د. حازم الراوي يكتب :في ضوء التهديدات الإسرائيلية ضد طهران

في ضوء التهديدات الإسرائيلية ضد طهران

هل ستشهد المنطقة حربا عسكرية؟
د. حازم الراوي
الحرب عموما هي صراع بين ارادتين متناقضتين يستهدف كل منهما كسر إرادة الطرف الآخر بوسائل مختلفة وفقا للاستراتيجية التي يتبناها كل طرف من أطراف الصراع. والاستراتيجية هي علم وفن استخدام القوى المتاحة لتحقيق اهداف السياسة، وقد تكون هذه القوى سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية.
وتتفرع من هذه الاستراتيجيات فروع تخصصية لها، فمثلا نجد ان الاستراتيجية الجوية هي فرع من فروع الاستراتيجية العسكرية التي تعني علم وفن استخدام القوات الجوية لتحقيق اهداف السياسة، وهكذا الحال للاستراتيجية الزراعية كفرع من فروع الاستراتيجية الاقتصادية والتي تعني علم وفن استخدام الموارد الزراعية لتحقيق اهداف السياسة، وفي المجال الاجتماعي فان الاستراتيجية الإعلامية هي جزء من الاستراتيجية الاجتماعية. وبالطبع فان هذا المجال يطول فيه الشرح والتفصيل، الا اننا في هذا المقال وجدنا من المناسب القاء ضوء قصير على مفاهيم الحرب والاستراتيجية بشكل عام.
ومن هنا فان الحرب ليس بالضرورة دوما أن تكون عسكرية كمفهوم تقليدي شائع، انما هنالك حرب اقتصادية يتمثل نموذجها المعروف بالحصار الاقتصادي، أو الحرب السياسية التي يتمثل نموذجها الأعم في العزل السياسي الدولي، وهنالك الحرب الاجتماعية التي يستخدم بها الإعلام والطابور الخامس وغيرها لتشتيت المجتمع وتمزيق أواصره. كما استحدثت الحرب الالكترونية التي تستخدم فيها الهجمات السيبرالية لتحطيم او إيقاف منظومات القيادة والسيطرة لجوانب حيوية لدى الخصم.
وأيا كان نموذج الاستراتيجية المعتمدة في الحرب فان الاستراتيجيات الأخرى تتحول لدعم تلك الاستراتيجية الرائدة. فعلى سبيل المثال عندما تنشب الحرب العسكرية تتحول الاستراتيجية الاقتصادية الى اقتصاد الحرب لدعم القوات المسلحة وهكذا نجد الاستراتيجية السياسية والإعلامية تنشط لتأمين الدعم المطلوب. وعندما تشن الحرب الاقتصادية نجد ان الردع العسكري والتهديد باستخدام القوة يأخذ منحى التلويح وليس الاستخدام الفعلي.
ولعل أقرب مثال على ما ذكرنا ما نجده حاليا في الصراع الأمريكي الإيراني، فقد تبنت الولايات المتحدة الامريكية الاستراتيجية الاقتصادية في حربها ضد إيران بالحصار الاقتصادي الحاد من خلال منع تصدير النفط مما فرض واقعا صعبا على مستوى انخفاض سعر التومان الإيراني وارتفاع حاد في الأسعار وانتفاض الشعب الايراني ضد سياسة حكام طهران. وقد دعم هذا الحصار بالعزل السياسي والهجمات السيبرالية والنشاط الإعلامي فضلا على الردع العسكري كما نشاهده اليوم من خلال المناورات العسكرية وحركة حاملات الطائرات والغواصات والطائرات الاستراتيجية بي 52 وغيرها في مياه وسماء الخليج العربي.
وفي هذه الأيام نجد تصعيدا غريبا في الاوساط الإسرائيلية والامريكية بالرغم من تغير الرئاسة الامريكية وذهاب أغلب التوقعات الى أن الهدوء سيسود المنطقة في ضوء التصور الذي يشير الى احتمال العودة الى التفاوض مع إيران والعودة الى الاتفاق النووي.
ففي يوم الاثنين المصادف 25 ديسمبر الماضي ظهر رئيس اركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي على شاشات القنوات الفضائية ليوجه تهديدا شديدا ضد إيران وشركائها الذين وصفهم بـ "الأذناب" في المنطقة وأشار الى أنه أصدر توجيهاته الى الجيش ليكون على أهبة الاستعداد لشن هجوم ضد مواقع إيرانية إذا ما اتخذ القرار السياسي بذلك، علما ان الخطط العسكرية جاهزة لهذا الغرض، كما أشار الى ان العودة الى الاتفاق النووي يعد أمرا سيئا. وان إيران في طريقها للحصول على سلاح نووي. وأضاف «يجب مواصلة ممارسة الضغوط على إيران ولا يمكنها امتلاك قدرات لحيازة القنبلة النووية. وتزامن ذلك مع التصريح الخطير لوزير الخارجية الأمريكي الجديد بلينكن الذي أشار فيه الى إن إيران ربما تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي، كما تزامن ايضا مع توعد قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال فرانك ماكينزي، بالرد على أي هجمات إيرانية تطال قواته في المنطقة.
وتأتي هذه التطورات في سياق ضغوط أمريكية وإسرائيلية تجاه إيران وميليشياتها المتوزعة في دول عربية وخاصة سوريا والعراق، وذلك بسبب نشاطها النووي والصاروخي والتدخلات العسكرية في المنطقة العربية والتي تثير المخاوف الإسرائيلية.
وفي إطار هذه التهديدات يجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتتياهو، مباحثات مع كبار المسؤولين في وزارتي المالية والجيش للاستعداد لهجوم محتمل ضد إيران، وناقش نتنياهو مع كبار المسؤولين في الوزارتين تحويل الأموال من القواعد الأمنية للطوارئ لصالح الاستعدادات لهجوم محتمل ضد إيران، بحسب التلفزيون الإسرائيلي.
وإذا كانت هذه التصريحات والتهديدات قد اذيعت للملأ عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بشكل علني، فهل هذا يعني أنها تدخل في باب الحرب النفسية كما يراها الإيرانيون، أو في باب الر دع العسكري وليس الاستخدام الفعلي للقوة؟
في اطار توصيف طبيعة الصراع نقول انه في الماضي القريب لم يكن الصراع الأمريكي الإيراني صراعا حقيقيا، بل كان صراعا إعلاميا فقط، وبذات الوقت لم يكن هنالك تحالفا امريكيا إيرانيا بل  كان التقاء طارئ وظرفي في ذات الهدف بالرغم من الاختلاف بينهما في العقيدة والمنهج والمجال الحيوي ، بررته أنماط المصالح المشتركة وتقاسم النفوذ وتقسيم الأدوار، لعل أهمها يكمن في الموارد المالية الهائلة التي حصلت عليها شركات تصنيع الأسلحة الامريكية لمجابهة النمر الإيراني الكارتوني ، مقابل فتح الضوء الأخضر لإيران وميلشياتها في التمدد، بل النفوذ والتحكم بسياسات العراق وسوريا ولبنان واليمن. وقد تواصل هذا الصراع المزيف بينهما حتى ظهر متغير جديد، قلب الموازين واختلق ظروف جديدة، فبات الصراع الراهن بينهما صراعا حقيقيا يستهدف كل منهما فرض ارادته على الآخر. فما هو هذا المتغير؟
ببساطة يمكن القول إن إسرائيل التي تتقمص شخصية القنفذ بالاختباء والاختفاء خلف الكواليس هي التي تؤثر بشكل واسع في الخطط الامريكية التي تخدم أهدافها الاستراتيجية عبر اللوبي الصهيوني. وقد كانت اسرائيل تعتقد في السنوات الماضية أن كافة التحركات والمحركات الإيرانية سواء في الانتشار في عموم البلدان العربية التي نفذت اليها، أو في الصناعة النووية وخاصة في مفاعل بوشهر، والمستوى المسيطر عليه في تخصيب اليورانيوم الذي لا يتجاوز 20%  أو في انتاج الصواريخ البالستية، أو في الشعارات المعادية له التي تصدح بها حناجر الحرس الثوري وميليشياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كلها مسيطر عليها من خلال وسائل الرصد والمراقبة الالكترونية والاقمار الاصطناعية والجواسيس وغيرها من الوسائل والأساليب المبتكرة.الا ان المفاجأة التي ظهرت فغيرت اتجاه الصراع تمثلت بالآتي:
1. استغلال إيران لنفاذ ميليشياتها في الأراضي السورية لتنتشر بشكل واسع، والاقتراب كثيرا من حدود الجولان المحتل مع إقامة معسكرات ومواقع تموضع لها، وتجهيزها بصواريخ وأسلحة مختلفة ضمن مديات تصل الى عموم الأراضي والعمق الإسرائيلي الهش.
2. تطور مخفي ومكثف في مجال تخصيب اليورانيوم والمسرعات النووية في كافة المفاعلات الايرانية والذي قد يفضي الى إمكانية انتاج رؤوس نووية خلال الأشهر القريبة القادمة أو حتى أقرب من ذلك وفق ما صرح به وزير الخارجية الامريكية مؤخرا.
3. انتاج صواريخ باليستية بعيدة المدى تصل مدياتها لأكثر من 2000 كيلومتر بإمكانها الوصول الى كافة المواقع الاسرائيلية العسكرية والحيوية، كصاروخ قيام 1 وشهاب 3 وغيرها بالرغم من تشديد القيود المفروضة على هذا الأمر بموجب الاتفاق النووي الموقع بين كل من أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا (5 + 1) من جهة وايران من جهة ثانية، والذي انسحبت الولايات المتحدة الامريكية منه في 8 أيار 2018 ، علما أن هذه الصواريخ بإمكانها حمل رؤوس نووية في حالة انتاجها من مفاعل بوشهر، مما يشكل خطرا هائلا على اسرائيل حتى لو كانت الرؤوس النووية صغيرة العيارات، حيث لا تتحمل إسرائيل ضربة نووية استباقية نسبة للكثافة السكانية من ناحية، وللتدمير الكبير الذي تحدثه، وكذلك الجانب النفسي المؤثر من ناحية أخرى. بالرغم من ان إسرائيل تمتلك ترسانة نووية قادرة على تدمير إيران بكل مواقعها العسكرية والحيوية والقيادية والبنية التحتية.
4. استشعار الخطر الإسرائيلي المستقبلي من الشعارات الحالية التي تصدح بها حناجر الأطفال والشباب ضد إسرائيل (الموت لإسرائيل) والتي يمكن ان تخلق في المستقبل منهجا فكريا لديهم، فتتحول تلك الشعارات من مجرد أقوال في اللسان بالوقت الحاضر الى عقيدة راسخة في عقول هؤلاء. فيأتي الخوف بعد عشرين أو ثلاثين سنة حيث يمكن ان يكون الزر النووي بيد أحدهم ان بقي هذا النظام على حاله واستلم هذا الطفل او الشاب الموقع القيادي الأول في إيران، علما ان اسرائيل تخطط لأمد زمني طويل ينسجم مع ديمومة بقائها المفترضة.
ومما ورد في أعلاه فقد قامت إسرائيل بإجراء تمارين دفاعية لمنظومات الدفاع الجوي المسماة (القبة الحديدية، مقلاع داوود، والسهم)، وتعلن في وسائل الاعلام الإسرائيلية دعوة المستوطنين في مختلف المدن للدخول الى الملاجئ في توقيتات محددة لتنفيذ تلك التمارين لمواجهة الصواريخ الإيرانية المحتملة.
وقد سببت هذه الدعوات المعلنة رسميا الى سيادة الخوف والذعر لدى كل من المستثمرين اليهود الموجودين داخل اسرائيل من ناحية، والى عموم الشباب اليهودي الذين يستدعون من خارج اسرائيل للقدوم اليها. وبالطبع فان ذلك يجعل ذلك المستثمر اليهودي الكندي على سبيل المثال الذي يمتلك مصنع المنيوم في تل ابيب، أو ذلك المستثمر اليهودي الأسترالي الذي يمتلك مزرعة دواجن في حيفا الى التسارع في انهاء استثمارهم والعودة الى بلدانهم خشية من قيام حرب مستقبلية. كما ان الشباب اليهودي بدأ يعزف عن القدوم الى إسرائيل.
وبذلك فقد أصبحت إسرائيل طاردة للاستثمار وطاردة للسكان على العكس من سر بقائها المرتكز على كلا العاملين.
وقد كان لهذا المتغير فضلا عن عوامل أخرى دورا أساسيا في تغيير جوهري في مسار الصراع بين إيران وامريكا ليكون صراعا حقيقيا وواقعيا لأنهاء النظام الإيراني بمراحل، لعل أولها يكمن في انهاء نفوذها في العراق من خلال تفكيك ميليشياتها، وكذلك تدمير كافة المليشيات الإيرانية المنتشرة في سوريا، والتي باشرت إسرائيل بذلك فعليا.
ومن ناحية أخرى فان اسرائيل تعتمد في عقيدتها العسكرية على ثلاثة مبادئ هي: (القوة الرادعة.. الأمن.. الأمر الواقع)
ففي مبدأ القوة الرادعة تسعى لأن تكون القوة العسكرية الأقوى إقليميا دون منازع، كما تؤكد في عقيدتها بأنها الوحيدة التي ينبغي أن تحصل على السلاح النووي في المنطقة دون غيرها. ولذلك فحجم الترسانة النووية الحالية قد تجاوزت ال 300 رأس نووي، عيار كل منها يعادل عيار القنبلة النووية الامريكية الأولى التي استخدمت ضد اليابان في السادس من آب عام 1945 بميناء هيروشيما. هذه الرؤوس التي يمكن أن تركب على الرأس الحربي لصواريخ جريكو(أريحا) والتي يتجاوز مداها 2000 كيلومتر. وبذلك فان التحدي الإيراني بامتلاك صواريخ باليستية بذات المديات واحتمال الحصول على سلاح نووي يتقاطع كليا مع أحد أهم مبادئ العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
أما المبدأ الثاني فالأمن الإسرائيلي خط أحمر لا يمكن التفريط به، وتعتبر إسرائيل ان انتشار القوات المليشياوية التابعة لإيران بالقرب من الجولان المحتلة في الشمال الشرقي، ووجود حزب الله في الشمال الإسرائيلي، وحماس في الجنوب الغربي تهديدا واقعيا حاليا أو مستقبلا لأمنها.
وفيما يخص المبدأ الثالث فان الأمر الواقع تجسده إسرائيل في سياساتها الداخلية والخارجية دون أي اعتبار أو تحسب، ولعل قيامها حاليا بإنشاء المستوطنات الجديدة وقرارها بضم أراضي الضفة الغربية وإعلان القدس العاصمة الأبدية لها أمثلة على تطبيق هذا المبدأ، أما على المستوى الخارجي فالأمثلة عديدة. فهذا المبدأ يعتمد على (تنفيذ السلوك ومن ثم ستصمت الأصوات بعد حين).
تلك هي مبادئ العقيدة العسكرية الإسرائيلية، أما الاستراتيجية العسكرية فتعتمد على تنفيذ (الضربة الاستباقية، أو ما تسمى الضربة الوقائية، أو أحيانا تسمى الضربة الأولى) حالما تستشعر بالخطر الحقيقي المحدق بها، ولعل قيامها بضرب مفاعل تموز النووي العراقي يوم 8 حزيران 1981 خير دليل على ذلك. ومن هنا قامت إسرائيل بتوجيه الضربات الجوية والصاروخية المتواصلة ضد المليشيات الإيرانية داخل سوريا والعراق. ولا يستبعد قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ ضربة ضد مفاعلات ومسرعات إيران النووية في أي مرحلة قادمة، علما هنالك معلومات تشير الى قيام قواتها الجوية بمناورات ضمن اهداف وهمية في جزيرة قبرص مشابهه لمنطقة مفاعل بوشهر وتبعد بذات المسافة من إسرائيل الى المفاعل المذكور.
وذلك ما يستدعي من كافة دول الخليج العربي اتخاذ كافة الوسائل الوقائية والاحترازية والدفاعية في شتى الجوانب الأمنية والاقتصادية لمواجهة أي تحد محتمل، خاصة وان إيران زودت ميليشياتها الولائية في العراق مؤخرا بصواريخ بالستية وبطائرات مسيرة مفخخة بغية استهداف المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى انطلاقا من الأراضي العراقية لاستهداف المواقع الحيوية كالموانئ والمطارات وآبار النفط ومحطات تحلية المياه وغيرها. 
ومن هنا فان إيران وبموجب معطيات التهديد الإسرائيلي والامريكي قد تستبقهما بإشعال الحرب ليس ضد أمريكا وإسرائيل بل ضد دول الخليج وفق نظرية الضربة الاجهاضية قبل أن يكتب على حكامها الموت التدريجي بسبب الحصار الاقتصادي القاتل وغضب الشعوب الإيرانية، فضلا على جائحة الفيروس الجديد.
فمن يراقب السلوك الإيراني يجد أنها تستخدم ميليشياتها الولائية في استهداف مواقع أمريكية وسعودية بشكل متواصل، فها هي تستهدف السفارة الامريكية في بغداد والقواعد العسكرية الامريكية في مطاري بغداد وأربيل مثلما تستهدف مطار جدة والمواقع الحيوية في الرياض، ولعل ذلك كله مؤشرا من مؤشرات ودلائل الحرب التي ندعو الله تعالى ان يجنبنا واشقائنا العرب من ويلاتها.