمان المحلى للمدينة.
وتم إفتتاح (مكتب حماية الأمن القومى) رسمياً فى (هونغ كونغ) يوم ٨ يوليو ٢٠٢٠. ومن هنا، باتت الحكومة الصينية تمتلك الآن ذراعاً للأمن القومى فى هونغ كونغ.
وبعد أن أنشأت الحكومة المركزية الصينية مكتباً لحماية الأمن القومى فى قلب (هونغ كونغ) لضمان تمرير البنود الجديدة للأمن القومى، عملت على توسيع صلاحياته، حيث (لا يخضع المكتب وموظفوه لولاية هونغ كونغ)، وهذا يعنى أن أى إجراءات، بما فى ذلك عملياته فى المدينة، لا تخضع للمراجعة من قبل المحاكم المحلية أو تخضع للقوانين المحلية. ولا يخضع موظفو المكتب للرقابة أو التفتيش أو الإحتجاز من قبل سلطات إنفاذ القانون المحلية فى هونغ كونغ. ويتمتع المكتب وموظفوه فى الواقع بالحصانة الكاملة. بغض النظر عن الجرائم أو إنتهاكات حقوق الإنسان التى يتهمون بها، فى إنتهاك لحقوق الضحايا فى العدالة، وإثبات الحقيقة والحصول على تعويضات كاملة.
وبشكل عام، يعاقب القانون الصينى الجديد للحفاظ على الأمن القومى فى هونغ كونغ أعمال (التخريب، النزعة الإنفصالية، الإرهاب، التعامل مع قوى أجنبية)، ويواجه من ثتبت إدانته بتلك الجرائم، أحكاماً تصل إلى السجن المؤبد.
وتترك الصياغة المبهمة لهذا القانون من وجهة نظر المعارضين له هامشاً كبيراً لتفسيرات مختلفة وقد خلقت جواً من المخاوف فى مدينة إعتاد سكانها التحدث بحرية خلافاً لما هى عليه حال مواطنيهم فى البر الرئيسى للصين، نظراً لظروف هونغ كونغ السابقة كجزء من الإستعمار البريطانى، وعلاقاتها الدولية الوثيقة.
ومن هنا، كانت وجهة نظر المعارضة فى هونغ كونغ والدول الغربية الأخرى من الرافضين للقانون الصينى الجديد، بأن القانون الجديد يهدد الإستقلالية القضائية والتشريعية لهونغ كونغ، والحريات التى يفترض أن يتمتع بها سكان المدينة حتى عام ٢٠٤٧، بموجب مبدأ "بلد واحد بنظامين" الذى وافقت عليه الصين حين إستعادت السيطرة على المستعمرة البريطانية السابقة.
ولكن جاءت وجهة نظر حكومة بكين، بأن حماية حقوق الإنسان هى شىء منصوص عليه فى (القانون الأساسى لهونغ كونغ)، بموجب (المادة ٣٩ فى القانون الأساسى والمواثيق التى شرعها القانون).
وتدافع حكومة بكين بأن (هونغ كونغ) مازالت تتمتع بمستوى عالٍ من الحرية المدنية. حيث تحترم حكومة (هونغ كونغ) بشكل عام حقوق الإنسان، على الرغم من أن القضايا الأساسية التى لا تزال قائمة ومحل خلاف بين الناشطين المعارضين للصين وحكومة البر الرئيسى للصين فى بكين.
وطرحت أسئلة على السلطات فى البر الرئيسى للصين فيما يتعلق بحق الخصوصية، وقضية المراقبة السرية للمعارضين والناشطين، كواحدة من مصدر القلق الرئيسى بين الحكومة الصينية والمعارضين لها فى هونغ كونغ.
كذلك ظل الخلاف الرئيسى بين البر الرئيسى للصين وناشطى (هونغ كونغ) بسبب قانون (حماية حق حماية المثليين) الذى يدافع عنه المعارضين للصين فى هونغ كونغ، بسبب عدم وجود قانون تجاه التوجهات الجنسية المختلفة. فضلاً عن وجود تعليقات أيضاً وإنتقادات لبر الصين الرئيسى، حول (الإهمال فى حقوق العمال فى هونغ كونغ)، ويتهم هؤلاء المعارضين حكومة بكين بإنتهاكها وإختراقها لقوانين هونغ كونغ الإدارية الأساسية، بموجب الملحق الأول (القسم الحادى عشر) من الإعلان الصينى البريطانى المشترك.
ونجد أن (القانون الأساسى لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة) عدل بموجب القانون الأساسى، لذلك نجد أن (الوثائق الدستورية لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة)، وبعض الحقوق والحريات لسكان هونغ كونغ (بما فى ذلك كلاً من المقيمين الدائمين والمقيمين غير الدائمين) مضمونة ومصونة فى الفصل الثالث من القانون الأساسى لمدينة هونغ كونغ الإدارية الخاصة ذاتية الحكم.
وبعد إقرار المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى قانون الأمن القومى الخاص بحرية الصحافة، وتشديد الرقابة على الكيانات الإعلامية الأجنبية، أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنها قررت نقل خدماتها المتخصصة بالأخبار الرقمية من (هونغ كونغ) إلى (كوريا الجنوبية)، مما يتعين معه نقل ثلث موظفيها، بسبب مخاوفها من إجراءات قانون الأمن الصينى الجديد. وأرسل المسؤولين التنفيذيين فى صحيفة "نيويورك تايمز" مذكرة إلى الموظفين، نشر الموقع الإلكترونى للصحيفة الأمريكية مقتطفات منها، أن "قانون الأمن القومى الجديد فى هونغ كونغ أوجد الكثير من عدم اليقين بشأن ما ستعنيه القواعد الجديدة لعملياتنا وصحافتنا".
وأضاف المسؤولون فى مذكرتهم لموظفيهم فى هونغ كونغ، بأننا: "نشعر أنه من الحكمة وضع خطط طارئة والبدء بتوزيع محررينا فى المنطقة".
مع العلم، أن صحيفة "نيويورك تايمز" كانت تتخذ من (هونغ كونغ) منذ عقود، مقراً إقليمياً فى (هونغ كونغ)، يتولى تغطية أخبار آسيا، وقد توسع نطاق عمل هذا المقر فى الآونة الأخيرة ليشمل المساهمة فى تحرير الموقع الإلكترونى الإخبارى التابع للصحيفة.
لذا، كان قرار الصحيفة الأمريكية بنقل مقرها إلى عاصمة كورياالجنوبية (سيول) بدءاً من العام المقبل، وبالأخص طاقم خدمتها الرقمية، أى حوالى ثلث موظفيها العاملين فى (هونغ كونغ). وتعد صحيفة "نيويورك تايمز" أول وسيلة إعلام دولية تقدم على مثل هذه الخطوة الجذرية منذ فرضت الصين فى نهاية يونيو ٢٠٢٠ على (هونغ كونغ)، ما يعرف ب (قانون الأمن القومى).
وبعد أن فرضت السلطات الصينية القانون الجديد للأمن القومى، لعبت الصحافة الأجنبية دوراً فى تأجيج الصراع بين السلطات الصينية والمعارضين فى هونغ كونغ، تحت عناوين تجاوزات بكين لمجلس التشريع المحلى فى هونغ كونغ، والذى كان يجب أن يخضع للمناقشة مع بر الصين الرئيسى.
وهناك العديد من أسباب القلق المحلى فى هونغ كونغ والدولى من قانون الأمن القومى الجديد فى البر الرئيسى للصين، وعلى رأس تلك التخوفات، هى: أن جملة وصياغة "تعريض الأمن القومى للخطر"، يعنى أى شىء تقريباً بموجب هذا القانون الجديد بدون تحديد، حيث يعاقب على الأفعال التى تقود إلى "الإنفصال" و "التخريب" و "الإرهاب" و "التواطؤ مع قوى أجنبية" بعقوبات قصوى تصل إلى السجن مدى الحياة. لكن هذه الجنح واسعة التعريف - من وجهة نظر المعارضين للقانون الصينى- بحيث يمكن بسهولة أن تنطبق على جميع المخالفات المنظورة أمام محاكمات ذات دوافع سياسية مع إحتمال فرض عقوبات ثقيلة على مرتكبيها.
وسبق أن أعرب مكتب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وهيئات الخبراء مراراً وتكراراً عن مخاوفهم بشأن قانون الأمن القومى، مشيرين إلى أن التشريعات ذات الصيغة الفضفاضة يمكن أن تؤدى إلى "تفسير وإنفاذ تمييزيين أو تعسفيين يمكن أن يقوضا حماية حقوق الإنسان".
وجاء الرد الصينى الرسمى والحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على تلك الإنتقادات والتخوفات، بأن الحكومة المركزية الصينية وحكومة هونغ كونغ يخشون من الأفراد ومنظمات المجتمع المدنى فى هونغ كونغ، من الذين يتلقون التوجيهات من قبل "جهات أجنبية" فى أنشطتها، مثل التنظيم والمشاركة فى الإحتجاجات السلمية، وتلقى التبرعات لإنتقاد الحكومة. ومن المحتمل أن يتعرض أى شخص يشارك فى هذه الأنشطة لجملة الإتهامات "بالتواطؤ مع قوى أجنبية" و "الجرائم" الجديدة الأخرى.
وإستند ناشطين فى هونغ كونغ على الحكم الصادر فى عام ٢٠١٧، عندما حكمت محكمة فى الصين على المعارض (وو جان) بالسجن ثمانى سنوات، بسبب إنتقاداته العلنية للحكومة الصينية على شبكة الإنترنت كدليل على "تقويض" سلطة الدولة الصينية.
وجاء تطبيق قانون الأمن القومى رسمياً فى هونغ كونغ من خلال إلقاء القبض على أفراد من هونغ كونغ لحيازتهم أعلام وملصقات ولافتات تحمل شعارات سياسية. وكذلك إتهام الشرطة والمسؤولون فى بر الصين الرئيسى وهونغ كونغ، بأن تلك (الشعارات، القمصان، الورق الأبيض، الأغانى) لنشطاء هونغ كونغ يمكن أن تعرض الأمن القومى الصينى للخطر، وتؤدى بأصحابها إلى الملاحقة الجنائية.
وبعد يومين من تمرير القانون الجديد للأمن القومى، أعلنت حكومة هونغ كونغ أن شعارات، مثل: "حرروا هونغ كونغ، ثورة عصرنا"، وهى الشعارات السياسية المشتركة خلال إحتجاجات عام ٢٠١٩، بأنها "تحرض ضمناً على إستقلال هونغ كونغ"، أو على "فصل هونغ كونغ عن الصين". لذلك، حظرت إستخدام تلك الشعارات بشكل تام.
كما أن قانون الأمن القومى الصينى الجديد يشدد الرقابة أيضاً على (التعليم، الصحافة، وسائل التواصل الإجتماعى) فى هونغ كونغ، حيث يمنح القانون الجديد، بإسم الأمن القومى، كلاً من (الحكومتين المركزية الصينية وحكومة هونغ كونغ)، سلطات موسعة جديدة للإشراف على المدارس والمنظمات الإجتماعية ووسائل الإعلام والإنترنت فى هونغ كونغ وإدارتها.
وقد أعربت وسائل الإعلام عن مخاوف بشأن التأثير المحتمل للقانون على حرية الصحافة فى هونغ كونغ. فعلى سبيل المثال كما ذكرنا وأشرنا سابقاً، فقد قررت صحيفة "نيويورك تايمز" نقل بعض موظفيها العاملين فى هونغ كونغ إلى كوريا الجنوبية.
ويخشى الكثيرون من تطبيق تدابير مماثلة لتلك الموجودة فى البر الرئيسى للصين للسيطرة على الصحفيين الأجانب. وفى الوقت الحالى، يتعين على الصحفيين الأجانب الحصول على إعتماد من الحكومة الصينية قبل أن يتمكنوا من العمل بشكل قانونى فى البر الرئيسى للصين.
كما حاولت حكومة هونغ كونغ تقييد حرية الطلاب فى هونغ كونغ للتمتع ببعض الحقوق فى الحرم الجامعى، خوفاً من تفشى وإندلاع بعض الإحتجاجات الطلابية.
مع تأكيد (مسؤولى التعليم المحلى فى هونغ كونغ)، بأن "الطلاب لا ينبغى لهم أن يغنوا الأغانى أو يرددوا الشعارات أو ينظموا فعاليات تتضمن رسائل سياسية".
مع تشديدهم، بأنه "حتى مناقشة القضايا السياسية فى الفصول الدراسية يمكن أن يخلق الآن مخاطر".
ويمنح القانون الجديد للأمن القومى فى الصين أجهزة إنفاذ القانون سلطات (إزالة المحتوى على الإنترنت، أو الحصول على بيانات المستخدم دون إذن قضائى).
ورداً على هذه السلطات التنفيذية الجديدة وغير المقيدة، علقت منصات رئيسية على الإنترنت فى هونغ كونغ، مثل: (واتس آب، تويتر، لينكد إن، فيس بوك، جوجل) وغيرها، النظر فى الطلبات المقدمة من حكومة هونغ كونغ للحصول على بيانات المستخدمين.
ووفقاً للقانون أيضاً، يمكن نقل الأشخاص إلى البر الرئيسى للصين لتقديمهم لمحاكمات تحت إشراف السلطات الصينية المركزية.
والفكرة هى أنه بموجب قانون الأمن القومى الجديد، يمكن ترحيل المشتبه بهم من هونغ كونغ إلى البر الرئيسى للصين، والتعامل معهم قضائياً ضمن (نظام القضاء الجنائى فى البر الرئيسى)، ومحاكمتهم بموجب القانون الصينى النافذ. هذه الإمكانية، هى نفسها التى أشعلت سلسلة إحتجاجات واسعة النطاق منذ منتصف عام ٢٠١٩.
ويمكن أن يؤدى الإتهام بإرتكاب جريمة تتعلق بالأمن القومى فى البر الرئيسى إلى الإعتقال التعسفى أو حتى السرى. وقد لا يتمكن المتهمون من الإتصال بعائلاتهم وقد يتركون دون إتصال بمحامين من إختيارهم إذا وضعوا رهن "الإقامة تحت المراقبة فى مكان محدد"، وهو إجراء يمكن المحققين فى البر الرئيسى للصين من إحتجاز الأفراد خارج نظام الإحتجاز الرسمى لفترة تصل إلى (ستة أشهر).
وتؤكد صياغة قانون الأمن القومي فى هونغ كونغ نفاذ الإختصاص القضائى على الأشخاص من غير المقيمين فى هونغ كونغ، وحتى على أولئك الذين لم تطأ أقدامهم أرض البلاد.
وهذا يعنى، أن أى شخص على وجه الأرض، بغض النظر عن جنسيته أو مكان تواجده، يمكن إعتباره عملياً قد إنتهك هذا القانون ويواجه الادإعتقال والمحاكمة إذا كان فى ولاية قضائية صينية، حتى لو أثناء العبور. ويمكن ترحيل المتهمين من الرعايا الأجانب الذين لا يقيمون بشكل دائم فى (هونغ كونغ) حتى قبل أى محاكمة أو صدور حكم.
فعلى سبيل المثال، يمكن مطالبة (شركات وسائل التواصل الإجتماعى) بإزالة المحتوى الذى تعتبره الحكومة الصينية غير مقبول، حتى إذا نشر خارج هونغ كونغ، أو إذا كانت مكاتب وخوادم الشركات موجودة فى بلدان أخرى.
ومن هنا، تتمتع سلطات التحقيق بصلاحيات جديدة واسعة النطاق
بموجب القانون الجديد للأمن القومى الصينى، بحيث يمكن لسلطات التحقيق الصينى (تفتيش الممتلكات، تقييد السفر أو حظره، تجميد الأصول أو مصادرتها، فرض الرقابة على المحتوى عبر الإنترنت والمشاركة فى عمليات المراقبة السرية، بما فى ذلك اعتراض الإتصالات) كل ذلك دون أمر من المحكمة، وفقاً لمحتوى القانون الجديد.
ويمكن للسلطات أيضاً أن تطلب معلومات من المنظمات والأفراد، حتى لو أدت المعلومات المعنية إلى تجريم الذات. ويمكن أن يؤدى عدم الإمتثال للطلب الصينى إلى فرض غرامة أو حتى السجن. وبهذا، تزيل القضايا المتعلقة بالأمن القومى بشكل أساسى حق الشخص بإلتزام الصمت، وهو عنصر أساسى فى إفتراض البراءة.
وخول القانون الجديد للأمن القومى الصينى، كلاً من (أجهزة ووكالات إنفاذ القانون وحماية الأمن القومى، وضباط الأمن القومى فى البر الرئيسى للصين) أن يراقبوا بشكل منهجى المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين.
وبعد أن أصبح لدى حكومة هونغ كونغ هيئات غير خاضعة للرقابة بموجب قانون الأمن القومى، فقد
أنشأت حكومة هونغ كونغ هيئة جديدة أخرى، تعرف ب (لجنة حماية الأمن القومى)، يقدم لها "المشورة" مندوب عن الحكومة المركزية الصينية.
تتمتع هذه اللجنة بسلطة إنتقاء موظفين فى (هيئات إنفاذ القانون والملاحقة القضائية) لتولى متابعة القضايا المتعلقة بالأمن القومى. كما تتجاوز عملية إقرار ميزانية وتعيين موظفى لجنة حماية الأمن القومى التدقيق التشريعى. ويمكن للرئيس التنفيذى لهونغ كونغ، وهى السيدة/ كارى لام، تعيين قضاة للتعامل مع قضايا الأمن القومى بطريقة يبدو أنها تقوض إستقلالية القضاء.
وبموجب القانون الجديد، لا يتعين على اللجنة الكشف عن عملها. ولا تخضع قراراتها للمراجعة من قبل المحاكم.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت قوة شرطة هونغ كونغ قسماً جديداً للأمن القومى يمكنه إجراء عمليات المراقبة السرية دون رقابة قضائية.
ومن هنا يمكن القول، إن هذا يعنى أنه لا يمكن للجمهور إستخدام الإجراءات القانونية كأداة رقابة ضد السلطة وإلتزامات هونغ كونغ القانونية.
ومن هنا، فقد إعتقلت (شرطة مكافحة الشغب) رجلًا كان يحمل لافتة تحذيرية حول قانون الأمن القومي خلال تظاهرة فى الأول من يوليو ٢٠٢٠.
ويمنح القانون حصانات وإعفاءات كبيرة لمؤسسات الأمن القومى وموظفيها، وينص صراحة فى الواقع على أنه "يتفوق على أى قوانين فى هونغ كونغ فى حالة النزاع بينهما". وهذا يعنى أنه يمكن إعتبار أن قانون الأمن القومى يبطل أى حماية قائمة لحقوق الإنسان فى الإقليم.
ويتضمن قانون الأمن القومى الصينى (بنداً مماثلاً) فيما يتعلق بإحترام حقوق الإنسان، ولكن هذا لم ينص صراحةً على توفير حماية تذكر للأشخاص المستهدفين.
وبعد إقرار القانون الجديد، سعت مدينة هونغ كونغ إلى (إلزام مواطنيها بتقديم أسمائهم الحقيقية وتفاصيلهم الشخصية)، بموجب (مقترح خاص بالتسجيل الإلزامى لشرائح الهاتف الذكية داخل المدينة).
وأصدرت هونغ كونغ إستطلاعاً للرأى بشأن ذلك النظام الجديد، والذى تسعى من خلاله إلى مكافحة الجريمة فى المدينة التى تحكمها الصين.
والتطور الأهم، هو (إيقاف الصين الإعتراف بجوازات السفر البريطانية لسكان هونغ كونغ)،
وبموجب نظام التسجيل الجديد، فإن وكالات إنفاذ القانون، مثل: الشرطة والهجرة وسلطات مكافحة الفساد باتت ستتمتع بصلاحية الحصول على سجلات المواطنين دون الحصول على أمر من المحكمة فى الحالات العاجلة أو الطارئة، ولكن سيتطلب منها فقط الحصول على موافقة من ضابط برتبة أعلى أو بدرجة "مشرف"، وفقاً لما نشرته صحيفة "ساوث تشيننا مورننغ بوست" الصينية، ومقرها فى هونغ كونغ.
وبينما تمتلك العديد من الدول هذا النظام الخاص بشرائح الهاتف الذكى، فإنه من المرجح أن يثير المخاوف بشأن إختراق خصوصية المستخدمين، إذ يخشى بعض الناس فى هونغ كونغ أن مثل هذا التغيير قد يساعد فى قمع المعارضة التى عارضت فرض بكين قانون الأمن القومى الشامل فى يونيو عام ٢٠٢٠.
وفى الوقت الحالى، فإن مستخدمى الهاتف الذكى الذين أمضوا عقود خدمة بطاقات "السيم" هم فقط المطالبين بتسجيل تفاصيلهم الشخصية والفعلية فى هونغ كونغ، على الرغم من أنه يمكن لأى شخص شراء شريحة إتصال مسبقة الدفع من معظم المتاجر الصغيرة.
وأوضحت الحكومة فى بيان أن النظام الجديد الذى تسعى إلى تطبيقه يهدف إلى (منع المجرمين من إخفاء هوياتهم)، ووضع حد "لأداة شائعة تستخدم فى إرتكاب جرائم خطيرة وعنيفة تهدد السلامة العامة".
كما أكد (مكتب التجارة والتنمية الإقتصادية) فى وثيقة إستشارية أن نظام التسجيل الجديد والمقترح يسعى إلى تنظيم خدمات شرائح الهواتف الذكية بشكل أفضل، ولفت إلى أن بطاقات الدفع الفورى المجهولة الهوية سمحت للمجرمين بالتهرب من الكشف عن هويتهم عند إرتكابهم جرائم، مثل: عمليات النصب عبر الهاتف.
وتم تحديد موعد ٢٨ فبراير لعام ٢٠٢١، كموعد نهائى للتعليق على التسجيل الإجبارى المقترح، والذى سيتطلب من المستخدمين تقديم أسماء كاملة ووثيقة هوية.
وخلال الأشهر الأخيرة، عززت الصين أجهزتها الأمنية فى المستعمرة البريطانية السابقة (هونغ كونغ)، وأنشأت وكالة أمنية ذات صلاحيات واسعة تتجاوز رقابة المحاكم فى المدينة.
والحادث الآن فى هونغ كونغ، هو أن هناك محامون وباحثون وصحفيون وقساوسة وعاملون فى منظمات غير حكومية قد أدينوا جميعاً بجرائم تتعلق بالأمن القومى لمجرد ممارسة حريتهم فى التعبير ودفاعهم عن حقوق الإنسان.
ولقد بررت الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ (كارى لام) إمكانية (تقييد حقوق الإنسان بإسم الأمن القومى)، بما فى ذلك الأساليب التى تنتهك المعايير الدولية.
وبسبب قانون الأمن القومى الجديد فى هونغ كونغ، فقد أغلق العديد من مواطنى هونغ كونغ الذين كانوا يشاركون الأخبار عبر الإنترنت حول الإحتجاجات بإنتظام منذ يونيو ٢٠١٩ حساباتهم على وسائل التواصل الإجتماعى خوفاً من إنتهاك القانون، بينما أزالت المتاجر والمطاعم اللافتات والملصقات التى سبق أن نشرتها لدعم الحركة الإحتجاجية قبل سريان القانون. وفى غضون أيام، بدأت المكتبات العامة فى فرز الكتب التى تتناول قضايا "حساسة" لمؤلفيها من الناشطين المنتقدين للحكومة.
ووجدت ملصقات تحمل رسائل داعمة ل (الحركة المؤيدة للديمقراطية فى هونغ كونغ) ممزقة على حائط خارج مطعم فى الإقليم.
وبعد مرور ساعة على إقرار القانون الجديد للأمن القومى، فقد إنسحب الناشط البارز (جوشوا وونغ) من (مجموعة ديموسيستو المؤيدة للديمقراطية) التى كان أحد قياداتها، ولاحقاً أعلنت (حركة ديموسيستو) عن حل نفسها، وأعلن قيادى رئيسى آخر هو (ناثان لو)، عن مغادرته هونغ كونغ، خاصةً مع شعوره بالقلق من أن إستمرار عمله فى مجال كسب التأييد الدولى فى هونغ كونغ يمكن أن يشكل تهديداً وشيكاً لسلامته الشخصية.
وفى غضون أسبوع واحد على سن القانون، تم حل (سبع مجموعات وحركات سياسية نشطة) على الأقل داخل هونغ كونغ.
ودافعت حكومة بكين عن وجهة نظرها، بإعتبار أنه من المسلم به أن لكل حكومة الحق والواجب فى حماية مواطنيها وأن لدى بعض الدول مخاوف أمنية معينة.
ومن الواضح تماماً، أن قانون الأمن القومى فى هونغ كونغ هو دليل على إستخدام الحكومة لمفهوم "الأمن القومى" لوقف المعارضة السياسية، بالتوازى مع وقف كافة المجالات والأنشطة التى يشارك فيها المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية بث التقارير الإعلامية الناقدة والمجتمع المدنى بشكل عام فى الإقليم.