ترامب ليس صادقاً حيال سوريا.. لماذا؟

ترامب ليس صادقاً حيال سوريا.. لماذا؟

 

بلال العبويني

لا يمكن اتخاذ موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإنسحاب القريب والنهائي من الأراضي السورية على محمل الجد، وذلك لعدة أسباب، منها:

أولا: أن في الإدارة الأمريكية من يرى غير ذلك انطلاقا من مصالح أمريكا العليا في العراق وسوريا التي تحتم عدم ترك الساحة فارغة لروسيا وإيران.

ثانيا: يتناقض تصريح ترامب مع ما أعلنه مسبقا من استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران باتجاه مزيد من الضغط عليها ومحاصرة تمدد نفوذها في المنطقة، ذلك أن تمكنها من توسيع قواعدها العسكرية في سوريا من شأنه أن يهدد مصالح واشنطن وحليفتها في المنطقة "إسرائيل".

ثالثا: يتناقض التصريح مع التحالف المعلن بين الولايات المتحدة والأكراد في شمال سوريا، والذي أفضى إلى القضاء على تنظيم داعش في الرقة ودير الزور، ذلك أن الانسحاب يعني ترك الأكراد لقمة سائغة بين فكي تركيا الساعية للقضاء عليهم في شمال سوريا والتمدد الجغرافي في مناطقهم على طول الحدود السورية الشمالية، وصولا إلى مناطق شرق نهر الفرات، ووجود القوات الأمريكية يضمن عدم تجرؤ تركيا على مزيد من أراضي الأكراد.

رابعا: يتناقض التصريح مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من العرب الخليجيين تحديدا، الذين يرون في إيران خطرا كبيرا، وينظرون لواشنطن على أنها ضامن لمنع ذلك التمدد، وقد عقدوا من أجل ذلك وغيره الكثير من الاتفاقيات أغدقوا فيها المليارات لضمان أن تكون الإدارة الأمريكية في صفهم.

وحيال النقطة الرابعة تحديدا، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنه من الضروري أن يحافظ الجيش الأمريكي على وجوده في سوريا، ذلك أن بقاء القوات الأمريكية على الأرض السورية، وفق ما صرح لمجلة "تايم" الأمريكية، هو "الجهد الأخير لمنع إيران من الاستمرار في توسيع نفوذها".

لأجل ذلك، وحفاظا على مصالح الولايات المتحدة، لا نعتقد أن ثمة قرارا جادا على المدى القريب أو المتوسط يفضي إلى سحب القوات الأمريكية عن الأراضي السورية، والتي زاد فيها عدد القوات الأمريكية خلال الأشهر الماضية وبدأت بالانتشار في شمال وشرق سورية وفي باديتها المحاذية للحدود مع العراق.

هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يعزز عدم القناعة بالانسحاب الأمريكي القريب من سوريا أن ترامب ذاته وضع أهدافا لقواته في سوريا منها، القضاء على داعش، وتحجيم التمدد الإيراني، وحماية حلفاء واشنطن ومنهم الأكراد و"إسرائيل".

وما يعززه أيضا، ما نُقل عن مستشاري ترامب للأمن القومي أنهم أبلغوه بضرورة الإبقاء على أعداد قليلة لعامين على الأقل لتأمين المزيد من المكاسب، وضمان أن لا تتحول سوريا لقاعدة إيرانية.

إن الإنسحاب الأمريكي السريع والمُفاجئ من سوريا، يعني أن معارك مباشرة ومفتوحة ستندلع تحديدا في الجنوب السوري بين القوات الموالية لإيران وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي التي ستجد الأخيرة نفسها فيه أمام خطر محدق يهدد أمنها وربما وجودها، وهذا نفق مظلم لن تسمح الإدارة الأمريكية ولوبياتها لحليفتها "إسرائيل" أن تقع فيه.

تلك قراءة موضوعية لإعلان ترامب، وإن كانت الأمنيات دائما بانسحاب مختلف القوات الأجنبية عن الأراضي السورية سريعا حتى تستعيد الدولة العربية سيادتها على مختلف أراضيها، عندها ستكون قد حققت انتصارا مظفرا ومنشودا.//