مروان سوداح يكتب:- كوفيد/19 يُعمّق البطالة في أمريكا!

 تدقُ وسائل الإعلام الأمريكية طُبول التحذير جراء تفشي البطالة في حدود بلادها، بما لم يكن الحال عليه منذ عهد بعيد. المُلاحَظ، أن هذه الوسائل تتحدث عن أزمة البطالة وكأنها شكلٌ من أشكالِ الأزياء الأمريكية اليومية، وظاهرة تاريخية طبيعية ومقبولة!
 في تلك الأجواء، انتقد مُقدِّم البرنامج الحواري الشهير، جون أوليفر، الحكومات المحلية لمواقفها "غير الملتزمة بمسؤولياتها" في التعامل مع هذه المشكلة، ووصف أزمة البطالة بأنها "نتيجة اختيار مُصطنع"، بينما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيديرالي، المدعو باول، أن أزمة البطالة في بلاده أخطر بكثير مما تبدوعليه في ظاهر الأمر، والطريق إلى الانتعاش الاقتصادي "مليء بالشكوك".
 كذلك، تُحذّر "سي إن إن"، مِن أن مشكلة البطالة في البلاد الأمريكية المترامية الأطراف شرقًا وغربًا، هي أخطر بكثير مما تبدو عليه للعيان، إذ تكمن وراء بيانات البطالة المرتفعة، الظروف المعيشية المُرِعبة للفئات ذات الدخل المنخفض، وبعضها لا يتمكن حتى من تلبية المتطلبات الأساسية لمعيشته اليومية!
 لم نكن نتصور أن يدنو ذلك اليوم الذي تعترف فيه "أمريكا العظيمة" و"أرباب اقتصادها الأعظم في العالم"، بمصاعبها الكاشفة عن اهتزاز أركان مجتمعها، وتَزَلزُل وحدته على خلفية طبقية، بعدما رُوِّجَ طويلًا لمجتمع العم سام كَـ "مجتمع الرخاء والفرص العظيمة". فبرغم المكانة الطليعية للاقتصاد الأمريكي خلال عقود خلت، إلا أن الصحافة هنالك باتت تعترف علانية بجائحة من نوع آخر تضرب بلادهم، تُسمّى جائحة الأعمال، وتصفها حرفيًا بِـ "أخطر بكثير مما تبدو عليه". 
 وعلى الرغم من أن الكونغرس أقر مؤخرًا مشروع قانون حزمة التحفيز الاقتصادي الجديدة، والتي تتضمن تمديد إعانات البطالة؛ إلا أن فضاء الإعلام والأوساط الاجتماعية واصلوا توجيه سهام انتقاداتهم صوب الواقع الاقتصادي المتراجع، ووصفوه بِـ "الطويل والمؤلم". فاستمرار حصول الأمريكيين على إعانات البطالة يَعني على الأرض وفي الطبقات الوسطى والدنيا، أن السياسة الاقتصادية "فاقدة لمعناها"، ذلك أن البيانات الرسمية تبيّن أنه وبالرغم من أن عدد الأشخاص المتقدمين للحصول على إعانات البطالة "لأول مرة" قد انخفض بشكل كبير، مقارنة مع وقت الذروة، الذي بلغ فيه عدد الأشخاص سبعة ملايين في بداية جائحة كورونا، إلا أن البيانات كانت مستقرة عند أكثر من 700 ألف في الأشهر الأخيرة، وهي لا تزال نحو أربعة أضعاف مقارنة بما كانت عليه قبل الوباء، ما يكشف عن أن الانتعاش الاقتصادي الموعود، وإعادة سوق العمل إلى "أسرع دوران"، ما زالا بعيدين عن المنال.
 وفقًا للبيانات الأحدث الصادرة عن مكتب الإحصاء لوزارة التجارة الأمريكية، نكتشف أن الثلث من الـ20 مليون شخص ممن يتقدمون للحصول على إعانات البطالة في أمريكا، قاصرون عن تحمل النفقات الأساسية للمعيشة، مثل الطعام والسكن والرعاية الطبية. ومن بين هؤلاء الأشخاص مُعيلو عائلات وأطفال، إذ قال 75% منهم إن أطفالهم "لا يحصلون على طعام كافٍ" ليأكلوه أحيانًا أو في كثير من الأحيان. بالإضافة إلى ذلك، كشف 16% مِن المستأجرين وطالبي القروض، الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، عن أن جيوبهم خلت من نقود لدفع الإيجار أو سداد أقساط القرض العقاري للشهر التالي، وكانوا على وشك مواجهة الإخلاء قسرًا.
 في شق آخر، تعاني الأقليات العرقية أكثر من غيرها اقتصاديًا. فوفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية، انخفض معدل البطالة الوطني إلى 6.2% في فبراير العام الجاري، إلا أن معدل البطالة بين المواطنين البيض كان أقل بكثير من 5.6% من المتوسط، في حين أن معدل البطالة في أوساط الأمريكيين السود وصل إلى 9.9%، ومعدلها بين الأمريكيين من أصول "لاتينية" شكّل 8.5%. 
 منذ بداية تفشي كورونا، تلقت الإدارات المَعنية في فرجينيا، ما يقرب من 1.5 مليون طلب إعانة من البطالة، ولم يكن لدى الإدارات الحكومية ما يكفي من الموظفين لمتابعة هذا العدد الكبير، وتسبب ذلك في تعطّل مُتكرّر للمواقع التي لم يتم تحديثها لسنوات عديدة، ما أفضى إلى تأخّر الحكومات المحلية في إيجاد حلول لهذه المُعضلة المُجتمعية، وفي المحصلة يأمل هؤلاء الفقراء أن تدنو ساعة يكون النظام الأمريكي عادلًا في خدمة مواطنيه ولأجل أن يتمتعوا بالحقوق كاملة، فهم اليوم لا يُصدّقون إدّعاءات "الإعلام الوطني" بِما يُسَمِّيه "المساواة الكاملة في الحقوق بين المواطنين"!